ابنة ميردوخ تتمرد

مع كبر سن والدها ومنافسة إخوان وأخوات

إليزابيث ميردوخ
TT

مع كبر سن روبرت ميردوخ، ملياردير الصحافة العالمية، وتحويله كثيرا من نشاطاته إلى أولاده وبناته، ومع زيادة المنافسات بين هؤلاء، ظهرت ابنته إليزابيث ميردوخ، ولم يكن يعرف عنها حب الظهور. وأعلنت تمردها، ليس على إمبراطورية والدها، ولكن على ما هو أهم من ذلك، وسألت في جرأة: هل الصحافة من أجل الربح أو من أجل خدمة المجتمع؟

هذا السؤال عمره عمر الصحافة، من قبل ميردوخ، الذي ظل يتهم، على الرغم من نجاحه وسيطرته على جزء كبير من الإعلام العالمي، بأن هدفه الأول هو الربح.

ومنذ السنة الماضية، زاد هذا الاتهام بسبب فضيحة «فون هاكنغ» (التنصت على التليفونات)، إشارة إلى أن صحافيين في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» البريطانية الأسبوعية التي كان يصدرها ميردوخ، والتي كانت تركز على الإثارة، كانوا يتنصتون على هواتف المشاهير لجمع الأخبار المثيرة. وبسبب انتقادات وتحقيقات برلمانية وقضائية اضطر ميردوخ إلى إغلاق الصحيفة.

لكن لم تنته الاتهامات بأن كل صحف وتلفزيونات ميردوخ تركز على الإثارة (سياسية، وثقافية، وخاصة جنسية).

والأسبوع الماضي، أشارت إليزابيث ميردوخ إلى هذه الاتهامات في خطاب يبدو أنها خططت له منذ فترة طويلة، ألقته في ندوة بجامعة أدنبره عن التلفزيونات العالمية.

وقالت: «في الوقت الحاضر، تسأل مؤسسة (نيوز كورب) نفسها بعض الأسئلة الهامة، والصعبة جدا، حول كيف سقطت بعض سلوكياتها إلى مستوى أقل من مستوى قيمها». ولم يكن سرا، وهي لا تحتل منصبا رئيسيا في المؤسسة (تدير تلفزيون «شاين» الفرعي)، أنها تقصد شقيقها جيمس، الذي صار، تدريجيا، يحل محل والدهما. ولم تكن صدفة أنها تحدثت في الجامعة نفسها، في المناسبة نفسها التي تحدث فيها في الماضي والدها وأخوها.

وفي محاضرتها، أشارت مرات كثيرة إلى كلمات وعبارات، مثل: «النزاهة» و«النتائج الإيجابية» و«حرية الصحافة».

ولحسن، أو سوء، حظها في حملتها الجديدة، في يوم محاضرتها نفسه، اعتقلت الشرطة البريطانية رجلا في التحقيقات المستمرة عن جرائم القرصنة الهاتفية وفي الإنترنت. صار اسم هذه التحقيقات «توليتا»، وهى واحدة من ثلاثة تحقيقات، على الرغم من أنها ليست كلها عن صحف ميردوخ، لكن هذه الصحف صارت مثالا لهذه القرصنة.

وفي خطابها، أشادت إليزابيث ميردوخ برمزين للنشاطات غير الربحية:

أولا: أشادت بالإذاعة البريطانية «بي بي سي» التي تعتمد على إسهامات البريطانيين، وليست للربح، والتي ظلت معلما عالميا وتاريخيا للعمل الصحافي الذي يركز على النزاهة والحياد.

ثانيا: أشادت بالألعاب الأولمبية التي عقدت مؤخرا في بريطانيا. وبالإضافة إلى أنها نجحت نجاحا كبيرا، فقد أكدت فلسفة الأعمال الخيرية والإنسانية، عبر التاريخ.

وقارنت إليزابيث هاتين المؤسستين بما كان قد ذكره شقيقها جيمس في الجامعة نفسها قبل ثلاث سنوات: «الضامن الوحيد الموثوق به، والدائم، والأبدي، للاستقلال هو الربح».

وقالت إنه بينما يواجه استقلال المؤسسات الإعلامية الخاسرة «تحديا هائلا»، ليس الربح المادي هو الأهم. وأضافت قائلة، وهي، بدون شك، ترد مباشرة على أخيها جيمس: «الربح دون هدف غيره ليس إلا وصفه لكارثة».

