التصريحات «المنسوبة» للمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.. أزمة تلاحقهم

خبراء الإعلام: ليست بديلا عن أدوات جمع الأخبار.. وعلى الصحافيين التدقيق قبل النشر

تخصص الصحف المصرية مساحات لتصريحات الشخصيات العامة والنشطاء السياسيين
TT

أصبحت صفحات وحسابات المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«توتير» مادة ثرية تلهث وراءها وسائل الإعلام لاستخدامها مادة للنشر، كونها «جاهزة» و«سهلة» الحصول عليها، بل إن بعض الصحف المصرية أصبحت تخصص مساحات خاصة على صدر صفحاتها لتصريحات الشخصيات العامة والنشطاء السياسيين بصفه خاصة.

لكن اللجوء إلى كلمات المشاهير من على حساباتهم لا يمر دائما بسلام، حيث قد تتسبب في أزمة حقيقة، سواء للشخص أو الوسيلة الإعلامية، نتيجة انتحال حسابات هؤلاء الأشخاص، إلى جانب اتهامات أخرى تلاحق هذه الصفحات باختراق الخصوصية وخلط العمل بالحياة الاجتماعية، ومن ثم يأتي التعامل الإعلامي مع هذه التصريحات دون تدقيق في كونها تخص الشخص بعينه أم لا، والنتيجة في النهاية «تصريحات منسوبة» لهؤلاء المشاهير، الذين يخرجون بعدها غاضبين ولسان حالهم يصرخ: «لم نقل شيئا».

ولا يقتصر ذلك على مشاهير السياسة والإعلام والفن والرياضة فقط، حيث يتعدى ذلك إلى إنشاء صفحات باسم هيئات وجهات رسمية وحكومية، والتحدث بأسمائها في مواضيع وأمور قد تسيء لها.

وبرزت «التصريحات المنسوبة» في مصر مؤخرا بشكل خاص، بالتزامن مع حالة الزخم بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، التي طالت المسؤولين السياسيين وأيضا الجهات الحكومية بالبلاد، كان آخرها وأبرزها انتشار صفحات مزيفة على «فيس بوك» باسم وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي، مما اضطر المؤسسة العسكرية إطلاق صفحة تواصل مع قائدها العام بشكل رسمي، وقيام مديرها بالتحذير والتهديد لمنشئي الصفحات الوهمية باتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.

وطالت التصريحات أيضا الداعية الدكتور وجدي غنيم، بعد ما نسب له من كلمات بشأن تغريدة على موقع «تويتر» تقول: «من يدعو للخروج على مرسي (الرئيس المصري) يناطح السماء لأنه مؤيد من الله»، ثم كان نفيه أن يكون قد صرح بهذا التصريح.

ومن قبل ذلك كان انتحال أحد الأشخاص شخصية الرئيس الأميركي باراك أوباما مع اندلاع ثورة 25 يناير، حيث قام بإطلاق صفحة باللغة العربية، التي تفاعلت معها جموع المصريين، حيث كانت التصريحات مواكبة للأحداث.

أما أكثر الفئات التي تتعرض للتصريحات المنسوبة فهم الفنانون، بسبب كثير من المحاولات لانتحال شخصياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لاجتذاب معجبيهم، ولكثرة هذه الصفحات المزيفة التي تخص الفنانين وما سببته من مشكلات، قام بعضهم بإصدار بيانات صحافية يوضحون فيها عدم امتلاكهم حسابات على هذه المواقع، مثل الفنان السوري جمال سليمان، بعد أن فوجئ باتصالات كثيرة من أصدقائه داخل وخارج الوسط الفني يحذرونه من وجود شخص ينتحل شخصيته على «فيس بوك» ويتفاعل مع معجبيه.

وعلى نفس الوتيرة، كان الفنان المصري خالد صالح، حيث انتحل شخص شخصيته على «توتير»، وقام بكتابة آراء عما يدور من أحداث سياسة، بل صاحبت هذه الآراء رأيه في بعض الشخصيات العامة، مما دعا صالح للتصريح في كل وسائل الأعلام بأنه ليس من رواد الإنترنت ولا يملك أي حسابات. وأضاف صالح لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئت بأني أملك كثيرا من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في البداية كنت لا أبدي اهتماما، ولكن بعد تعامل الإعلام معها بشكل رسمي وقيامهم بنشر هذه التصريحات، سارعت بالنفي في كافه وسائل الإعلام، والتصريح بأني لا أملك أي حسابات، وما يثير اندهاشي أن الذي كان يقوم بكتابة هذه التصريحات يحاول أن يقترب بعض الشيء من أسلوبي في الحوار لإقناع الأعضاء بأنه أنا، ولا أستبعد أنه من الممكن أن يكون شخص يعرفني جيدا». وقال صالح إنه بسبب انشغاله بتصوير أعماله الفنية فقد طالب مساعدا له بالمتابعة الدائمة لهذه الحسابات المزيفة والوهمية، وأبدي استياءه من استخدام هذه المواقع بهذا الشكل على الرغم من أن لها فوائدها الكثيرة، وتعتبر جسرا فاعلا للتواصل، وكيف كان لها دور بشكل كبير في ثوره 25 يناير.

