المشهد الإعلامي التونسي.. 200 عنوان وعشرات المحطات الإذاعية و15 قناة تلفزيونية

كمال بن يونس: باعثو وسائل الإعلام الجديدة وممولوها رجال أعمال ومستثمرون تونسيون

محتجون أمام صحيفة «دار الصباح» و«لوتون» التونسية يرفعون شعارات تطالب بحرية الإعلام أول من أمس بعد أن فشل إضرابهم الأسبوع الماضي بعد تغييرات أجرتها الحكومة على إدارة الصحيفة (أ.ف.ب)
TT

لا تزال أجواء من الضبابية تسيطر على المشهد الإعلامي في تونس بعد مرور أكثر من سنة ونصف على الثورة التونسية، فهو يعاني من التخبط وعدم وضوح الرؤية في التعاطي مع الأحداث، بل إن الانغلاق أصبح سمة من سمات الإعلام بمختلف أصنافه، مما جعل المؤسسات الإعلامية تبدو مثل الحصون الحصينة الممنوعة على الحكومة الجديدة. وبدا أن الثورة التي أحدثت انقلابا شمل طبقة سياسية بأكملها، لم تستطع الوصول إلى الإعلام الذي تغيرت عناوينه وزادت أضعافا، وأدخلت تغييرات على مستوى تناوله للمواضيع، إلا أن المنظومة بأكملها لا تزال تحتفظ برؤية تقليدية تدافع من خلالها على مواقع بعينها وتخدم أطرافا دون أخرى، وقد طوعت مناخ الحرية وغياب القيود التي كانت تعوز تلك المؤسسات إلى ما يشبه السلطة التي تقع فوق كل السلطات. ويبدو أن الوصول إلى فك الارتباط بين الإعلام والسلطة مازال مطلبا مؤجلا وأن الدخول إلى بيت الطاعة أمرا يبدو خلال هذه المرحلة بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا.

ويبدو المشهد الإعلامي التونسي في ثورة متواصلة حيث إن أعداد العناوين الصحافية والإذاعات والقنوات التلفزيونية في ازدياد مطرد، فالهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال درست بعد الثورة ملفات مطالب أحداث 74 إذاعة، وقرابة 15 قناة تلفزيونية إلى جانب عشرات العناوين الصحافية. ويتكون المشهد الإعلامي التونسي حاليا من أكثر من 200 عنوان صحافي موزعة بين صحف يومية وأخرى أسبوعية وشهرية إلى جانب عشرات المحطات الإذاعية و15 قنوات تلفزيونية بين الخاصة والعمومية والفضائية، التي تبث على مواقع الإنترنت. إلا أن كثرة العناوين وتوزيعها بين الخاص والعمومي، لا تعني في كثير من الأحوال، الجودة في تناول الملفات بل إن السياسة قد سيطرت على مفاصل الإعلام التونسي، ولا يزال كثير من الإعلاميين لا يفرقون بين حرية التعبير وضرورة احترام الرأي والرأي الآخر.

15 قناة تلفزيونية الجنوبية منهم مؤخرا مثلا تونس اليوم، الزيتونة، التواصل، والجنوبية، تونسنا.

وحول تمويل قطاع الإعلام قال المدير العام لقناة «الجنوبية» الفضائية الخاصة والكاتب والصحافي كمال بن يونس في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن الدولة هي التي تمتلك القناتين الوطنيتين الأولى والثانية، و49 في المائة من مؤسسة «كاكتيس» التي يمتلكها سامي الفهري صاحب قناة «التونسية» ما زالت تحت إدارة الحرس القضائي. و80 في المائة من أسهم «دار الصباح».

كما تمتلك صحيفة «الصحافة» و«لابراس» و«لوتون». والإذاعة الوطنية، وإذاعة «صفاقس» و«المنستير» و«قفصة» و«الكاف» و«تطاوين» وإذاعة «الشباب». وإذاعة «أر تي سي أو» الناطقة بالفرنسية والأسهم المصادرة من إذاعة «شمس إف إم» التي كانت تمتلكها ابنة الرئيس السابق، وإذاعة «الزيتونة» المصادرة أيضا. أما البقية فخاصة.

