والدي مخترع نظام «الكيبل»

بشركة صغيرة أسسها في قبو بضواحي فيلادلفيا نهاية عام 1948

عائلة أميركية تشاهد برامج التلفزيون عام 1958 (نيويورك تايمز)
TT

لن تستطيع أن تعرف أبدا الأمور التي كانت تدور في ذهن أب لحظة احتضاره ويتمنى لو كان فعلها. خلال الأسبوع الحالي سيمر عام على جلوسي مع أبي خلال لحظاته الأخيرة في حياته الطويلة والتي عرفت خلالها هذه الأمنية. المؤكد أنني سألت أبي عندما كانت لديه القدرة على الإجابة عن سؤالي عن وقت اختراعه لنظام «الكيبل» الذي أدخل على التلفزيون. هذا هو أبي روبرت جينزلينغير، صاحب اختراع نظام «الكيبل» الذي كانت بمثابة حكمة العائلة التي تظهر فجأة في أوقات غير منتظمة على مدى سنوات. ربما نسمع همهمة التلفزيون في الخلفية في وقت تتجمع فيه الأسرة، وربما يدور حديث مثل هذا:

الأخ 1: غولي.. هناك بعض البرامج البشعة على قنوات الكيبل.

الأخ 2: لقد اخترع أبي نظام «الكيبل» أنت تعرف ذلك.

لقد كنا جميعا نعرف أن هذه القصة، مثلها مثل الكثير من قصص عائلتنا، حقيقية لكنها تضمنت أمورا شبه حقيقية. وخلال الأسابيع القليلة الماضية كنوع من تكريم أبي بمناسبة الذكرى السنوية لرحيله عن دنيانا عن عمر يناهز الحادية والتسعين، عكفت على البحث عن القصة الحقيقية. ورغم أن أبي لم يخترع قنوات «الكيبل» فقد مر على قمة جبال باردة بالقرب من ويليام سبورت بولاية بنسلفانيا منذ 60 عاما بلحظة مفعمة بالقوة والابتكار في تاريخ هذا النظام الذي لا يعرف عنه أكثر الناس هذه الأيام إلا القليل.

أنا لا أعرف على وجه اليقين عن هذا النظام أو عن دور أبي الصغير في اختراعه سوى القليل، فقد ابتكره قبل أن أولد. وأصيب أبي بجلطات في المخ قبل وفاته بعدة سنوات، لذا عندما بدأت أكتب عن تاريخ التلفزيون لم يكن لديه الكثير ليرويه لي من ذكرياته. كذلك لم يكن لدى والدتي وأشقائي الستة سوى معلومات مبهمة عما حدث في ويليام سبورت عام 1952.

بدأ البث التلفزيوني كما نعتقد في الولايات المتحدة في منتصف الأربعينات، وبنهاية ذلك العقد كان كل من إد سوليفان، وهاودي دودي، وميلتون بيرل، وأسماء أخرى معروفة، رسخوا أقدامهم في هذا المجال. وكان أبي يعمل في التحويل الكهربائي، فقد أنهى خدمته في البحرية عام 1946، ومثل آخرين ظهروا في هذه الحكاية اختار التدريب في مجال الإلكترونيات، فأنشأ مشروعا لإصلاح أجهزة الراديو والأجهزة الكهربائية الأخرى في فيلادلفيا النائية.

وسرعان ما قدمت له شركة «فيلكو كوربوريشن» التي تعمل في مجال صناعة أجهزة الراديو والتلفزيون وما شابه عقدا لتركيب وصيانة أجهزة التلفزيون التي تنتجها في ضواحي فيلادلفيا الشمالية. وتسارعت مبيعات هذه الأجهزة مع توافر المزيد من البرامج. وبنهاية عام 1948 كانت شركته الصغيرة، التي أسسها في قبو في البداية، تركب 250 جهاز تلفزيون شهريا، ونظرا لانبهار الناس في ذلك الوقت بهذه التكنولوجيا الجديدة كانوا يصابون بالجنون عندما تهتز الصورة وهو ما وصل بعدد مكالمات الصيانة اليومية إلى 60 مكالمة.

انتشر التلفزيون سريعا في المدن، لكن شعر الكثيرون في الريف بأنهم مهمشون. ولم تكن الإشارات الهوائية، التي تبثها المحطات في الأسواق الكبرى، تصل بعيدا، ولم تكن تستطيع الانتقال عبر الجبال في ذلك الوقت، وبالتالي لم تكن تصل إلى أي مدينة في وادي لا يصل إليه الإرسال. أما اليوم فربما يظن الناس أن نظام «الكيبل» قد بدأ في السبعينات مع انطلاق «إتش بي أو»، لكنه يعود إلى زمن أبعد عندما كان يبحث أصحاب المشروعات الرائدة عن طريقة للتغلب على الصعوبات الجغرافية.

