فريد زكريا يتعلم من محنته

أصحاب العمل التفوا حوله وساندوه بنفس السرعة التي كانوا قد شككوا في مصداقيته بها من قبل

فريد زكريا.. اعتذر في غضون دقائق معدودة عن خطأ إعلامي فادح (نيويورك تايمز)
TT

عندما أراد كل من ليندا وستيوارت ريسنيك، مالكي مشاريع شهيرة في مدينة بيفرلي هيلز الأميركية، اللذين قاما بتأسيس شركة «بو أو إم واندرفول»، استضافة حفل عشاء في منزلهما في مدينة آسبن عام 2006 للحديث عن حرب العراق، أعدا قائمة تضم 22 ضيفا، بمن في ذلك الملكة نور من الأردن، والأميركي جورج سوروس، والنائب الديمقراطي ديان فاينشتاين عن ولاية كاليفورنيا. أما قائمة الصحافيين فتصدرها الصحافي المفضل لديهما وهو فريد زكريا الهندي المولد والحاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد والمتخصص في السياسة الخارجية وهو الذي أصبح بعد ذلك أحد نجوم وسائل الإعلام.

وقالت ليندا خلال الأسبوع الماضي: «عندما يتحدث زكريا أصغي إليه. أنا أشعر بسعادة غامرة لمجرد وجود شخص مثله».

ومنذ ذلك المساء، ترى ليندا وزوجها أن زكريا بدأ يصعد في السلم الإعلامي حتى وصل إلى آفاق أكبر - إدارة مجلة «نيوزويك إنترناشيونال» وكتابة أعمدة لمجلة «تايم» وصحيفة «واشنطن بوست» وتقديم برنامج «جي بي إس» على شبكة «سي إن إن»، وأصبح واحدا من المدعوين المفضلين في حفلات العشاء التي تقيمها النخبة.

ومع ذلك، تعرضت مسيرة زكريا المهنية من انتكاسة مفاجئة في الآونة الأخيرة بعدما اكتشف مدونون أن عموده المنشور في العشرين من أغسطس (آب) بمجلة «تايم» يضم مقاطع شبه كاملة من مقال للمؤرخة جيل ليبور المنشور في مجلة «نيويوركر» في أبريل (نيسان) الماضي.

وسرعان ما اعتذر زكريا. وفي غضون دقائق معدودة، كانت مجلة «تايم» قد أوقفته عن العمل لمدة شهر، وقامت شبكة «سي إن إن»، التي كانت قد نشرت أجزاء من العمود على موقعها الإلكتروني، بحذف المقال وإيقاف زكريا عن العمل حتى إشعار آخر. وبدأت «تايم» و«سي إن إن» و«واشنطن بوست» التحقيق في هذا الأمر.

وبعد ظهر يوم الخميس الماضي، أعلنت مجلة «تايم» وشبكة «سي إن إن» أنهما أكملا تحقيقاتهما وأنهما لم يجدا أي أدلة على قيام زكريا بانتحال آراء كتاب آخرين وأعادا زكريا إلى عمله. وقام أصحاب العمل بالالتفاف من حوله ومساندته بنفس السرعة التي كانوا قد شككوا في مصداقيته من قبل.

وقال مدير تحرير مجلة «تايم» ريتشارد ستنجل: «إنه أحد المثقفين الرواد في العالم، وسوف يعود إلى مكانته السابقة».

ومنذ وقت ليس بالطويل، كانت كتابة عمود في مجلة «تايم» تمثل أقصى أحلام وطموحات أي صحافي، غير أن سقف التوقعات والفرص قد ارتفع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يقوم كثير من الكتاب بتسويق أنفسهم بشكل منفصل عن المؤسسات الإعلامية، علاوة على أن الصحافة الخاصة بهم تعمل إلى حد كبير على تعزيز المساعي التي تحقق ربحا أكبر مثل تأليف الكتب والظهور في البرامج التي تحظى بنسبة مشاهدة كبيرة.

