إسلام آباد: الفضائيات تغذي ثقافة الاستهلاك

خبراء إعلاميون: رؤية الهلال تطلق جنون التسوق حتى صلاة العيد

إقبال على شراء مستلزمات الزينة في الأعياد
TT

يعتبر استطلاع هلال العيد مناسبة احتفالية في المجتمعات الإسلامية حول العالم، لكن الباكستانيين رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلادهم حولوا هذه المناسبة إلى مناسبة تجارية ضخمة للتجار والأفراد، بدءا من طبقات المجتمع العليا إلى الفقراء، الذين يخرجون إلى الشوارع لشراء مستلزمات العيد. وقد لعبت الفضائيات الباكستانية دورا بارزا في هذه العملية.

خلق الإعلام الباكستاني حالة أشبه بالجنون بين جموع المتسوقين خلال شهر رمضان، حتى أن الأفراد يبدأون في التسوق بعد إفطار آخر يوم ويستمرون في التسوق حتى صلاة العيد.

هذه الحالة من التدافع الجنوني نحو الأسواق دفعت الحكومة في السنوات السابقة إلى تأجيل الإعلان عن رؤية هلال العيد حتى منتصف الليل لمنع الأفراد من التدافع إلى الأسواق بسبب المخاوف من وقوع هجمة إرهابية في إسلام آباد.

استطلاع هلال شهر شوال في باكستان واحدة من الليالي التي قد لا ترغب في تفويتها، حيث تضاء المصابيح في المدن الكبرى لتحولها إلى مدن صاخبة، تعج فيها مراكز التسوق بالعائلات السعيدة، استعدادا للعيد. مقارنة بالتسوق في شهر رمضان المبارك يعتبر استطلاع هلال العيد الوقت الأفضل للخروج للتسوق. هذه الليلة السعيدة هي ليلة المتعة لغالبية النساء وليلة مشكلة لغالبية الرجال. شيء ما بشأن رؤية الهلال يوقظ حقا روح التسوق في غالبية المتسوقين غير الراغبين في ذلك، فهي بالفعل ليلة سعيدة ترهق الكثيرين.

يلازم الأفراد أجهزة التلفزيون إلى أن يتم الإعلان عن رؤية هلال شوال، وينتظرون بشغف الإعلان عنه. وتقول شمسة كانوال، ربة منزل: «كل شخص يريد أن يأتي العيد سريعا، إنه كل ما نصوم من أجله. إنه جائزتنا التي ننالها في نهاية الشهر». وما إن تتأكد رؤية الهلال يسارع الأفراد من كل الأعمار والأجناس والطبقات الاجتماعية بالنزول إلى الشوارع لرؤية الهلال.

وتحمل هذه الرؤية الآن معاني مختلفة لدى الأفراد، فالمتسكعون يترقبون رؤية الهلال، وهي للآباء الشغوفين برؤية أبنائهم والأزواج تعني الازدحام المروري الخانق، أما بالنسبة للنساء فاستطلاع الهلال مرادف للتسوق حتى السقوط من التعب.

تدخر النساء كل حماستهن وطاقاتهن حتى الدقيقة الأخيرة. ويمكن لاستطلاع هلال العيد أن يغير بشكل فعلي الطبيعة الهادئة للمرأة إلى جنون التسوق. وأيضا إذا كنت سيدة ولم تنقشي يديك بالحناء في الساعات الأخيرة من الليل لهذه المناسبة الكريمة التي يطول انتظارها فأنت لست من كراتشي. هناك كثير من أكشاك بيع الطعام المختلفة وهي تفتح أيضا خلال الساعات الطويلة من الليل لإرضاء شره المتسوقين.

وتقول علياء أحمد، ربة منزل أخرى تعيش في كراتشي: «لذا إذا أردت أن ترى مدينة الأضواء في حلتها الكاملة وتستمتع بالأعياد، فعليك إذن النزول في يوم استطلاع الهلال وتجعلها ليلة ممتعة لك وللآخرين. وإذا لم تكن قد رأيت كراتشي ليلة استطلاع الهلال فقد ضيعت واحدة من عجائب الحياة».

