المراقب الصحفي : ثقافة الاعتذار الصحافي!

TT

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية خبرا عن رسالة وصلتها من مجموعة تلاميذ في مدرسة ابتدائية أرادوا تصحيح معلومات ذكرت في مقال نشر عن حادثة غرق سفينة تايتانيك الشهيرة، إذ ذكروا في رسالتهم أنهم «بحسب أبحاثهم» للحادثة المذكورة فإن يوم اصطدام السفينة بالجبل الجليدي الذي تسبب في غرقها كان يوم 14 أبريل (نيسان) 1912 وليس يوم 15 كما ذكر في المقال! وقامت الصحيفة العريقة بنشر صورة للرسالة التي كتبها الأطفال بخط اليد على لافتة عملاقة كانت بطول قامة المحرر الذي أمسك بها وهو يبتسم للكاميرا! لا شك أن هذه البادرة اللطيفة والمهنية بثت في نفوس الأطفال الثقة بالنفس وجسدت عمليا للتلاميذ ولسائر القراء أنه حينما تخطئ صحيفتنا فإننا لن نتردد في نشر التنويه أو التصويب أو الاعتذار. وما يؤسفني أن بعض الصحافيين العرب يتملصون من نشر التصويبات أو الاعتذار، أو يحجمونها، ولا يدركون أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، لا سيما في عالم الصحافة، ذلك أن الإنسان العربي صار أكثر وعيا واطلاعا وتعليما مقارنة بالعقود الماضية، فهو قد يكتشف الخطأ بسهولة بلمسة زر على لوحة المفاتيح، كما أن من محاسن الاعتراف بالخطأ أنه يرفع من مصداقية المحرر والصحيفة، لأن القارئ سيتيقن أن هؤلاء لن يتوانوا في تصويب أي معلومة يثبت لديهم أنها ليست صحيحة.

ما يعجبني شخصيا في صحيفة «الشرق الأوسط» أنها من الصحف العربية القلائل التي تنشر بصورة شبه يومية زاوية خاصة تسميها «تصويبات»، إن كنت أرى أن إظهارها بصورة أبرز سيكون أفضل، أو أن تنشر في الملحق الذي وقع فيه الخطأ حتى ينتبه القارئ الذي يتابع بعض ملاحق دون غيرها، كما أن كثيرا من القراء والباحثين يبنون قراراتهم وأبحاثهم على ما ينشر من تقارير صحافية على افتراض أنها صحيحة، ثم لا ينتبهون للتصويبات، فيتم تداول الخطأ في المواقع، وربما الأبحاث العلمية التي تخصص جزءا يسيرا للصحف كمراجع.

تصويب الخطأ هو صورة من صور الاعتذار الصحافي للقارئ، واحترام له، والتزام محمود في المهنية التي بدأت تتشوه في ظل زحمة وسائل الإعلام الرخيص الذي يبحث عن الإثارة ضاربا بقواعد المهنية عرض الحائط!