الإعلام الأميركي يحشد 15 ألف مراسل وينفق الملايين لتغطية المؤتمرات الحزبية قبل الانتخابات الرئاسية

الشبكات التلفزيونية تخشى الخطابات المطولة التي لا تعطي فرصة لفواصل إعلانية

TT

عندما يتعلق الأمر بصناعة الأخبار التي تواجه تحديات اقتصادية جمة، فإن العملية الحسابية المالية لمتابعة المؤتمرات الحزبية تبدو هكذا: تغطية إعلامية يومية على مدار أسبوعين، وآلاف المراسلين المنتشرين في كل مكان من أجل عدد قليل من الأخبار، ونفقات هائلة، وعدد محدود من القراء والمتابعين، وحصيلة ضئيلة من الإعلانات.

ومهما كانت قيمتها من الناحية الإخبارية، تظل المؤتمرات الحزبية – التي انتهت بقبول أوباما لترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية ليلة الخميس الماضي – هي الأحداث الأكثر تكلفة لوسائل الإعلام الأميركية التي تود تغطيتها. وكل أربع سنوات، تخصص وكالات الأنباء ملايين الدولارات لجيش الصحافيين المكلف بتغطية هذه المؤتمرات في المدينتين الرئيسيتين – بلغ عدد الصحافيين المكلفين بتغطية هذه المؤتمرات نحو 15.000 صحافي هذه المرة.

وتأتي هذه الاستثمارات من المال والقوى العاملة في الوقت الذي تقوم فيه الأحزاب السياسية نفسها بإعادة النظر في مدة وتكلفة مؤتمراتها التي تعقد كل أربع سنوات؛ حيث دخل القادة الجمهوريون الأسبوع الماضي في نقاش علني لمعرفة ما إذا كان المؤتمر الخاص بالحزب والذي يعقد لمدة أربعة أيام بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار (تم اختصاره ليوم واحد فقط بسبب إعصار إيزاك) قد أصبح مبالغا فيه، وما إذا كان ينبغي اختصار مدة المؤتمر من أربعة أيام إلى ثلاثة فقط.

ومن غير المرجح أن تقوم وسائل الإعلام بالتركيز على تلك النقطة؛ حيث قال جون هاريس، وهو رئيس تحرير صحيفة «بوليتيكو» التي أرسلت 70 صحافيا إلى تامبا وشارلوت لتغطية مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي، «لست معنيا بإخبار أي شخص بكيفية عقد المؤتمر أو مدته، ولكني لن أشعر بأي انزعاج إذا ما قرروا تقليص فعالياته ومدته. مما لا شك فيه أن توقيت انعقاد المؤتمرين غريب؛ لأنهما قريبان من بعضهما البعض، ومن الغريب أن يعقد أحد المؤتمرين بعد عيد العمال».

وأضاف هاريس: «ومع ذلك، سنحضر المؤتمرات طالما يتم انعقادها، وأنا متحمس كثيرا لذلك».

وتقوم الشبكات التلفزيونية الآن بتقليص تغطيتها لمؤتمرات الأحزاب بعد أن كانت تتنافس بشدة فيما بينها في الماضي على الوجود بقوة، وكانت الشبكات الإخبارية القديمة مثل «إيه بي سي» و«إن بي سي» و«سي بي سي» تذيع 90 دقيقة من مؤتمري الحزبين عام 1996، ولكنها الآن تخصص ساعة فقط (بين العاشرة والحادية عشرة مساء) للمؤتمرين، في حين تخصص باقي وقتها خلال وقت الذروة للبرامج الترفيهية.

وتراجعت تغطية الشبكات الإخبارية لمؤتمري الحزبين نتيجة بعض العوامل مثل انتشار القنوات الإخبارية التلفزيونية وتدفق مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت، علاوة على انخفاض عدد المتابعين لهذه المؤتمرات وارتفاع معدل أعمارهم، نحو ثلثي مشاهدي المؤتمرات السياسية من كبار السن الذين تخطوا 55 عاما. وانخفضت معدلات المشاهدة التلفزيونية لهذه المؤتمرات بنسبة 20 في المائة أو أكثر مقارنة بعام 2008، على الرغم من اقترابها من معدلات المشاهدة عام 2004.

وحتى بعدما خصصت ساعة واحدة فقط لبث فعاليات المؤتمرات السياسية، لا تزال الشبكات التلفزيونية تتكبد خسائر كبيرة، ويعود السبب في ذلك إلى أن الخطابات المطولة لا تعطي أي فرصة لبث الإعلانات، استمر خطاب بيل كلينتون لمدة 48 دقيقة كاملة.

وقال أحد المديرين التنفيذيين بإحدى الشبكات، والذي رفض الكشف عن هويته لأنه ليس المتحدث الرسمي باسم الشبكة، «متى كانت آخر مرة تشاهد فيها عرضا واقعيا أو رياضيا أو حتى إخباريا بهذا الطول وبدون أي فاصل إعلاني؟ وبناء على ذلك، تتكبد الشركة خسائر كل ليلة خلال الساعة التي تخصصها للمؤتمرات السياسية، فضلا عن تكاليف التغطية. وعلى الرغم من ذلك، لا تستطيع الشبكات التلفزيونية تجاهل هذه المؤتمرات لأنها ستفقد مصداقيتها إذا لم تتابع هذه المؤتمرات».

