المراقب الصحفي: تمور البصرة

TT

لفت نظري تقرير جميل نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» السبت الماضي عن تردي أحوال النخيل وصناعة التمور في البصرة التي «كانت تعد أكبر غابة نخيل في العالم» إذ كانت تصدر منتجاتها إلى كافة أرجاء المعمورة، فأضحت الآن تستورد من دولها المجاورة أجود أنواع التمور.

لفتني هذا التقرير لأسباب عدة، إذ أنه تزامن مع خبر صحافي آخر أعلن عن استعداد السعودية لإقامة أكبر معرض سنوي يعرض أفخر أنواع التمور في العالم، في حين أن البصرة كانت هي منبع النخيل وحاضنته، إذ يروى أنها ومناطق أخرى عراقية هي التي نقلت منها أفضل فسائل النخيل لتزرع في أميركا ودول مجلس التعاون الخليجي، فيا لها من مفارقة! مهنيا، كان التقرير الصحافي جميلا، ونابعا من بيئتنا العربية، وسلط الضوء على مشكلة مستفحلة في بلدان عدة وهي إهمال الزراعة رغم خيراتها على الاقتصاد. كما أن كاتب التقرير حاول أن يكون متوازنا باستطلاع آراء مزارعي محافظة البصرة الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» وذكر تفاصيل تاريخية متنوعة. والأهم أنه أبرز الدور الحكومي في محاولة توزيع فسائل نخيل على المزارعين، ودعم الأسمدة، وتوفير المبيدات، لكن يبدو من ردود فعل المشاركين وواقع الحال أنها ليست كافية للنهوض بما كان يزخر به العراق حيث كان «يصدر مليون طن من التمور سنويا» بحسب التقرير.

وامتاز التقرير بأنه قدم حلولا عملية لمتخذ القرار، لا سيما أن زراعة النخيل تختلف عن زراعة المحاصيل الأخرى، لكونها لا تثمر إلا بعد مرور نحو 5 إلى 7 سنوات من غرس الفسيلة، الأمر الذي يتطلب دعما استثنائيا، كالقروض الميسرة، وميكنة الزراعة، وتوفير المياه المخفضة التكاليف، وتسهيل مهمة مصانع كبس التمور، وغيرها، وهي كلها حلول جيدة لتقرير صحافي بهذا الحجم.

غير أن جملة في التقرير جعلتني في حيرة، حينما نقل عن وكالة الأنباء رويترز ما قاله أحد المشاركين للوكالة، فجعلت أفكر هل هذا التقرير خاص بـ«الشرق الأوسط» أم أنه بثته وكالة الأنباء ثم أضافت إليه الصحيفة لقاءات خاصة، وهو أمر مشروع، غير أن قارئ المقال المتخصص مثلي سيجد صعوبة في فهم هل التقرير خاص بالوكالة أم كان استشهادا عابرا، كان ينبغي توضيحه بصورة أفضل.

تمنيت أن يشمل الموضوع فيديو قصيرا عبر تطبيقات الهاتف والآي باد يتضمن لقطات قديمة لنخيل البصرة الباسق مع تسجيل صوتي، ليعيش القارئ العربي وحتى متخذ القرار أجواء الموضوع، فلربما يتحرك شيء في داخله ليدعم هذه الصناعة العربية القديمة القائمة على فاكهة الصحراء (التمرة) التي صارت تميز الإنسان العربي أينما ذهب.