الإعلام الاجتماعي يثبت براءته من تهمة «إدمان الإنترنت» حتى الآن

30 مليون حساب على «فيس بوك» تحتل بها تركيا المرتبة السابعة عالميا

TT

لا يمضي يوم دون أن تصادف أشخاصا منهمكين في التعامل مع هواتفهم الذكية في المواصلات؛ وأحيانا خلف مقود السيارة.

هذه الزيادة في كتابة الرسائل النصية أثناء القيادة أدت إلى تدشين حملة في الولايات المتحدة تحذر الأفراد من كتابة الرسائل النصية أثناء القيادة. وفي لندن، على سبيل المثال، عندما تركب قطار الأنفاق، تتخيل للوهلة الأولى أن شركة «آبل» وزعت هواتف مجانية على الأفراد وطلبت منهم عدم الانفصال عن هواتفهم الذكية.

لا تختلف المشاهد في إسطنبول وأنقرة أو أي من المدن الرئيسية الأخرى هذه الأيام عن مثيلاتها في أي من حواضر العالم الأخرى في ارتباط الأفراد بهواتفهم الذكية وبشكل خاص مع وسائل الإعلام الاجتماعي. ففي عالم الإنترنت الذي يتغير بصورة لا تصدق، تحول «فيس بوك» و«تويتر» إلى أهم وسائل الإعلام الاجتماعي حتى تظهر وسيلة أخرى أكثر شعبية.

واليوم هناك أكثر من 30 مليون حساب على «فيس بوك»، تحتل بها تركيا المرتبة السابعة على مستوى العالم في أعداد مستخدميه، في الوقت الذي تحتل فيه المركز الرابع بين الدول الأسرع نموا في أعداد مستخدميه.

وبشكل مماثل، ينمو «تويتر» أيضا، فتحتل تركيا المرتبة الحادية عشرة بين الدول التي تضم أكبر عدد من مستخدمي «تويتر». وقد استخدم الرئيس التركي عبد الله غل ذاته «تويتر» بنجاح لنقل رسائله إلى أكثر من مليونين من مؤيديه. وكان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يقلل من أهمية الإعلام الاجتماعي في البداية، لكنه أنشأ له حسابا لنقل كثير من الرسائل الرسمية والقليل من المعلومات الشخصية مقارنة بالرئيس.

ومع إدراكهم مدى أهمية التواصل الاجتماعي، شرع كثير وكثير من السياسيين في استخدام هذه المواقع إلى جانب الوسائل التقليدية.

وبحسب البحث الذي أجراه الدكتور غولوم سينير، أستاذ الاتصال في جامعة آريل، يتفحص 40 في المائة من مستخدمي «فيس بوك» حسابهم خمس مرات على الأقل يوميا، في الوقت الذي يتفق فيه ما يزيد على 60 في المائة من مستخدميه على أنه يستهلك كثيرا من وقتهم، بيد أن ذلك لم ينقص من شعبيته. ويصف طبيب أسنان تركي نفسه بـ«مدمن الإنترنت»، معترفا بأن استخدامه الدائم لـ«فيس بوك» يضطره أحيانا إلى التأخر عن مرضاه. أما ماهر زينالو، الكاتب بصحيفة «زمان» اليومية، الذي يبعث بتغريداته إلى 37.000 متابع له حول السياسة الخارجية على مدار الساعة، فيرى أن إدمان وسائل الإعلام الاجتماعي تعني أن «يلازمك موقع التواصل الاجتماعي أيا كان ما تفعله. فمتابعوك لا يكفون عن السؤال عن سبب غيابك.. وتشعر بأن في عزلة تامة عن العالم، وهو ما يجعلك تغفل عن بعض أصدقائك الحقيقيين وأفراد عائلتك، لكنك تكسب العديد من الأصدقاء، وهو ما لا يتوقع حدوثه في الحياة العادية في مثل هذه الفترة القصيرة».

الحقيقة أن عدم دخول الأفراد على حساباتهم على «تويتر» أو «فيس بوك» عدة ساعات، ناهيك بيوم، يجعل حتى أكثر مستخدمي الإنترنت يتساءل عما إذا كان ينبغي لنا القلق. هل استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي الحديث إدمان أم إنه إفراط في الاستخدام فقط لأحد المصادر في حياتنا التي تحولت إلى التمحور حول الذات؟ وهل يلجأ الأفراد إلى وسائل الإعلام الاجتماعي لأنهم يشعرون بالوحدة أم لأن وسائل الإعلام الاجتماعي تجعل الأفراد أكثر شعورا بالوحدة؟

ويرفض سيم حيزلان، طبيب في إسطنبول، متخصص في علاج الإدمان، تصنيف استخدام وسائل الإعلام على أنه إدمان، نظرا لأنها لا تتوافق والمعايير الطبية كما هي الحال في الأنواع الأخرى من المخدرات. ويرى الدكتور حيزلان أن زيادة أعداد الساعات التي يقضيها المرء في تصفح الإنترنت لا تختلف عن العادات الأخرى، وأشار إلى الاضطراب الذي حدث في القرن التاسع عشر الذي أطلق عليه «القراءة بين الفتيات الصغار»، في محاولة لوضع الأمور في نصابها ومساعدتنا في إدراك مدى تأثير البنية الاجتماعية علينا. ويقول الدكتور حيزلان، لا تدرج منظمة الصحة العالمية عادات مثل الإعلام الاجتماعي تحت طائفة الإدمان؛ بل في خانة مشكلات إدارة الوقت.