ويقول خبراء الإعلام إن ثقافة الاستهلاك عادة متأصلة في المجتمع الباكستاني بقدر اهتمامهم بالإعداد والاحتفال بالعيد. لكن القنوات الإخبارية الباكستانية روجت لثقافة الاستهلاك على نطاق غير مسبوق في المجتمع الباكستاني، فيقول فصيح الرحمن، الذي عمل حتى وقت قريب رئيس مكتب قناة إخبارية في لاهور، والذي يترأس حاليا القسم السياسي في صحيفة محلية: «خلقت القنوات الإخبارية التي تعلن عن كل شيء، بدءا من منتجات الطعام مثل الحلوى التي تطهوها النساء في أيام العيد إلى زجاجات المياه الغازية التي تقدم إلى الضيوف الذين يحضرون إلى المنازل لتبادل التهنئة بالعيد، طلبا زائفا عليها».

هذه الإعلانات عادة ما تقدم في الفواصل بين البرامج الدينية على القنوات التلفزيونية ذات الشعبية الكبيرة. وربما كانت برامج قنوات «جيو» و«إندوس» و«آري» وتحول قناة «ستار تي في» وقنوات الموسيقى إلى تقديم البرامج الدينية الدليل الأوضح على ذلك.

النجاح الذي حققته قنوات إقليمية مثل قناة «زي تي في» سارت على خطاه قنوات مثل «جيو» و«آري» و«إندوس»، وبصورة ما قناة «بي تي في».

أسهم التعاون الجديد بين الشركات المحلية والدولية في ظهور ثقافة تسير على خطى نمط الاستهلاك الغربي مستخدمين في ذلك نجوم بوليوود والوصول إلى جمهور ضخم للغاية. وقد أثار نجاحها الشكوك في أوساط المجتمع الباكستاني بشأن فشل الثقافة الوطنية. ففي قناة الترفية الشعبية مثل «بي تي في»، وهي قناة ثقافية ضخمة تعرض النسخة الباكستانية من العولمة. وبالتالي تبحث في التأثير الثقافي لثورة الأقمار الصناعية في الدول المجاورة وتطرح تساؤلات، لا عن الثقافة الشعبية بل عن المواقف السياسية الموروثة والعلاقات.

ويرى خبير إعلامي أن وسائل الإعلام جعلتنا أمة متكلمة، من هوس الأطفال والنساء والشباب بالهواتف الجوالة حيث يتحدثون جميعهم في وقت واحد. تأثير الإعلام قوي للغاية في ما يتعلق بالإعلان عن المنتجات الاستهلاكية، وبدلا من أن تكون منتجا جعلنا الإعلام مستهلكين.

وقد أجرت جامعة العلامة إقبال المفتوحة دراسة حول تأثير القنوات الإخبارية على عادات المستهلكين من الشعب الباكستاني، وخصوصا خلال العيد تحت عنوان «التحول الثقافي عبر التلفزيون الكابلي في باكستان»، وأشارت الدراسة على نحو خاص إلى أن الشعب الباكستاني تعرض لتأثيرات هائلة من ثقافة المستهلك وهو ما ظهر بشكل خاص خلال الاحتفالات بالعيد.

ويقدم المسح الذي أجري حول تأثير القنوات الفضائية في مدينتين باكستانيتين كبيرتين؛ لاهور وكراتشي، أدلة وافرة على أن المسلسلات التلفزيونية حفزت الاهتمام بالمظهر الشخصي والجمال. وعلى الرغم من إنكار كثير ممن أجريت معهم المقابلات أنهم يقلدون أسلوب النجوم، تقول مسرات مصباح، مالكة صالون التجميل الشهير «دبلكس بيوتي» إن عملاءها يطلبون منها تنفيذ قصات شعر لنجوم مشاهير مثل كريشما كابور والأميرة ديانا. وحتى في المدن الصغيرة مثل غوجرانوالا، يطلب عملاء صالون «روز بيوتي» للتجميل قصات لنجوم أفلام مشهورين، بحسب التقارير. في الوقت ذاته يقوم كل نجوم الأفلام بالظهور بشكل منتظم على شاشات التلفزيون الباكستاني خلال احتفالات العيد كجزء من إعلانات البضائع الاستهلاكية.

تقليد قصات شعر نجوم السينما ليس التأثير الملموس الوحيد لثقافة الاستهلاك، التي يشهدها المجتمع الباكستاني.

ويقول سهيل عبد الناصر، الصحافي البارز والخبير الإعلامي: «بات من الواضح إلى حد بعيد أن ترى إعلانا عن سلسلة مطاعم كبرى على شاشة التلفزيون الباكستاني تخلط ثقافة الاستهلاك بالقيم الدينية الأخرى». هذه الإعلانات عن سلسلة المطاعم الكبيرة تحمل رسالة دينية معها.

