المراقب الصحافي: العميد المنشق وتساقط النظام

TT

ربما لا ترقى المقابلة المطولة التي انفردت بها «الشرق الأوسط» مع العميد مناف طلاس، المنشق عن النظام السوري، إلى خبر العبوة الناسفة التي أودت بحياة وزير الدفاع ونائب رئيس الأركان (صهر الرئيس) وغيرهما من أركان النظام، لكن تبقى مقابلة العميد المنشق لقاء مهما وجريئا من أحد أقرب المقربين للرئيس السوري، الذي قرر أن يخرج عن صمته وعن عباراته المقتضبة لقناة إخبارية، ليتحدث بإسهاب لهذه الصحيفة.

إن تحدث رموز النظام السوري بكل جرأة للرأي العام يعد مسألة مهمة جدا، ومنعطفا في مسار القضية، لا سيما وسط أجواء الفتور السياسي من قبل الدول العظمى في التعامل الحاسم مع آلة القتل، التي بدأت تقصف بالطائرات مناطق سوريا، وسط انشغال الإدارة الأميركية في أولويات انتخاباتها الرئاسية، التي لا يبدو أن الحل العسكري خيارا مطروحا على أجندتها. ولا أستطيع كمراقب صحافي أن أفسر الصورة التي وزعها البيت الأبيض للرئيس الأميركي وهو يمسك بتراخ واضح بعصا لعبة البيسبول في أثناء مكالمته مع رئيس الوزراء التركي أردوغان، للتباحث حول الشأن السوري، إلا بأنها رسالة سياسية واضحة للمهتمين بالأزمة السورية بأن هذه القضية ليست ذات أولوية لدى الرأي العام الأميركي وحكومته.

وسط كل هذه المعطيات وإخفاقات الجهود الدولية في وضع حل حازم للقضية السورية، تبقى لدى وسائل الإعلام، وتحديدا صحيفة «الشرق الأوسط» أن تخترق جدار الصمت الذي اعتاد كثير من قيادات النظام البعثي أن يضعوه حائلا بينهم وبين جرائم النظام. وذلك بأن تقدم الصحيفة تارة تقاريرها الخاصة من قلب دمشق ومناطق الصراع، وتارة أخرى بنشر مقابلاتها الحصرية التي يمكن أن تتناقلها وسائل الإعلام العالمية، كما حدث مع مقابلة العميد مناف، وذلك لتصل إلى القارئ والعالم حقيقة ما يجري في سوريا، وفي قلب مؤسسة الحكم.

لقاء العميد ليس الأول من نوعه، ولكنه برأيي الأهم حتى الآن، وسوف يدفع المزيد من القيادات العسكرية والسياسيين والسفراء السوريين إلى جرأة الحديث وكشف ممارسات النظام. ولا نذيع سرا إن قلنا إن أي نظام استبدادي تقض مضجعه حركة الانشقاقات، لأنها بداية جادة لتقويض أركانه، ولنا في التاريخ القريب والبعيد عبرة لمن يعتبر.