وتكمن المشكلة، كما اكتشف زكريا نفسه، في أن وصمة العار الناجمة عن أي فضيحة يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة عبر كثير من وسائل الإعلام المختلفة، مما يؤدي إلى تشويه صورته وسمعته التي بناها بعناية فائقة عبر سنوات طويلة.

وقال جيم كيلي، وهو رئيس التحرير السابق لمجلة «تايم»: «هذا الرجل فريد من نوعه وله أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره، ولذا عندما يحدث ذلك، فعليه أن يكون حذرا للغاية».

وفي مقابلة شخصية معه يوم الجمعة في مكتبه بشبكة «سي إن إن»، اعتذر زكريا مرة أخرى عما سماه «خطأ فادحا»، وأضاف: «هذا الأسبوع كان مهما للغاية لأنه جعلني أدرك صميم ما أريد القيام به». واستطرد زكريا قائلا إنه يريد «مساعدة الناس على التفكير في هذا العالم السريع والقيام بذلك من خلال عملي في التلفزيون والكتابة». وأضاف زكريا: «يجب التخلص من الأشياء الأخرى، والتركيز على الأعمال الهامة».

وحتى بعد التخلص من بعض الأعمال والتركيز على أعمال بعينها، يبقى زكريا طموحا للغاية، حيث قال إنه يعمل على تجميع أفكار عموده في عطلة نهاية الأسبوع، ثم ينشرها يوم الاثنين، ويكتب يومي الثلاثاء والأربعاء، ويقوم يوم الخميس بتصوير برنامجه التلفزيوني الذي يذاع يوم الأحد.

وعلاوة على ذلك، قام زكريا بكتابة 3 كتب ومراجعة كتاب آخر، فضلا عن خطاباته وتعليقاته على موقع «تويتر»، بينما يحاول قضاء فترة الصباح مع عائلته. وذات يوم جمعة قريب، كان زكريا يحاول إعداد الفطائر والخبز المحمص الفرنسي لأبنائه الـ3 الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و13 عاما. وقال زكريا إنه لم يكن يستعين بمساعد في كتابة الأعمدة على مدار 25 عاما، وإنه بدأ يعتمد على مساعد باحث لعموده خلال العام الماضي فقط.

وقال زكريا إن الخطأ وقع عندما تم الخلط بين الملاحظات التي حصل عليها من مقال ليبور - قال إنه يكتب مقاله بيده في كثير من الأحيان - مع ملاحظات مأخوذة من كتاب «تبادل إطلاق النار: معركة الحق في حمل السلاح في الولايات المتحدة» لآدم وينكلر، الذي كانت نسخة منه موجودة على مكتب زكريا في شبكة «سي إن إن».

وقال تشارلز ايسيندراث، وهو مدير زمالة نايت - والاس في الصحافة بجامعة ميتشيغان، إن هذه القضية تعكس الحقائق الاقتصادية التي يقوم عليها عمل وسائل الإعلام، حيث أصبحت المجلات تعتمد بصورة أكبر على شخصيات واحدة. وأضاف: «ما يحدث في وسائل الإعلام هو عبادة الشخصية. المؤسسات التي تضطر لخفض موظفيها لا تجد مفرا من الاعتماد على أسماء الصحافيين اللامعين».

وقارن ايسيندراث بين ما حدث مع زكريا وبعض التحديات التي تعرض لها دان راذر قبل سقوطه. وكان راذر قد أقيل من عمله كمقدم لـ«ذي سي بي سي إيفننغ نيوز» بعدما أجرت الشبكة تحقيقا في برنامجه «60 دقيقة» الذي تناول سجل الرئيس جورج دبليو بوش في الحرس الوطني. وقال ايسيندراث إن راذر كان يقوم بـ4 وظائف في آن واحد، في حين كان سلفه والتر كرونكايت يركز على عمل واحد فقط.

وأضاف ايسيندراث: «ما دام أن الاعتماد على شخصيات فردية ذات اسم كبير أرخص من الاعتماد على مجموعة كبيرة من الموظفين، فإن المؤسسات الإعلامية سوف تقوم بذلك».