وأضاف بن يونس أن السلطة في النظام السابق كانت تعتمد على وكالة حكومية وهي «وكالة الاتصال الخارجي» في تمويل كل وسائل الإعلام في تونس ودعمها وتوزيع الإعلانات عليها بحسب مدى موالاتها للنظام، لكن «الآن نظريا الوزارات كلها لها حرية في توزيع الإعلانات، ولا هيكل ينظم العمل يعتمد على حرية توزيع الإعلانات»، واستدرك: «هذا لا يمنع أن فرص الفساد موجودة».

وحول بعث المشاريع بحد ذاته، الذي يحتاج إلى تمويل قبل البدء في الإعلانات قال: «إن أكثر الباعثين هم من رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين، سواء في الداخل أو في الخارج». وضرب مثالا على ذلك القناة التي يديرها «الجنوبية»، التي أسستها مجموعة من رجال الأعمال وهم فرحات الجويني وهو فنان تونسي يمتلك فندقا جعله مقرا للتلفزة، بالاشتراك مع رجلي أعمال تونسيين وهما الأخوان علي وربيع بعبورة، وهم مستثمرون في القطاع السياحي بالأساس أرادوا خوض التجربة الإعلامية.

وعن النقائص التي يعاني منها الإعلام في الوقت الحالي قال بن يونس: «هناك نقائص كثيرة في العهد السابق والآن خاصة نقص الكفاءات، ورغم أن هامش الحرية تحسن نتمنى أن لا تقع انتكاسة، وأن لا تتم العودة للاستبداد مع تسارع الأحداث والنظام الذي سقط فجأة، ونخشى مخاطر عودة الدكتاتورية».

مضيفا أنه في الصحافة ومن أكثر المعضلات التي وقعت فيها النخب هي أنه لم يصدر كتاب أبيض عن الإعلام قائلا: «نحن بحاجة إلى كتاب أبيض يضع الآليات، ويوضح لماذا برزت وانتصرت آليات الفساد».

وعلى الرغم من ظاهر التزويق الكبير الذي طرأ على الإعلام التونسي، فإن معظم المؤسسات الإعلامية لم تتحرر من موروث الماضي. ولا تزال حركتها بطيئة بحكم افتقادها لرد الفعل المباشر تجاه الأحداث المميز للعمل الإعلامي، فمعظم المؤسسات الإعلامية لا تزال تعتمد على نفس الأشخاص ونفس الأقلام، على الرغم من التغيير الحاصل على محتوى كثير منها والتي بات ولاؤها للثورة، لكنها لم تستطع التخلص من الممارسات والأساليب والمغالطات التي طبعت الإعلام في عهد النظام السابق للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. كما أن الإعلاميين أنفسهم لم يستطيعوا التفرقة بين الإعلام الحر المعترف ببعض الخطوط الحمراء، والإعلام المنفلت الذي يتناول كل المواضيع ويفتح الباب لكل الآراء التي قد تصل إلى حد الشتم وهتك الأعراض ومن ثم المساءلة القانونية.

ويواصل الأشخاص والمؤسسات التي اشتغلت لسنوات كثيرة مع النظام السابق الإمساك بأهم مفاصل المشهد الإعلامي في تونس من وراء الستار، وتوجه اتهامات لبعض المؤسسات الإعلامية بالتغطية عن تناول بعض الملفات مثل محاسبة رموز العهد السابق وتطهير بعض القطاعات من العناصر المشبوهة. ولا تزال كثير من المصالح مرتبطة إلى حد كبير بمنظومة العهد السابق. ولم يحدد الإعلام التونسي أجندة تعامله مع الأحداث والأشخاص إلى حد الآن، وهو لا يزال مترددا بين المنظومة السابقة ومنظومة ما بعد الثورة. ولم تحدث في أذهان الإعلاميين التونسيين رجة نفسية حقيقية، بل إن قطاع الإعلام حافظ على نفس الهيكلة تقريبا من إدارة ورؤساء تحرير ومشرفين على أهم مفاصل المؤسسات الإعلامية. ويواصل بعض الإعلاميين الدعاية السابقة لبعض القيادات السياسية بنفس الاندفاع لرموز النظام السابق ويكررون تناول بعض المواد الإعلامية فيما يشبه الدعاية المتواصلة لأشخاص بعينهم.

