حراس القنصلية الأميركية

المراقب الصحفي

TT

كان أبرز موضوع تم نشره طوال الأسبوع الماضي التقرير الصحافي الخاص الذي انفردت به صحيفة «الشرق الأوسط» بعرضها لروايات الحراس الذين تحدثوا مع منفذي الهجوم المسلح على القنصلية الأميركية، في مدينة بنغازي الليبية، وأودى بحياة السفير الأميركي وثلاثة من رفاقه. وهو الحدث الذي تزامن مع مظاهرات قادها مسلمون غاضبون حول العالم بعد نشر فيلم أميركي يسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستنكره الرئيس الأميركي أوباما نفسه.

هذا التقرير الصحافي عن القنصلية جاء متأخرا، لا سيما أن حادثة الهجوم عليها بقذائف «آر بي جي» والقنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة قد مضى عليها مدة طويلة بمقاييس العصر الإعلامي المتسارع الذي نعيشه، غير أن هذا التقرير قد تضمن معلومات دقيقة من شهود عيان تستحق أن تقرأ، فهي تنشر لأول مرة، وأضافت لقطة أكثر تفصيلية في مشاهد العنف اليومية في ليبيا.

وكان لافتا في التقرير أن الحراس صرحوا بأن القنصلية الأميركية «لم توفر لهم المسدسات ولا الخزن ولا الأسلحة» ولا حتى الخوذ التي طلبوها، وأن القنصلية طلبت يوم الحادث قوة أمنية ثم سرعان ما تم إلغاء الطلب لأسباب غير معلومة. كما أكدوا أن المهاجمين كان يتحدثون بلهجة مدينة بنغازي.

أما إحدى ملاحظاتي فهي أن الحبكة الدرامية للقصة الصحافية جاءت متأخرة، بينما كانت الفقرات الأولى للموضوع مقتصرة على نقاط هامشية كان يمكن تأجيلها. وكان من الأفضل لو أن المحرر قد بدأ بالحبكة الدرامية للقصة في مطلع الموضوع، لكنها لم تبدأ إلا في الفقرة الحادية والعشرين! في عالم الصحافة حينما يتقادم الخبر أو الحدث يلجأ المحرر بذكاء إلى أساليب عدة (غير الخبرية البحتة) لإضفاء نكهة جميلة على الموضوع تجعله مشوقا للقارئ، وكأنه يقرأ قصة بأسلوب أدبي يدخله بذكاء في تفاصيل الحدث، كرائحة المكان ولونه وحيثيات رهبة الهجوم من دون إطالة. هذا أحد الأساليب التي كان يفضل أن يلجأ إليها المحرر في صياغته للموضوع وطريقة عرضه لعناوينه.

قد لا يهم القارئ العادي ما ذكر آنفا، لكننا نكتب للصحافي المتخصص والإعلاميين الشباب لكي نذكرهم بأنه ليس في الإعلام طريقة واحدة لكتابة موضوع، فيمكن أن نجعل من موضوع ما خبرا قصيرا ومكثفا ينشر في الصفحة الأولى، أو أن نجعل منه قصة شائقة أو مقابلة شخصية أو تحقيقا صحافيا، وهذه كلها ألوان من العمل الصحافي الجميل التي إذا ما تضافرت في الصحيفة صارت مثل باقة ورود جميلة بتنوعها.