«إنترناشونال هيرالد تريبيون» تحتفي بمرور 125 عاما على تأسيسها

بالقرب من ملعب «رولان غاروس» شاهد حي على عملاق الصحافة الأوروبية

TT

تحتفل هذا الأسبوع صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون»، التي كانت في بداياتها تسلم إلى أكشاك بيع الصحف والفنادق في عربة تجرها جياد، بمرور 125 عاما على تأسيسها، محافظة على ثقتها بالمستقبل على الرغم من الثورة الرقمية التي تغير معالم الصحافة. وشددت إليسون سمايل مديرة التحرير في الصحيفة، ومقرها في حي لاديفانس بضاحية باريس الغربية، التي توزع في أكثر من 160 بلدا، قائلة: «كما الجميع نحاول نحن أيضا أن نجد الحل السحري».

وأكدت أن الصحيفة «قابلة للاستمرار اقتصاديا»، مع أن ثمة شائعات داخل فريق التحرير مفادها أن الصحيفة تسجل خسائر وقد تنقل مقرها إلى بلد أقل تكلفة من فرنسا.

وأدى بروز مجموعة كبيرة من مواقع الإنترنت والمحطات التلفزيونية الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر»، إلى تغيير بالعمق في طريقة إنتاج الأخبار وبثها واستهلاكها، إلا أن صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون»، لا تزال تؤمن بأن تقاليدها هي ضمانة لمستقبلها، على ما أوضحت إليسون سمايل.

وأضافت: «يمكنكم بطبيعة الحال، كما نفعل جميعا يوميا، الإبحار عبر الإنترنت، والحصول على المعلومات والأخبار. لكن لا تحصلون بذلك على عنصر المفاجأة الذي توفره الصحيفة، حيث يقوم صحافيون أذكياء وموهوبون بخيارات حول ما تحتاجون إلى معرفته في عالم اليوم».

وأسس جيمس غوردن بينيت جونيور ناشر صحيفة «نيويورك هيرالد» في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1887 في باريس الصحيفة الصادرة بالإنجليزية التي كانت تهدف في البداية إلى اطلاع الأميركيين في فرنسا على معلومات حول بلدهم الأم، من أسعار الأسهم في البورصة إلى آخر النتائج المسجلة في رياضة البيسبول، وعلق إصدارها مرة فقط تحت الاحتلال النازي لباريس من 1940 إلى 1944.

وعرفت الصحيفة عدة مالكين وعدة أسماء، وقد أصبح اسمها «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في عام 1967. وهي ملك لمجموعة «نيويورك تايمز»، منذ عام 2003 وتوظف نحو مائة صحافي، وهي تطبع في 38 موقعا. ومحتواها مستقى من مقالات نشرت في «نيويورك تايمز» وأخبار الوكالات وصحافييها الخاصين.

وبمناسبة ذكرى تأسيسها، تكرس الصحيفة صفحات خاصة بالمناسبة، وتنظم نقاشا حول التنافسية في أوروبا، ومعرضا يضم 120 صورة من أرشيفها الخاص.

في يوم من الأيام، ربما نجد شارعا يحمل اسم مردوخ، أو طريقا باسم تيرنر أو حتى زوكربيرغ في العاصمة الفرنسية باريس، ولكن في الوقت الحالي فالشارع الوحيد في المدينة الذي يحمل اسم أحد أقطاب الإعلام الأميركيين هو شارع «جوردون بينيت أفينيو».

يعد إطلاق اسم جيمس جوردون بينيت الابن على هذا الطريق، الذي يقع بالقرب من ملعب رولان غاروس للتنس، بمثابة نوع من التكريم لهذا الرجل الذي أسس صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون»، التي كانت معروفة آنذاك بالطبعة الأوروبية من صحيفة «نيويورك هيرالد»، في مدينة باريس عام 1887.

لم يكن بينيت الابن الناشر الأول الذي توصل إلى فكرة طباعة صحيفة ناطقة باللغة الإنجليزية في القارة الأوروبية، ولكنه كان الشخص الأول الذي ينحدر من عائلة إعلامية كبيرة ويمتلك الموارد والمهارات التكنولوجية اللازمة، وحتى الوقاحة المطلقة، لتأسيس مطبوعة قابلة للاستمرار لفترات طويلة.

وبالنسبة للمبتدئين، كانت باريس تعتبر سوقا جذابة ومؤثرة ومكانا مثاليا لإقامة المشاريع، حيث انتشرت العولمة في أواخر القرن الـ19 بصورة كبيرة. وفي تلك الفترة، كان هناك عدد قليل من المدن العالمية التي تستطيع منافسة باريس على لقب «أعظم مدينة في العالم»، فضلا عن أن باريس كانت تعد المكان المفضل لأبناء وبنات العائلات الأميركية الثرية وغيرهم من النخب العالمية، أو حتى على الأقل نقطة توقف في طريقهم إلى المنتجعات الصحية والمناطق الساحلية في القارة الأوروبية.

واستلهاما من روح مشاريع الإنترنت التي تم تأسيسها في القرن الـ21، مع الوضع في الاعتبار النمط المختلف الذي كانت تتمتع به هذه المشاريع بالطبع، قام بينيت باكتشاف فرصة عمل جديدة تتماشى بشكل كبير مع مصالحه العالمية وأسلوب حياته.

يقول ميتشل ستيفنس، أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب «تاريخ الأخبار»: «في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تبدأ في استشعار مدى قوتها على الساحة العالمية، كان هذا الناشر يتمتع بنظرة رائعة عبر المحيطات أكثر من أي ناشر آخر في وقته».

كان بينيت ابنا لواحد من أبرز الشخصيات في مجال الصحافة الأميركية، وهو جيمس جوردون بينيت الأب، الذي قام بتأسيس صحيفة «نيويورك هيرالد» في عام 1835، وحولها إلى صحيفة ذات شهرة واسعة في المدينة لعدة عقود.

وعلى الرغم من نشأة جيمس جوردون بينيت الابن في فرنسا، لم يكن من المتوقع قيامه بتوسعة نشاط الصحيفة في باريس، ولكن الأمر الوحيد الذي كان متوقعا هو قيامه بتولي إدارة صحيفة العائلة، وهو ما قام به بالفعل في عام 1866، قبل سنوات كثيرة من وفاة والده.

تمثلت إحدى أهم العقبات المهنية الكبيرة التي كانت تقف في طريق سليل العائلة العظيمة في مجال النشر في أسلوب الحياة المستهتر الذي عاشه بينيت الابن، حيث قاده طيشه وحماقته خلال حفل رأس السنة الجديدة في عام 1877، وكان وقتها في الـ35 من عمره، إلى التبول على المدفأة (يقول بعض كتاب السير الذاتية إنه تبول على بيانو أو بعض النباتات) الموجودة في منزل خطيبته على مرأى ومسمع من مضيفيه.

وعلى أي حال، لم تكتمل هذه الزيجة، حيث سافر بينيت الابن بعد ذلك إلى منفاه الاختياري في باريس. وبعد مضي عقد من الزمن، قام بينيت الابن بإصدار الصحيفة الجديدة، التي أصبحت تعرف باسم «ذا باريس هيرالد».

وعلى الرغم من أن الصحيفة الجديدة وصفت في البداية بالمشروع التافه، نجحت الصحيفة في اجتذاب كثير من القراء، بالإضافة إلى الدور المفيد الذي لعبته ضمن مشاريع بينيت، حيث كانت تعتبر محطة للإنذار المبكر في مجال الأخبار ومنارة للتكنولوجيا الحديثة.