أما بالنسبة للقنوات التلفزيونية الإخبارية، فإن المعادلة تختلف بعض الشيء؛ حيث تعني التغطية المتواصلة على مدار الساعة بث كثير من الفواصل الإعلانية. ومع ذلك، يقول مدير القسم السياسي بشبكة «سي إن إن» الإخبارية سام فيست: «لا توجد أي طريقة لتحديد ما إذا كانت الشبكة قد نجحت في تغطية نفقاتها خلال المؤتمرات أم لا. التغطية السياسية مهمة للغاية طوال العام بالنسبة لنا، كما أن المؤتمرات السياسية جزء مهم من ذلك. إنها مهمة بالنسبة لنا كمنبر يمكن من خلاله متابعة الأخبار السياسية بناء على التقارير وليس مجرد الرأي».

وبخلاف النفقات على مسكن ومأكل وتنقلات الصحافيين، هناك قائمة طويلة بالنفقات الإضافية التي تتكبدها وسائل الإعلام، على الرغم من أننا لم نتلق أي اتصال في هذا المقال لتوضيح مصادر هذه النفقات بالتفصيل. وبينما لا تدفع المؤسسات الصحافية تكاليف أماكن عقد هذه المؤتمرات (يتم تحديد ذلك عن طريق الهيئة الإخبارية داخل مجلس الشيوخ بالتشاور مع اللجان الوطنية للحزبين الجمهوري والديمقراطي)، تدفع الشركات تكاليف تجهيز أماكن العمل، بمعنى إمدادها بالكهرباء والهواتف واتصالات الإنترنت وتوفير الأمن والطعام وعمليات التنظيف والمعدات المكتبية، وعادة ما يتم ذلك بأسعار غير قابلة للتفاوض يتم تحديدها وفقا لمقاولين تم الموافقة عليهم من قبل القائمين على تنظيم المؤتمرات.

وعلاوة على ذلك، تتكبد وسائل الإعلام نفقات إقامة مراسليها في الفنادق خلال هذه المؤتمرات (عادة ما تقوم الأحزاب بتخصيص الفنادق الأفضل لمموليها ومندوبيها). وتستغل الفنادق هذه الحدث في رفع أسعار الغرف، ويكفي أن تعرف أن مراسلي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«بلومبرغ»، على سبيل المثال، قد أقاموا في أحد الفنادق بتامبا الأسبوع الماضي مقابل 179 دولارا للغرفة في الليلة، في حين انخفض هذا السعر ليصل إلى 71 دولارا للغرفة بعد انتهاء المؤتمرين.

واعترف المحررون والمديرون التنفيذيون بأن المؤتمرات الحزبية لم تعد مثيرة كما كان الأمر في الماضي، لم يعد هناك مناظرات أو تشويق في الإعلان عن مرشحي الأحزاب، ولكنهم أكدوا على أن هذه المؤتمرات ما زالت تستحق المتابعة. ودائما ما تكون هذه المؤتمرات مثارا للأخبار عن القضايا المختلفة والمرشحين واستراتيجيات الحملات الانتخابية.

وتقول المديرة التنفيذية لصحيفة «نيويورك تايمز» جيل إبرامسون، «أتيحت لي الفرصة في تامبا وشارلوت أن أعاود الاتصال بمصادر لي كنت بعيدا عنها منذ عقود، كما اطلعت على رؤى وأفكار جديدة ستكون قيمة للغاية في تغطيتنا خلال عام 2012».

وتقول إبرامسون إن «التايمز»، واحدة من بين كثير من الصحف التي تأثرت بالركود الكبير والطويل في مجال الإعلانات، أرسلت عددا أقل من المراسلين إلى مؤتمرات العام الحالي. وعلى الرغم من رفضها الإفصاح عن العدد تشير إبرامسون إلى أن العدد الإجمالي لم ينخفض نظرا لأن الصحيفة قامت باستبدال المراسلين بمصوري الفيديو والمنتجين والفنيين لتغطية تقارير الفيديو الحية التي تقدمها.

وبالمثل شحنت صحيفة «واشنطن بوست» إلى جانب كتاب الأعمدة المصورين والمراسلين والمدونين والمحررين، قافلة من المعدات إلى مواقع المؤتمرات لتزويد استوديوهات التلفزيون وبرامج النقاش الحية بالتقارير عن بعد، بحسب رئيس التحرير التنفيذي ماركوس برايوتشلي.

كما أرسلت صحيفة «هافينغتون بوست» 18 مراسلا وطاقما لإنتاج الفيديو وثمانية مواطنين صحافيين.

على النقيض من ذلك بالغت بعض المنابر الإعلامية في تغطية الحدث؛ حيث استأجرت شبكة «بلومبيرغ»، 16.500 قدم مربع في صالة غولد جيم بالقرب من مركز المؤتمرات في تشارلوت و (15.000 قدم مربع في تامبا) وقامت بتحويلها إلى مزيج من ساحة عمل وقاعة للندوات، وأستوديو تلفزيوني ومركز استقبال. جندت الشركة 90 صحافيا لتغطية كلا المؤتمرين، فاقت به أي مؤسسة إخبارية أخرى. وحاولت تعويض نفقاتها بالاتفاق مع رعاة مثل «إيه تي آند تي» ومؤسسة الغاز الطبيعي الأميركية.

وقال آل هانت، مدير تحرير «بلومبيرغ» في واشنطن، الذي غطى هذه المؤتمرات لأربعين عاما، «أعتقد أنه استثمار لا يقدر بثمن، سواء من الناحية الصحافية أو العلامة التجارية لـ(بلومبيرغ). وسعنا من وجودنا في واشنطن بشكل كبير العام الماضي، وأعتقد أن هذا يعطينا فرصة للتباهي».

* شاركت ليزا دي موريس في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»