وبالمثل، يقول البروفيسور آصلي تونك، عميد كلية الإعلام في جامعة بيلجي بإسطنبول: «يجب أن لا نسارع بلصق مصطلح (الإدمان) بالاستخدام المفرط للإعلام الاجتماعي على الرغم من توجه الإعلام إلى القيام بذلك، لأننا كما يعلم جميعنا، يحب الإعلام الجماهيري؛ هذا النوع من الضجيج في تغطية التكنولوجيا الجديدة وفي بعض الأحيان الحديث عن أشياء لا تعدو (سببا) فقط»، بحسب جريدة «زمان» التركية.

بيد أن بعض الدراسات مثل البحث الذي أجراه مؤخرا الدكتور ويلهالم هوفمان من جامعة شيكاغو تؤكد أن إدمان الإعلام الاجتماعي قد يكون أقوى من إدمان التدخين والكحول، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن انخفاض تكلفة الوصول إلى الإنترنت مقارنة بمواد الإدمان الأخرى قد يكون له تأثير على مستوى الإدمان. بيد أن الدكتور حيزلان يحذر بشأن البعد التجاري لإدراج عادات الإعلام الاجتماعي في فئة الإدمان.

* يقرب البعيد ويبعد القريب

* سواء أكان الأمر إدمانا أم إفراطا في الاستخدام، فلا يمكن تجاهل تأثير الإعلام الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية. يبدو واضحا أن الإعلام الاجتماعي يربط الأفراد البعيدين في الوقت الذي يفصل فيه بين أبناء العائلة الواحدة. ويشكو الأزواج بشأن التصاق شريك حياتهم بالهاتف الذكي في المنزل. فتصف زوجة مازحة هاتف زوجها الذكي الذي لا يفارقه بأنه «عشيقته». وعندما يتجمع الأفراد لتناول طعام الغداء أو العشاء حتى بعد فترة طويلة يتملكهم إدمان هواتفهم الجوالة ويفضلون ما يجري في عالم الإنترنت على صحبة أصدقائهم في الواقع. ويقول طبيب الأسنان، الذي ذكر آنفا: «عندما أشعر بالملل من الناس أو حتى الأصدقاء من حولي، أهرب إلى العالم الافتراضي».

ويؤكد إسماعيل هاكي بولات من قسم الإعلام الجديد في جامعة قدير هاس، نقيض ذلك، ويرى غير مكترث بشأن التأثير السلبي للإعلام الاجتماعي الجديد على حياتنا اليومية. وقال بولات، عندما سئل عن إدمان الإعلام الاجتماعي: «أعتقد أن هذا موقف عارض». وبحسبه، يعيش الجيل القديم في صراع مع الجيل الجديد، الذي ولد في عصر التكنولوجيا ويعتبر الإنترنت أرض الميعاد لحريات بلا حدود. وعلى عكس الاعتقاد الشائع بشأن ما تسببه وسائل الإعلام الاجتماعي من الوحدة، يؤكد بولات أن الإعلام الاجتماعي يجبر الأفراد المنعزلين في المدن على العيش في الحياة الحقيقية. وتأتي دعوة الإفطار التي وجهها مليح جوكيك، عمدة أنقرة، الذي حقق نشاطا واضحا مؤخرا، لـ240 من مؤيديه، لتدعم أدلة الزعم بأن ذلك قادر على إثبات براء الإعلام الاجتماعي.

لكلمة «إدمان» مدلول سلبي على الأغلب، ونحن نستخدمها بكثرة في حياتنا اليومية للإشارة إلى عادات دون التفكير في معناها الطبي. ورغم العدد الكبير لمن يصفون أنفسهم بالمدمنين، فإنه يمكن إعلان براءة الإعلام الاجتماعي من الاتهامات بالإدمان في الوقت الراهن بناء على المعايير الطبية.

وعلى الرغم من الغموض حول التأثيرات الفورية وطويلة الأمد للإعلام الاجتماعي والأجهزة التي تمكننا من الولوج إليها، فإن تلك حقيقة ستظل في حياتنا. وقراءتك هذه الصحيفة على الإنترنت ربما تكون السبب في اهتمامنا بهذه القضية.