الصحافيون يرقصون على حافة الحقيقة

فريد زكريا ليس أول المنتحلين ولا آخرهم

جون ليهرر بات الكاتب النجم في الصحف الأميركية رغم الاقتباسات.. استقال من «ذا نيويوركر» وتغريداته على «تويتر» تلقى إقبالا واسعا
TT

قبل كتابة هذا التقرير حول حوادث السرقة الأدبية والفبركة الصحافية التي كشف النقاب عنها مؤخرا، قضيت بعض الوقت أتصفح المواقع أقرأ كل الأفكار الشهيرة حول القضية وأدون ملاحظاتي حول كل منها. ولدى كتابة المقال استعنت بهذه الملاحظات كي تساعدني في خلق شيء أزعم الآن أنه من بنات أفكاري.

صحيح أنني أجريت بعض المحادثات الهاتفية ببعض الخبراء المعنيين وقمت ببحث تاريخي، لكن كل ما هو مكتوب هنا يعكس على الأغلب شيئا ما جاء قبله.

ومن ثم، هل هذا يجعلني لصا، أو صحافيا؟ الأمر كله يعود إلى مرحلة التنفيذ، فإذا انتحلت ما كتبته إلى الآخرين وتمكنت من تجنب حقوق الملكية الفكرية وأن أسوق في الوقت ذاته حجة مقنعة، فحينئذ أكون قد تمكنت من النجاة من الملاحقة لأمارس الكتابة مرة أخرى.

لكن على الجانب الآخر، لو أنني أختلق أو أتلاعب في الاقتباسات أو فشلت في معالجة عمل الآخرين من خلال تفكيري وكتابتي، حينئذ سيكون الإنترنت، آلة الرقابة الزاخرة بالمصادر، هو من سيكشفني. وسيصبح عمودي مشهدا تمثيليا وسينتهي الأمر بي في مكتب مديري أبرر له موقفي.

تقوم كتابة الأعمدة، حتى الكلام غير المنقول، على الأفكار لا الأخبار، التي ما إن تنتشر، سرعان ما تصبح سلعة، لذا تصبح الأفكار قيمة كبيرة للغاية.

هذه القيمة الكبيرة كانت سببا في أن تصبح كتب جون ليهرر، أستاذ علم الأعصاب، جديرة بالاقتناء في وقت كان لا يزال في العشرينات من عمره. وبعد نشر كتابه، «بروست كان عالم أعصاب»، الذي استقبل بحفاوة بالغة، عين رئيس تحرير مشارك في مجلة «ويرد» وضيفا في برنامج «راديو لاب» الذي تنتجه الإذاعة الوطنية الأميركية والكتابة في مجلة «غرانتلاند» وصحيفة الـ«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» و«بوسطن غلوب».

لذا هل أمارس أنا وهو العمل ذاته؟ كلا على الإطلاق، فهو أكثر ذكاء مني وقد كتب ثلاثة من أفضل الكتب مبيعا في الوقت تلقى فيه آلاف الدولارات للمشاركة بالنقاش. فما هي الاختلافات الأخرى؟ أنا لم أختلق أي اقتباس، وكذبت بشأنه واستقلت خشية ذلك كما فعل ليهرر مؤخرا.

ونتيجة لغرابة التوقيت، فقد تزامنت محنة المؤلف مع تلك الخاصة بفريد زكريا الكاتب والمذيع التلفزيوني. وقد حظى كلاهما باهتمام جعل تزويد المواقع الإلكترونية بالأفكار العقلية الحديثة مجازفة، لكن ذلك حيث تنتهي التشابهات. وكما فسرت لي ذات مرة روث شاليت، صاحبة السمعة السيئة في صحافة واشنطن، هناك اختلاف كبير بين كونك لصا أدبيا، كسولا أو متقاعسا، ومؤلف أكاذيب.

قبل عشرة أيام، اعترف فريد الذي يقدم برنامجا على قناة «سي إن إن» وصاحب عمود في صحيفة «تايم» و«واشنطن بوست» بسرقة محتوى لعمود له في «تايم»، واعتذر وتم توقيفه وقامت مجلة «التايم» وقناة «سي إن إن» بالتحقيق فيما إذا كانت هناك سرقات أخرى، لكنها لم تجد شيئا، وعاد إلى مزاولة عمله مرة أخرى.