وتتنافس المؤسسات الإعلامية على الوصول المبكر إلى المعلومات إلا أنها في ذلك لا تراعي حسب المتابعين أخلاقيات المهنة من حيث التثبت في مصادر الخبر، واحترام أعراض التونسيين وواصل البعض منها ممارسة عقلية الشتم التي كانت في السابق موجهة إلى المعارضة وباتت اليوم موجهة سهامها إلى فلول النظام السابق ورموزه.

ويواجه الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة انتقادات كثيرة بسبب مجموعة من التعيينات في خطط بمؤسسات إعلامية تابعة لمنظومة الإعلام العمومي. ويطالب الإعلاميون التونسيون من الصحافة المكتوبة والمرئية بإعلام في خدمة المواطن بعيدا عن نفوذ السلطة ويتواصل التململ في صفوف الإعلاميين العاملين بـ«دار الصباح» التي استحوذ عليها صخر الماطري (صهر الرئيس السابق) سنوات قليلة قبل قيام الثورة واسترجعتها السلطات العمومية، وذلك على خلفية تعيين رئيس مدير عام جديد، تحوم حوله شبهة الموالاة لحركة النهضة وتنفيذ أجندتها السياسية. كما تعيش مؤسسة التلفزة التونسية منذ مدة على وقع مشاكل داخلية بسبب تعيين مديرة عامة جديدة، سبق أن تم تعيينها قبل أشهر مديرة لإحدى القنوات التلفزيونية الحكومية، وقد جاهرت في أحد المواقع الإلكترونية بكونها «تجمعية» (نسبة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل) انقلبت إلى «نهضوية» (نسبة إلى حركة النهضة التي تقود تونس حاليا).

وتوجه قوى المعارضة اتهامات إلى حركة النهضة بتركيز مجموعة من الموالين لها على رأس أكبر المؤسسات الإعلامية من بينها الإذاعة والتلفزة التونسية و«دار الصباح» و«دار لابراس». وتتهم النهضة بعضا من تلك المؤسسات المستقلة عن السلطة من حيث الخط التحريري، بـ«التطرف» في تعاملها مع الأحداث الإعلامية وعدم تقديم تغطيات إعلامية متوازنة لمعظم الأحداث التي تكون حركة النهضة طرفا فيها. وترد نقابات الإعلاميين بأن حركة النهضة تريد إعلاما على قياسها وترفض من ينتقدها، وتهدد بنشر قائمة سوداء في الإعلاميين الذين تلقوا هدايا وحظوة خلال سنوات نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بنية إسكات الأصوات المخالفة لها.

بشأن هذا الخلاف الدائر بين الحكومة والإعلاميين بمؤسسات إعلامية عمومية، قالت نجيبة الحمروني رئيسة النقابة التونسية للصحافيين التونسيين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحكومة تتوخى سياسة الهروب إلى الأمام بإصرارها على تعيين مسؤولين في القطاع الإعلامي دون استشارة الهياكل النقابية المنتخبة»، وأضافت أن «النقابة طرف أساسي في إصلاح الإعلام» وأوضحت قائلة: «نحن لا نريد التقليص من صلاحيات الحكومة في باب الإشراف على المؤسسات الإعلامية العمومية، ولكن نعمل على تقديم مقترحات بناءة في ظل غياب هيكل مستقل يحدد مقاييس تعيين المسؤولين مع ضرورة استثناء من لا تتوفر فيهم الخبرة الكافية، ومن تورطوا مع النظام السابق، ومن لا يحسن إدارة المؤسسات الإعلامية».

ومن ناحيته دعا هشام السنوسي، عضو الهيئة المستقلة السابقة للإعلام والاتصال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة الالتزام بمجموعة من المقاييس والمعايير عند تعيين أشخاص على رأس المؤسسات الإعلامية ومن الأجدر أن تتخلى الحكومة عن صلاحيات تعيين رؤساء المؤسسات الإعلامية على أن توكل هذه المهمة إلى هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي البصري.