وقالت إليزابيث في تقرير نشرته «واشنطن بوست»: «يجب على الناس رفض الفكرة القائلة بأن المال هو الوسيلة الوحيدة الفعالة لجميع الأشياء والتحركات، أو أن السوق الحرة هي المجال الوحيد الناجح». وأضافت: «غياب الهدف (غير المالي) يمكن أن يكون واحدا من أخطر أهداف الرأسمالية والحرية».

وأشارت إلى لجنة «ليفيسون» البرلمانية البريطانية التي تحقق في فضائح صحف ميردوخ، وقالت: «تشير الندرة المقلقة للنزاهة في الكثير من مؤسساتنا إلى أنه من الصعب جدا قول النظرية الصحيحة عن أن أهمية حماية شرسة لحرية الصحافة، وعن تخفيف تنظيم وسائل الإعلام».

وقالت مصادر إخبارية إن ما ذكرته إليزابيث هنا ليس «تمردا»، لكنه «ثورة». وليس فقط داخل مؤسسة ميردوخ، ولكن في كل الإعلام العالمي، بل ربما في كل النشاطات الاقتصادية العالمية.

وتكون خطابها من 14 صفحة، وحوى بعضا من روح الدعابة، ويعتقد أنها كتبت جزءا كبيرا منه، ولم يتدخل فيه أي من آل ميردوخ. غير أن زوجها ماثيو فرويد وفريقا صغيرا من المستشارين في تلفزيون «شاين»، ساعدوها.

وتخلل الخطاب علامات إشادة، منها التصفيق الحار (على النقيض من خطاب أخيها جيمس في المكان نفسه قبل ثلاث سنوات الذي قوبل سلبيا). في ذلك الخطاب، شن جيمس هجوما عنيفا على «بي بي سي»، واتهمها بأنها «بيروقراطية، حذرة، ربما لها هدف يومي، لكن دون هدف بعيد المدى».

«توريث الابن» على رأس «نيوز كورب» في الحقيقة، لم تكن مشكلة جيمس ميردوخ فقط تركيزه على المال، لا على النزاهة والحرية. منذ أن اختاره والده مسؤولا بعده سنة 2007، عبر مساهمون ومستثمرون عن قلقهم بأن جيمس لا يملك خبرة إدارة أكبر مؤسسة إعلامية في العالم. في ذلك الوقت، تحدى الأب الجميع، وأعلن أنه مصمم على توريث الابن. وعينه، بالإضافة إلى رئاسة الشركة التلفزيونية البريطانية، ليكون مسؤولا عن فرعي مجموعة «نيوز كورب» في أوروبا وآسيا: وشركة تلفزيون «ستار» في الصين، وشركة تلفزيون «سكاي» في إيطاليا. وأيضا، الشركة الفرعية التي تدير موقع الإنترنت الاجتماعي «ماي سبيس» لأن الابن هو الذي أقنع الأب بشراء الموقع.

والآن، بعد خمس سنوات، صار واضحا أن كثيرا من مشاكل المؤسسة سببها جيمس. لكن، في سنة 2007، ركز الأب على ابنه جيمس بعد أن فقد الأمل في ابنه لاشلان (أكبر بسنة من جيمس) الذي كان هرب، قبل ذلك بسنتين، من كل شركات ومجموعات والده. وقبله كانت هربت شقيقته إليزابيث (أكبر منه بثلاث سنوات).

كما أن جيمس يشبه والده في الهدوء والابتعاد عن الأضواء، وأهم من ذلك، في حب المغامرات «الناجحة دائما». وكما تقول صحيفة «إندبندنت» البريطانية، فهو «يملك حاسة الغزو والنصر. يكتشف ويسيطر. ويفاجئ معارضيه، سواء كانوا مستثمرين يريدون التفوق عليه، أو حكومات تضع قوانين تعرقل مغامراته». وأضافت: «لكن، يوجد فرق بين الأب والابن: الأب يغامر في خشونة، والابن يغامر في تألق».

خلال السنوات الثلاث التي قضاها مشرفا على تلفزيون «بريتش سكاي»، زادت أسهم الشركة بنسبة 16 في المائة، وزادت المبيعات بنسبة 24 في المائة، وزادت الأرباح بنسبة أكثر من مائة في المائة (وصلت إلى 500 مليون جنيه إسترليني).

وتعهد جيمس بأن يصل عدد المشتركين في «سكاي» إلى عشرة ملايين بعد ثلاث سنوات. وتحقق ذلك. ثم طمع في أن تسيطر الشركة على الفضائيات البريطانية، ثم الأوروبية.

