إعادة بث القنوات التلفزيونية المحلية مجانا

جيش من الهوائيات في قلب الخدمة الطموحة في مدينة نيويورك أولا ثم في سائر أنحاء البلاد

تقوم فكرة «الخدمة الطموحة» على التقاط إشارات القنوات المحلية ثم إعادة بثها على الإنترنت
TT

في الطابق التاسع من أحد مصانع الإطارات القديمة في وسط مدينة بروكلين، وقف جو ليبوسكي، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة تدعى «ايريو»، بكل فخر ليعرض لوحا من الصلب مغطى بهوائيات التلفزيون.

لم تكن المنتجات المعروضة مجرد هوائيات تلفزيون تقليدية الحجم، ولكنها كانت عبارة عن رقاقات صغيرة بحجم ظفر الإبهام تقريبا ومرتبة بعناية في صفوف. وخلف ليبوسكي كانت هناك صفوف من الأرفف مستطيلة الشكل تحتوي على عشرات من ألواح الصلب المغطاة بالهوائيات أيضا.

يقول ليبوسكي: «هناك ما يكفي من الهوائيات هنا لاستيعاب نصف مليون عميل، وهذه مجرد بداية فقط».

يأتي هذا الجيش من الهوائيات في قلب الخدمة الطموحة التي ستقدمها شركة «ايريو» في مدينة نيويورك أولا، ثم بعدها في شتى أنحاء البلاد، حيث ستقوم شركة «ايريو» بالتقاط إشارات القنوات المحلية مثل «فوكس» و«إيه بي سي» ثم تقوم بإعادة ببثها على الإنترنت حتى يتمكن الناس من مشاهدتها من خلال أجهزة التلفزيون والأجهزة المحمولة. يقوم المشتركون في هذه الخدمة، والذين يستطيعون تسجيل البرامج التلفزيونية لمشاهدتها لاحقا، بدفع رسوم تبدأ من 8 دولارات في الشهر.

يقول المسؤولون التنفيذيون في شركة «ايريو» إنهم يتطلعون إلى مستقبل لا يضطر فيه مشاهدو «التلفزيون» إلى شراء أي كابلات أو حتى أجهزة تلفزيون، ولكن يستطيعون مشاهدة برامجهم المفضلة مجزأة على عدد من المصادر على شبكة الإنترنت. وبهذا، سيقوم هؤلاء الأشخاص بالانضمام إلى الشركات الأخرى، بما في ذلك بعض الشركات الناشئة مثل «بوكسي»، فضلا عن الشركات العملاقة أمثال «أبل»، التي تحاول الحصول على مكان في الموجة المقبلة من الإنفاق الإعلامي والترفيهي.

يقول شيت كانوجيا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «ايريو»: «الهدف ليس إعادة إنشاء شركات الكابل وإنما خلق حل بديل للأشخاص الذي يدخلون إلى التلفزيون عن طريق الإنترنت. هناك طبقة ناشئة من الناس لم يسبق لهم الاشتراك في باقات الكابل التقليدية، والذين اعتادوا على تكييف تجربتهم التلفزيونية الخاصة بهم».

تساعد صفوف الهوائيات شركة «ايريو» على تجنب المساءلة القانونية، حيث ترغب القنوات التلفزيونية في إغلاق الشركة، بدعوى انتهاكها لقانون حقوق النشر.

عادة ما يكون إعادة بث الإشارات التلفزيونية من دون الحصول على ترخيص أو دفع المصروفات اللازمة عملية مخالفة للقانون بشكل صارخ، ولكن شركة «ايريو» تقول إنها تقوم بتخصيص هوائيين لكل مشترك، مما يسمح للعملاء بمشاهدة البث الحي وتسجيله في نفس الوقت ويتيح لهم مشاهدة البرامج التي تستطيع هذه الهوائيات التقاط إشاراتها فقط. تؤكد الشركة أن هذا الأمر لا يختلف كثيرا عن قيام الشخص بشراء هوائي وجهاز تسجيل الفيديو الرقمي (دي في آر) من محلات «راديو شاك» وربطهما بجهاز التلفزيون في المنزل.