أما بالنسبة لليهرر فقد أعاد تدوير كتاباته السابقة فاستخدام أجزاء من كتبه ومقالاته التي نشرت من قبل في مطبوعات مختلفة وهو ما يمثل إهانة لأرباب عمله لا لقرائه. بعد ذلك اكتشف مايكل موينهاين، الكاتب في مجلة «تابلت ماغازين»، أن ليهرر قام باختلاق اقتباسات في كتابه «تخيل» على لسان بوب ديلان، لواحد من أشهر الشخصيات الثقافية في نصف العالم الغربي. ومع تكاثر الأدلة سعى ليهرر جاهدا كي يخفي تلك الانتهاكات، وعندما لم يفلح استقال من مجلة «ذا نيويوركر».

في بادئ الأمر بدت مجلة «ويرد»، التي نشرت قدرا كبيرا من عمله، غير عابئة بالأمر قائلة إنه لا يزال يشكل مشاركا قيما، قبل أن تعود وتعلن أن عمله يخضع للتحقيق، وهو ما يجعلك تتساءل كم استغرقت المجلة كي تقع في هذه المعضلة.

كان للإنترنت توجهات التطهير الذاتي صاحب الفضل الأول فيها في الكشف عن سوء التصرف. لكن شهية الإنترنت النهمة للمحتوى ربما يكون لها علاقة بمحاولة ليهرر إرضاع الوحش بأعمال نشرت من قبل وأخرى تعد بشكل جيد.

قبل أن نلقي باللائمة على الإنترنت دعونا نتذكر أن جايسون بليز وستيفن غلاس وجانيت كوك قاما بمثل هذه الأمور في عالم الطباعة، لكن جانبا من المشكلة مع الصحافة الإلكترونية هي أن جميعها تبدو قابلة للتغيير.

أصبح ليهرر البالغ من العمر 31 عاما الآن شهيرا قبل أن يفهم قواعد الصحافة، ويشير سيث منوكين وآخرون إلى أن نهجه في الكتابة حول العلوم كانت نوعا ما أقل من علمية.

المسارات العتيقة للمصداقية الآن في المجلات والصحف الصغيرة - الذين يكدحون في وظائف وضيعة أثناء تعلم المهنة - زالت وحل محلها حرارة سخونة وسائل الإعلام الاجتماعي وجاذبية المدونات. وكل صحافي تربي في هذا الإعلام الموروث يمكن أن يروي عن لحظة الصدق التي وقف فيها أمام رئيس التحرير وهو يعنفه ليظهر الاحترام لأصول المهنة، أو الرحيل عنها سريعا.

وقد خسرت في السابق عملي الذي كنت أحتاجه بشدة لأنني أخطأت في اسم صاحب المطبوعة التي كنت في طريقي إلى العمل بها. لم يكن ذلك بالشيء اللطيف، لكني تعلمت درسا قاسيا لازمني في حياتي. لم يفعل ذلك أحد مع ليهرر، حتى بعد أن أثيرت التساؤلات حول أعماله.

ربما لا يشكل ذلك فارقا، فمهمة الصحافيين البحث عن الحقيقة، أما الكاذبون فيجدون الحقيقة معتادة ومملة وغير كافية لنقلهم إلى المكانة التي يتطلعون إليها.

لكن بقدر سرعة توجيه الاتهام للإنترنت، يمكن له أن يشكل في الوقت ذاته أداة تقويمية فزكريا انتقل من الاعتذار الصريح إلى التبرير ثم إلى العودة إلى منصبه في غضون أيام، وتحول ما كان في السابق مقصلة ومكانا للإعدام المهني تحول إلى مكان عقاب واضح للغاية.

سيكون من الصعب خضوع ليهرر للعقاب فهو يملك حسابا على «تويتر» يلقى متابعة واسعة يزخر برابط إلى موقع لمدونته على مجلة «ذا نيويوركر». ربما يكون قد اختلق بعض الكلمات على لسان بوب ديلان، وأعاد نشر محتوى واحد من أكثر الكتب التي تعرضت للتحقيق في العالم والعلم الشعبي بصورة شوهته. لكنه لن يختفي، فسوف يعود لأنه لم يتوار بالفعل.

* خدمة «نيويورك تايمز»