وفي النهاية، عادت هذه الطموحات بالكارثة على جيمس، وعلى «بريتش سكاي»، وعلى المؤسسة الأم. وهناك منافسة جيمس للسير ريتشارد برانسون، مؤسس ورئيس مجموعة «فيرجن» الذي حاول، عن طريق شركة «فيرجن ميديا»، السيطرة على تلفزيون «آي تي في»، أكبر قناة تجارية في بريطانيا. لكن سارع جيمس وسيطر على نسبة كبيرة من أسهم القناة. وغضب برانسون وقال إن إمبراطورية ميردوخ «خطر على الديمقراطية». ربما ما كان سيقول ذلك لو كان هزم ميردوخ. ثم إنه هو الآخر ليس أقل حبا للربح وجمع المال من جيمس.

لكن، على أي حال، يوضح ما قاله أن ميردوخ إذا لم يكن خطرا على الديمقراطية، فهو يؤثر عليها تأثيرا سلبيا.

ويعتقد كثير من ناقدي ميردوخ أنه انتهازي، ليس فقط لأنه ينتهز الإثارة الجنسية لكسب مزيد من القراء والمشاهدين، ولكن، أيضا، لأنه ينتهز علاقاته مع السياسيين والحكام ليستغلها لتحقيق أهدافه.

في ذلك قال ويليام شوكروست، مؤلف كتاب «ميردوخ»: «يريد هذا الرجل أن تهزم اللذة المنطق، وأن تسيطر عواطف الناس على عقولهم». وأورد المؤلف في كتابه رد فعل الابن. قال الابن، مثلما كان قال الأب، إن الموضوع ليس انتهازية بقدر ما هو «تحدٍّ»، وبأن فلسفتهما هي تحدي المنافسين وتحدي الحكومات. ولهذا، عندما قيل للابن إن الحكومة البريطانية تعارض الاحتكار، أجاب: «نشاهد مثل هذه الإجراءات في رانغون (في بورما)، لا في أوروبا الحديثة».

وأضاف في تحدٍّ: «نحن ننجح لأن ثقافتنا ثقافة تحدٍّ».

وربما لم يكن يحتاج ليقول ذلك لأن سيطرة مجموعة «نيوز كورب» على الإعلام البريطاني لم يسبق لها مثيل. سواء كانت الفلسفة هي التحدي أو الإثارة.

تملك المجموعة ربما نصف الإعلام البريطاني، وتملك صحفا هامة، مثل: «تايمز» و«صنداي تايمز» و«صن» و«نيوز أوف ذي وورلد». وفي الولايات المتحدة تملك المجموعة صحيفة «نيويورك بوست»، وشركة «فوكس» للإنتاج السينمائي، وقناة «فوكس» التلفزيونية، وهي قناة تحدٍّ حقيقية. استطاعت، على الرغم من ميولها اليمينية الواضحة، أن تنافس قناة «سي إن إن» وشبكات تلفزيونية أخرى كبيرة، ليس بسبب يمينيتها بقدر ما هو بسبب إثارتها. ثم تحدى روبرت ميردوخ مؤسسات إعلامية كبيرة، واشترى صحيفة «وول ستريت جورنال». (في الحقيقة، تحدى حتى الصحافيين العاملين فيها، لأنهم عارضوا الشراء منذ البداية).

* من هي إليزابيث ميردوخ؟

* هي الثانية وسط أطفال ميردوخ الستة. وهي الأكبر من زوجته الثانية، آنا ماريا الأسكوتلندية. من زوجته الأولى، الأسترالية باتريس، أنجب ميردوخ برودنس. ومن الثانية، بالإضافة إلى إليزابيث، أنجب لاشلان وجيمس. وعندما كان عمره سبعين سنة تقريبا، طلق ميردوخ الثانية (ونالت مليار دولار)، وتزوج الصينية وندي. وأنجب منها فتاتين صغيرتين في السن: كلوي وغريس.

في الوقت الحاضر، برودنس مدير شركات صحيفة «تايمز» البريطانية، ولاشلان استقال من منصب مدير الشركات الأميركية التي تشمل صحيفة «نيويورك بوست»، وكان مرشحا ليخلف والده، واستغل الاستقالة جيمس وقفز إلى منصب نائب والده.

منذ البداية، كانت إليزابيث «متمردة». عكس رغبة والدها أحبت وتزوجت رجل أعمال أفريقيا من غانا. ثم طلقته وتزوجت حفيد سيغموند فرويد أبي علم النفس.