يقع مقر شركة «ايريو» بالقرب من مبنى إمباير ستيت، وهو المكان الذي يتم منه بث معظم محطات التلفزيون المحلية في المنطقة. يتم تحويل الإشارات التلفزيونية إلى صيغة متوافقة مع الإنترنت ثم بثها مباشرة أو تخزينها على الأقراص الصلبة لإعادة تشغيلها لاحقا - مع وجود نسخة شخصية لكل مشترك يطلب مشاهدة أحد العروض.

يقول كانوجيا: «نسخة واحدة لمشترك واحد هي أمر لا ينتهك قانون حقوق النشر».

ولكن المحطات التلفزيونية لا ينظرون إلى هذا الأمر من هذه الزاوية، فبعد فترة وجيزة من إعلان شركة «ايريو» عن تقديم خدمتها الجديدة في شهر فبراير (شباط) الماضي، قامت مجموعة من 17 قناة، بما في ذلك قنوات «فوكس» و«إن بي سي» و«سي بي إس» و«سي دبليو»، برفع دعوى قضائية ضد شركة «ايريو»، متهمة إياها بالتقاط إشارات البث في نيويورك بشكل غير قانوني وسرقة محتوى محمي بموجب قانون حقوق النشر.

وفي شهر يوليو (تموز)، أصدر أحد القضاة حكما لصالح شركة «ايريو»، حيث أوقف سريان الأمر القضائي المؤقت بإغلاق الشركة وسمح لها بالاستمرار في عملها، في الوقت الراهن على الأقل. قامت هذه المحطات التلفزيونية باستئناف الحكم، مؤكدين على أنه لن يهدأ لهم بال حتى تتوقف شركة «ايريو» عن العمل. يقول دينيس وارتون، المتحدث باسم «الرابطة الوطنية للمذيعين»: «نحن نعتقد أن مرحلة الاستئناف سوف تظهر أن شركة ايريو تتعدى على حقوق النشر بالمخالفة للقانون».

تتمثل المشكلة الكبرى الأخرى التي تواجهها شركة «ايريو» في اجتذاب العملاء. يقول دان رايبيرن، وهو محلل في شركة «فورست أند سوليفان» لأبحاث السوق، إن خدمات الشركة سوف تروق لقطاع صغير من المشاهدين على أحسن حال. يضيف رايبيرن: «تؤكد شركة ايريو أن الحصول على 300 ألف مشترك سيعد بمثابة السوق الكبيرة بالنسبة لها، ولكن هذا الرقم لا يمثل حتى 1 في المائة من إجمالي سوق الأشخاص الذين يشتركون في خدمات التلفزيونات المدفوعة مسبقا في الولايات المتحدة الأميركية».

يلفت رايبيرن الانتباه إلى أن محتوى هذه الخدمة لا يزال ضعيفا - حيث سيتاح عدد قليل من القنوات في كل مدينة - فضلا عن المتطلبات التقنية التي ستتطلبها مثل هذه الخدمة. وفي الوقت الراهن، تتطلب شركة «ايريو» وجود هاتف من شركة «أبل»، فضلا عن وجود جهاز «روكو بوكس» لهؤلاء الذين يرغبون في مشاهدة التلفزيون.

وعلاوة على ذلك، سوف تكون خطط الشركة التوسعية للانتشار في 10 - 15 مدينة بحلول العام المقبل باهظة الثمن، حيث من المرجح أن تتكلف هذه الخطة أكثر من مبلغ الـ20.5 مليون دولار التي نجحت شركة «ايريو» في جمعها من مجموعة من المستثمرين مثيري الإعجاب، بما في ذلك باري ديلر، الذي قام بإنشاء شركة «فوكس» ويشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة «آي أيه سي/ إنتر أكتف كوربوريشن». تقوم الشركة بتصميم وتصنيع المعدات الخاصة بها، وسوف تكون في حاجة لبناء مزارع للهوائيات في كل مدينة ترغب في الدخول فيها. تقوم الشركة بتعيين موظفين مختصين في كل المدن، فضلا عن القيام بحملات تسويقية لتوعية المستهلكين بهذه الفكرة.

يؤكد المسؤولون التنفيذيون في شركة «ايريو»، الذين يقولون إنهم بصدد القيام بجمع المزيد من الأموال، إنهم على ثقة تامة من نجاح مشروعهم.