الحل كما أدرك العديد من الرجال في وقت واحد تقريبا عام 1948 كان تركيب هوائي في مكان مرتفع من أجل التقاط الإشارات، ثم نقل هذه الإشارات إلى جهاز التلفزيون عبر الأسلاك.

ومن المعروف أن جون والسون، في مدينة ماهانوي بولاية بنسلفانيا، كان أول من قام بذلك، رغم أن الفضل يعود لإد بارسونز في أستوريا بولاية أورليانز. وكما يحدث دائما بمجرد أن أظهر المبتكر الأول لنظام «الكيبل» إمكانية القيام بالأمر، كانت المدن في المناطق الأخرى تعج بأنظمة الهوائي المجتمعية كما كانت تسمى آنذاك. وكانت هذه هي المرحلة التي برز فيها أبي.

كانت مدينة ويليام سبورت، التي تقع على بعد 130 ميلا شمال غربي فيلادلفيا في الأبلاش، تتوق لرؤية هاودي وميلتي وغيرهما مثلها مثل سكان المناطق الأخرى. وبدأت الصحف المحلية عام 1950 تشير إلى الجهود التي تبذل من أجل إدخال التلفزيون إلى الوادي.

وكان يعيش في ويليام سبورت في ذلك الوقت نحو 45 ألف شخص، وكان هذا يعد بمبيعات ضخمة لأجهزة التلفزيون التي كانت من القوى التي تدعم ازدهار تلفزيون «الكيبل». وبحلول عام 1952 كانت هناك ثلاث مجموعات تحاول وضع أنظمة تلتقط إشارات البث على ارتفاع ألفي قدم على قمة جبل بولد إيغل وتوصيلها إلى ويليام سبورت وجنوبها.

ولم يذكر كتاب «رواد تلفزيون الكيبل: مؤسسة الصناعة من بنسلفانيا» (Pioneers of Cable Television: The Pennsylvania Founders of an Industry) الذي نشر عام 2005 لبراين لوكمان ودون سارفيري أبي باستفاضة، حيث أشار إلى أنه أسس نظام إحدى هذه المجموعات وهي «ويست برانس تي في سيرفيسيز» باستخدام معدات «فيلكو». وفي أرشيف مؤسسة «كابل سنتر» على الإنترنت ومقرها في دينفر، وجدت ذكرا آخر لأبي في التاريخ الشفهي لرجل كان يعمل لديه هناك وهو فرانك راغون.

ويقول راغون في التاريخ الشفهي «لقد صعدنا إلى هناك في يوم عصيب شديد البرودة تتساقط به الثلوج من أجل تركيب الهوائي. ولا أزال أتذكر جيدا مدى البرودة، التي كنت أشعر بها إلى اليوم، وظننت أنني لن أشعر بالدفء مرة أخرى أبدا». وتم تسجيل هذه الشهادة عام 1999. ويبلغ راغون حاليا 87 عاما، ولا يزال يذكر البرد عندما تسأله عن تلك اللحظة فوق الجبل والتي حدثت على الأرجح في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) 1952. ويصف أباه في شبابه بشكل رائع حيث يقول إنه كان رجلا يتسم بالإصرار والمثابرة حينما يتعلق الأمر بإنجاز المهام. ويتذكر راغون أن إشارة التلفزيون لم تكن تصل على النحو المتوقع من البرج الذي يصل ارتفاعه إلى 100 قدم، مما اضطر أبي إلى محاولة تثبيت عصا على الأرض المجمدة من أجل تدعيم الهوائي.

وقال راغون، الذي يقيم في تشيري هيل بولاية نيوجيرسي، في حوار أجري من خلال مكالمة هاتفية «لقد كان كرة من نار. إنه لم يرغب في أن يعرقل أي شيء طريقه. لا أدري كيف ثبت هذا الشيء في الأرض».

وكان راغون هناك من أجل تقديم الدعم الفني، لا القيام بعملية تسلق في القطب المتجمد، فقد عينه أبي في يناير (كانون الثاني) من ذلك العام لصناعة معدات تضخيم الصوت فضلا عن معدات أخرى في متجره الواقع بالقرب من فيلادلفيا. إن إنجاح فكرة نظام «الكيبل» في عالم التلفزيون لم يكن مجرد توصيل سلك من قمة جبل إلى أماكن إقامة الناس، فقد كانت الإشارة تضعف وكان من الضروري تعزيزها. ويتذكر راغون: «لقد كان الأمر يبدو كما لو أنه يحتاج 20 مضخما. لقد كانت عملية رفع الإشارة وتوصيلها من خلال سلك أمرا صعبا، حيث بات الأمر أشبه بأخطبوط إن جاز القول».

* خدمة «نيويورك تايمز»