يقول الأصدقاء إن زكريا البالغ من العمر 48 عاما كان دائما يقوم بأكثر من مهمة في وقت واحد وإنه شخص طموح. وقال بويكين كوري إنه عندما كانا معا في جامعة «ييل» كان زكريا رئيس اتحاد «ييل» السياسي، وكان ينظم رحلات لمقابلة نائب الرئيس إيزاك أسيموف وأندرو روني. في الوقت ذاته، أشار كوري إلى أن كثيرين كانوا يقرأون لزكريا، إلى الحد الذي جعلني أظن أنه لم يكن ينم قط.

وقال غيديون روز، زميل آخر مقرب من زكريا ومدير تحرير مجلة «فورين أفيرز»، إن زكريا كان دائما متميزا حتى في أوقاته الخاصة، فعندما اقترب من منتصف العمر، أصبح أكثر التزاما بممارسة الجري ولعب التنس. وانفصل لفترة عام 2011 عن زوجته، بولا ثروكمورتون، لكنه قال إنهما عادا إلى بعضهما. وقال روز: «أتمنى لو أني أملك عشر الطاقة والقدرة الإنتاجية التي يملكها هو. أنا أقرب إلى الإنسان العادي، لذا أنا أقل انضباطا».

بعد قضاء 8 سنوات في العمل كرئيس تحرير لمجلة «فورين بوليسي»، رسخ زكريا مكانته بمقال رئيسي في صحيفة «نيوزويك» في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بعنوان «لماذا يكرهوننا؟». وأعلن عن تأييده للغزو الأميركي للعراق رغم تأييده للقوات متعددة الجنسيات وانتقاده لكيفية إدارة الحرب. وبعد انتقاله إلى الـ«تايم» كتب مقال «كيفية استعادة الحلم الأميركي»، وقد كان موضوع العدد وأصبح مذيعا متميزا على قناة «بي بي سي».

وصف باريت شيريدان، باحث لدى زكريا منذ عام 2008 إلى 2010، رئيسه السابق بأنه «كاتب وحاذق سريع على نحو خارق». وقال إنه لم يعرف أن زكريا كان له كاتب ظل.

يقول نيسيد هاجاري، الذي عمل مع زكريا في «نيوزويك» منذ عام 2001 إلى عام 2010، إنه كان يقوم بعمليات البحث اللازمة والكتابة على عكس بعض كتاب العمود الآخرين. وأضاف: «لقد راجعت أعمال كتاب آخرين بدوا لي سارقي أفكار، وهذا واضح في نقلهم، لكن فريد لم يفعل ذلك أبدا».

ويقول زملاؤه الحاليون والسابقون إن زكريا كان حريصا في ما يقوم به من مهام. وقال مارك وايتيكر، مدير تحرير «سي إن إن وورلد وايد» ورئيس التحرير السابق، إن زكريا أخبرها بأنه رفض اقتراحات بالظهور يوميا على «سي إن إن».

وقال الزملاء السابقون له في «نيوزويك إنترناشونال» إنه كان يشارك في اختيار مواضيع الغلاف والأفكار، لكنه لم يكن يكتب بشكل منتظم وكان الوجه الإعلامي للمجلة.

ويقول زكريا الآن إنه يعتزم وقف العمل مع مجموعات مثل مجلس العلاقات الخارجية، وشركة «ليتل شكسبير»، ومجلس إدارة جامعة «ييل». ويقول أيضا إنه يعتزم عدم إلقاء كثير من الخطب. وقال: «لقد كان أسبوعا صعبا، لكنه كان كاشفا. إنك تكتشف ما يمثل لك أهمية في الحياة، ومن هم الأصدقاء حقا».

وتعد ليندا ريسنيك نفسها واحدة من معجبيه، حيث تقول: «إن ذلك لا يتسق مع شخصيته. أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه زوبعة في فنجان»، مشيرة إلى أمر السرقة الأدبية.

* خدمة «نيويورك تايمز»