يقول كانوجيا: «تتمثل النفقات الرئيسية في الشركة في الطاقة وعرض النطاق الترددي وخدمة العملاء»، مضيفا: «يمكننا القيام بهذا الأمر باستخدام جزء بسيط من التكلفة التي تتكبدها إحدى شركات الكابل، حيث تصل التكلفة إلى 70 سنتا في عرض النطاق الترددي لكل عميل. إنه عمل مربح للغاية».

وبمجرد أن تصبح خدمات الشركة متاحة على الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل «أندرويد» من شركة «غوغل»، والتي تشمل أجهزة الكومبيوتر وأجهزة الألعاب، تؤكد شركة «ايريو» أن بث الإشارات التلفزيونية سوف يكون في منتهى البساطة تماما مثل التنقل بين محطات التلفزيون.

يقول ليبوسكي: «لم يكن باستطاعتنا القيام بذلك من قبل، حيث كان النجاح في هذا المسعى يعد أمرا مستحيلا تماما منذ خمس سنوات». تتراوح تكلفة الاشتراك في خدمات شركة «ايريو» ما بين 8 إلى 12 دولارا في الشهر، وفقا للسعات التخزينية المختلفة لتسجيل العروض التلفزيونية، بينما تتضمن الخيارات الأرخص دفع دولار لليوم أو حتى ساعة مجانية من مشاهدة البث التلفزيوني كنوع من الدعاية.

رفضت الشركة الإفصاح عن عدد الأشخاص الذين اشتركوا في الخدمات التي تقدمها في مدينة نيويورك، ولكن عملاء الشركة، والذين يقدرهم المحللون ببضعة آلاف، يؤكدون أن خدمات الشركة تلبي رغبتهم في الحصول على الترفيه والتسلية التي حاولوا مرارا الحصول عليها في أماكن أخرى.

يقول راؤول جوتيريز، مطور تطبيقات من بروكلين يبلغ من العمر 44 عاما، إنه حاول بث الإشارات إلى موجات بث مجانية، ولكن: «حتى أقوى الهوائيات التي استطعت الحصول عليها لم تجدِ نفعا». يقوم هو وزوجته ببث برامجهما سويا عن طريق عدد من المواقع، مثل «أمازون بريم» و«نتفليكس» و«ويب فيديو».

وبعد أن فشل جوتيريز في محاولاته لمشاهدة إحدى مباريات لعبة البيسبول هذا الصيف، أخبره أحد أصدقائه بشركة «ايريو»، لذا قام جوتيريز بالاشتراك فورا في خدمات الشركة، التي وصفها بـ«السهلة والممتعة» التي تمكنك من تسجيل ومشاهدة البرامج السياسية والأحداث الرياضية والفعاليات الأوليمبية على جهاز «آي باد» الخاص بك.

يقول جوتيريز: «نحن نتمتع بالقدرة على مشاهدة ما نريده في أي وقت وأي مكان نشاء. إنه تحول كبير في مشاهدة الأحداث الكبرى على أجهزة آي باد، ولكننا لم نكن أبدا من كبار مشاهدي التلفزيون».

إنه بالضبط هذا النوع من المشاهدين الذي ستحتاج إليه شركة «ايريو» إن كانت تريد الاستمرار في هذا المجال.يقول ريتشارد غرينفيلد، وهو محلل في شركة «بي تي آي جي»: «يسارع الناس في وصف هذه الشركة بالفشل لأنها لم تستطع جذب أي مشترك حتى الآن، ولكن ينبغي أن ندرك أنها توفر خدماتها في مدينة نيويورك فقط في الوقت الراهن. يحب العملاء مثل هذه الأجهزة، لأنهم يحبون اللعب عليها، وهو ما تعتمد عليه شركة ايريو».

يؤكد غرينفيلد أنه في حال نجاح هذا الأمر، فسوف تستطيع شركة «ايريو» البدء في تغيير شكل النمط الحالي من أجهزة التلفزيون، مضيفا: «ربما يؤدي ذلك إلى حدوث انهيار أكبر في ربط المحتوى عبر الوقت، وهو ما قد يكون أمرا مثيرا للاهتمام».

* خدمة «نيويورك تايمز»