وبشأن الموالاة والمعاداة التي تطبع المشهد الإعلامي التونسي، يشير نور الدين العرباوي، القيادي في حركة النهضة في تصريح ل»الشرق الأوسط»، إلى أن «حركة النهضة» ليست معنية مباشرة بالتعيينات داخل وسائل الإعلام الحكومية، ولكن من حقها أن تدافع عن نفسها إذا أحست أن إعلاميين يحيدون عن مبدأ الحياد والاستقلالية ويمارسون «إعلاما أسود» لا يظهر غير مظاهر العجز، ولا يركز على غير مظاهر الفوضى والاحتقان الاجتماعي. واعتبر أن تعيين المسؤولين على رأس أبرز مؤسسات الإعلام الحكومي من صلاحيات الحكومة خلال هذه الفترة، وهي تسعى إلى إعادة هيكلة قطاع «نخره سوس النظام السابق» والحكومة تربط بين الممانعة التي تبديها بعض الأطراف المعروفة بـ«ماضيها القاتم» على حد تعبيره، وبين إظهار كل ما يمت بصلة إلى الانضمام إلى الثورة المضادة. وقال أيضا إن الحكومة التي تقودها حركة النهضة لا ترضى بإعلام تابع، ولكنها كذلك ترفض الإعلام البنفسجي في إشارة إلى إعلام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

وفي ثورة على ما سماه قسم من الشارع التونسي بـ«إعلام العار»، كان عضو من أعضاء المجلس التأسيسي قد تجرأ في شهر مايو (أيار) الماضي، ودخل قسم الأخبار بالتلفزة ووصف أخبارها بـ«البنفسجية»، حول تلك الحادثة، يسترجع فطين حفصية رئيس فرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بالتلفزة الوطنية الأولى ما جد فيقول لـ«الشرق الأوسط»: إن عضوا من أعضاء المجلس التأسيسي التونسي قد دخل قسم الأخبار، وتوجه إلى العاملين هناك بالقول: «كل هذا الكم من الرصيد البشري يقدم لنا في نهاية المطاف نشرة بنفسجية».. في إشارة إلى اتهامات مقدمة ضد التلفزة العمومية بأنها لم تتخلص من التعتيم الإعلامي الذي ساد لعقود أثناء حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وقال فطين إن عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة قد خلف حالة من التشنج والاستغراب داخل قسم الأخبار.

وعلى الرغم من ظاهر التحرر الذي يطبع الإعلام التونسي بعد الثورة، فلا تزال هناك قوى تريد السيطرة على حرية الإعلام والصحافة، وفي هذا المجال يقول ناجي البغوري الرئيس السابق لنقابة الصحافيين التونسيين: «إن المشرفين على المؤسسات الإعلامية غير مؤمنين إيمانا كاملا بالتغيير، ولا تزال اجتماعات التحرير لتقييم العمل الصحافي صورية في معظم الحالات، ومازالت كثير من المؤسسات الإعلامية تعامل الصحافي على أنه موظف عادي عليه تلقي التعليمات وتنفيذها».

ويواصل ممثلو المؤسسات الإعلامية التحاور مع حكومة الجبالي حول طرق ممارسة العمل الإعلامي وسط شكوك متبادلة من الطرفين، وفي هذا الشأن يقول نبيل جمور الكاتب العام لنقابة الثقافة والإعلام المشارك في هذا الحوار، إن المدير العام المعين أخيرا داخل مؤسسة «دار الصباح» قد واصل تدخله في خط التحرير واتهم العاملين في المؤسسة بتعطيل سير العمل والتجأ في سابقة خطيرة إلى قوات الأمن لفرض واقع إعلامي جديد على المؤسسة. واعتبر أن توجه الحكومة نحو تعيين أشخاص جدد على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية يكشف عن نيتها السيطرة على قطاع الإعلام وجعله لونا واحدا يخطب باسمها. واتهم جمور الحكومة الحالية باعتماد خطابين متناقضين؛ الأول يبدي استعداده للحوار والتشاور، أما الخطاب الثاني الذي تقوده أطراف أخرى فهو على حد تعبيره «متشنج يسعى إلى التنصل مما تم الاتفاق حوله».

وكانت نسبة 80 في المائة من رأسمال «دار الصباح» قد وضعت السلطات التونسية اليد عليها بعد الثورة، كانت على ملك صخر الماطري صهر الرئيس التونسي السابق، ولا يزال الخواص ومن بينهم عائلة شيخ روحو، مؤسس الدار يحتفظون ب 20 في المائة من رأسمالها. ويتهم الإعلاميون السلطات بالعمل على إضعاف المؤسسة لتحويل ملكيتها بعد ذلك إلى الخواص، ومن بينهم بعض القيادات في حركة النهضة وبعض رجال الأعمال المهتمين بـ«دار الصباح» باعتبارها إحدى أهم المؤسسات الإعلامية التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى الخمسينات من القرن الماضي.