خذ على سبيل المثال الإعلان عن المشروبات السريعة «تانغ»، الذي يظهر ربة المنزل تقوم بتقديم المشروب للضيوف وأثناء ملء أكوابهم بمشروب «تانغ»، يفرغ الإبريق وتترك الغرفة لإحضار المزيد من «تانغ» من المطبخ.. تقوم الابنة بملء أكواب باقي الضيوف من كوبها الخاص، وهي تقول: «الإيثار هو جوهر الصيام. أنا أعني بهذه الطريقة أنهم لا يزالون يروجون للثقافة الاستهلاكية لكنها تأتي مقترنة برسالة دينية».

هناك إعلان آخر للهواتف الجوالة يحاول أن يأسر المشاعر الوطنية للجماهير بإخبار الرأي العام من خلال الإعلان أنه ربما كانت المرة الثانية أو الثالثة منذ إنشاء باكستان التي يتوافق فيها يوم الاستقلال مع شهر رمضان. فعندما أنشئت باكستان في الرابع من أغسطس (آب) قبل 60 عاما كانت في شهر رمضان، لذا اقتنصت شركة الهواتف الجوالة هذه الفكرة للاحتفال بيوم الاستقلال بنكهة دينية. وعادة ما تروج الإعلانات خلال شهر رمضان لقيم الأسرة وتعرض للأسرة الكبيرة وهم يجلسون معا حول مائدة الطعام وقت الإفطار.

تقدير أعداد مشاهدي التلفزيون في باكستان يقوم على التخمين بشكل كبير. فعلى عكس الهند، كانت باكستان، تمتلك حتى عام 2006 نظام ترخيص لأجهزة التلفزيون، لكن عدد التراخيص لا يعد دليلا مؤكدا على عدد الأسر التي تملك جهاز تلفزيون أو عدد مشاهدي التلفزيون، ولذا لا تستطيع الإحصاءات الرسمية أن تكون ذات عون كبير. لكن المسح الذي أجرته مؤسسة «غالوب» في عام 2006 أشار إلى أن أعداد أجهزة التلفزيون التي تمتلكها الأسر الباكستانية ما بين 8 و10 ملايين جهاز تلفزيون.

تقل نسبة مشاهدة التلفزيون في باكستان عنها في الهند، لكن مشاهدة القنوات الفضائية التي تقدرها «غالوب» بـ13 في المائة بين البالغين أو 8.5 مليون بالغ، تقف على قدم المساواة مع التجربة الهندية. وبحسب المسح الذي أجرته «غالوب»، تتساوى أعداد المشاهدين في المناطق الريفية والحضرية في باكستان. لكن القسم الأكبر من سكان المناطق الحضرية الباكستانية يتابعون القنوات الفضائية.

علاوة على ذلك، في بداية عام 2006 بدا واضحا أن معدل نمو في المناطق الحضرية في تراجع في الوقت الذي كان تركيب الأطباق لا يزال حديثا وكانت أعداد الأطباق في تزايد مستمر.

وفي حاضرة باكستان الأكبر، كراتشي، تشاهد القنوات الفضائية بشكل مكثف. فكراتشي هي المدينة الباكستانية الوحيدة التي تعمل وفق نظام كابلي متطور، والتي يمكن أن تقف على قدم المساواة مع المدن الهندية. ويرى خبراء الإعلام أن تأثير الثقافة الاستهلاكية خلال احتفالات العيد تكون أكثر كثافة في كراتشي. ويقول خبير إعلامي: «الحقيقة أن مواطني كراتشي يصرون على الاحتفال بالعيد في بشكل تقليدي، حتى إنهم لن يسمحوا لأي شيء بالوقوف في طريقهم. أذكر أنني قبل بضع سنوات عندما قتل 15 شخصا في كراتشي. على الرغم من هذا، كانت المدينة تعج بحياة وسيدات مدمنات للتسوق ليلة استطلاع هلال العيد».

عدد قليل للغاية من المجتمع الصحافي الباكستاني أدركوا ذلك أو كتبوا عن هذه القيم الدينية التي خلطت بالثقافة الاستهلاكية التي أصبحت سمة صناعة التلفزيون الباكستاني. وقليل هم من لاحظوا أنها لم تكتب بانتظام بشأن القضية، بل قد يجد المرء إشارات عابرة إلى هذا التطور الجديد في أعمدة الصحف والتحليلات الإخبارية.

حتى الآن امتدحت صناعة الإعلام الباكستاني فقط هذه القيم الدينية المختلطة بثقافة الاستهلاك. ورغم حقيقة المصاعب الاقتصادية القوية التي تواجهها البلاد ستواصل الطبقات الفقيرة من المجتمع تبني هذه الثقافة الاستهلاكية.