وتعيش حكومة حمادي الجبالي خلافا متواصلا مع الإعلام التونسي حول التصرف في القطاع، وتتهم الحكومة الإعلام العمومي بالخصوص بمعاداتها والابتعاد عن خدمة المصلحة العامة للتونسيين باعتباره مرفقا عموميا تحت تصرف الحكومة. فيما يتهم الإعلاميون ومن ورائهم الأقلية المعارضة الحكومة بمحاولات تدجين قطاع الإعلام، وبتعيين موالين لها في مواقع القرار، في محاولة للسيطرة على الإعلام بوصفها خطوة هامة للسيطرة على مفاصل الدولة.

وتعتبر قيادات من «حركة النهضة» أن الإعلام الحالي يسهم في التضليل والتعتيم على ما تقوم به الحكومة، وما يجري من نقاشات ومصاعب وعراقيل ولا ينقل غير نصف الكأس الفارغة، وفي هذا الشأن يقول المنصف بن سالم، وزير التعليم العالي والبحث العلمي: «نحن نريد من الإعلام أن ينقل الصورة كاملة غير منقوصة وغير مجزأة. ولا نريد من الإعلام أن ينحاز لأي طرف، نحن لا نريد إعلاما حكوميا، ولكن إعلاما ينقل ما يدور في الساحة من آراء الحكومة والمعارضة والمجتمع».

وتتهم الحركة بعض الإعلاميين بتحريف وتحوير تصريحات بعض مسؤوليها في الحكومة، وتربط بعض الأطراف بين غموض المشهد السياسي وعدم وجود أجندة واضحة خاصة بصياغة الدستور، وتحديد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وبين التخوفات من المساس بحرية التعبير فضلا عن تواصل هشاشة الوضع داخل المؤسسات الإعلامية وتهميش المطالب المهنية للإعلاميين.

ويتعرض الإعلاميون من ناحيتهم إلى ضغوط متنوعة، وكانت «الجمعية الوطنية للصحافيين الشبان» (نقابة مهنية تأسست بعد الثورة) قد استنكرت في أكثر من مناسبة تعرض بعض الصحافيين للطرد التعسفي، لمجرد معارضتهم للخط التحريري للمؤسسة، وقال عبد الرؤوف بالي رئيسها: «إن المشرفين على الإعلام يواصلون ممارسة ظاهرة احتكار التوزيع والإشهار في شكل يشبه العقاب المبطن، وقد أدت هذه السياسة إلى إغلاق بعض الصحف بعد أشهر قليلة من تأسيسها».

وتوجه اتهامات إلى بعض قيادات حركة النهضة ومن بينهم لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس الحكومة حمادي الجبالي بمحاولة الضغط على القطاع الإعلامي من أجل إسكات الأصوات المختلفة والمناوئة للحكومة صاحبة «سياسة اليمين»، ووصلت الاتهامات المتبادلة إلى حد الربط بين محاولة سيطرة حركة النهضة على الإعلام واستعماله لصالحها عبر تعيينات مثيرة للجدل يقودها لطفي زيتون، وبين تدخل عبد الوهاب عبد الله المستشار السياسي السابق للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وطريقة تعامله مع الإعلام المعارض لسياسة الدولة واختياراتها.

وكان لطفي زيتون نفسه قد صرح أنه تلقى منذ فترة مجموعة من التهديدات بالقتل وعلق على المسألة بأنها «نوع من التهديد بصدد التجسيد»، على حد قوله. واعتبر أن حادثة محاولة اغتياله في مدينة صفاقس الواقعة على بعد نحو 350 كلم جنوب تونس العاصمة، قد تكون نتيجة للشحن الإعلامي الذي شهدته الساحة السياسية جراء قيادته لحملة مقاومة الفساد في قطاع الإعلام والتهديد بكشف القائمة السوداء للإعلاميين الذين تورطوا مع النظام السابق.

إلا أن أطرافا من الأقلية المعارضة قللت من شأن تلك التهديدات، وقالت إنها موجهة لامتصاص غضب الإعلاميين ومحاولة تشتيت اهتمامهم. وفي انتظار مزيد من انجلاء المشهد الإعلامي التونسي، يواصل كل طرف التمسك بمواقعه في انتظار ملل أحد الشقين أو تغير الخارطة السياسية خلال المحطات الانتخابية القادمة.