الفنان كريم عبد العزيز أيضا تم استغلال اسمه للنصب على عدد من الشباب، مما اضطره إلى إصدار بيان صحافي وإرساله لكل الإعلاميين يحذرهم من منتحلي شخصيته.

أما الفنان أحمد مكي، فقد تبرأ بطريقه فنية من الصفحات التي تحمل اسمه، والتي بلغت 60 صفحة، حيث قام بتأليف وتلحين وغناء أغنية بعنوان «فيس بوكي» يحكي فيها عن نماذج الفنانين الذين سببت لهم مواقع التواصل الاجتماعي مشكلات، بعد أن أصبحوا صيدا سهلا لبعض العابثين على الإنترنت.

أما أحدث التصريحات، فقد خصت الفنانة المصرية غادة عبد الرازق، التي فوجئت بفتاة مجهولة تنتحل شخصيتها عل موقع «فيس بوك»، وتسمي نفسها باسمها، وتضع صورتها وبعض الصور الخاصة بها سواء كانت شخصية أو من كواليس أعمالها الفنية، وتتحدث مع معجبيها.

الفنانة وفاء عامر لم تقف في موقف المتفرج، حيث قامت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد منتحلي شخصيتها على «فيس بوك»، بعد تلقيها كثير من الشكاوى من المقربين منها بالإساءة لهم.

وقالت عامر لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع القضية بشكل مستمر، ولن أترك حقي مع كل من ينتحل شخصيتي، فهؤلاء لم يسيئوا لي وللمقربين لي فقط، بل أساءوا لأسرتي». وأبدت اطمئنانها كون رجال مباحث الاتصالات يقومون بالتحريات، مؤكدين لها أن القبض عليهم لن يكون صعبا.

كما تعرضت الفنانة الشابة دنيا سمير غانم لنفس الأمر، فكانت هي الأخرى ضحية لإحدى صفحات «فيس بوك»، حيث انتحل مجهول شخصيتها، وراح ينشر أخبارا على لسانها دون أن تكون لها أي علاقة بتلك الأخبار، ثم كان تعليقها بأن «بعض الصحافيين يتعاملون مع تلك الأخبار كأنها حقيقة».

وعن كيفية التعامل الصحيح من جانب وسائل الإعلام كمصدر للمعلومات، يقول الخبير الإعلامي، ياسر عبد العزيز عن ظاهرة التصريحات المنسوبة: «في الفترة الأخيرة أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا (توتير) و(فيس بوك) أحد المصادر الأساسية لصناعة الأخبار، حيث أصبحت درجة الاعتماد عليها تتزايد باطراد، لكنها على الرغم من ذلك لن تكون بديلا عن الصحافي الميداني وأدوات جمع الأخبار».

ويبين لـ«الشرق الأوسط» أن الأخبار المستقاة من تلك المواقع تكتسب أهميتها من آنيتها، ومواكبتها للأحداث، وقدرتها الاختزالية الكبيرة، لكن يجب أن تترك مساحة للصحافي لكي يستوثق من صحتها ميدانيا ويضعها في سياقها ويستكمل خلفيتها ويحصل على تعليقات الأطراف المعنية الأخرى، لما تثيره هذه التصريحات الإلكترونية من قضايا.

ويرفض عبد العزيز التعامل مع هذه المواقع على أنها بديل للصحافيين الميدانيين، معتبرا أن ذلك خطأ كبير، كما أن التقليل من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي أيضا خطأ، فالتحدي الكبير يتعلق بالجمع بين دقة الأخبار المنسوبة إلى أصحابها، والقدرة على استخدامها في صنع قصص متكاملة.

ويحث عبد العزيز الإعلاميين والصحافيين على أن يطبقوا شروط انتقاء القصص الإخبارية على تغريدات «تويتر» وتعليقات «فيس بوك»، وعلى رأس تلك الشروط أن تنطوي الكلمات على تغيير وتأثير في المصالح المادية للجمهور المستهدف بناء على الوزن النسبي للإفادة، والتقارب مع اهتماماته المختلفة، وبناء على ذلك يتم اتخاذ قرار تطوير القصة أو إهمالها.

واعتبر الخبير الإعلامي أن من الآثار السلبية للإعلام ظهور ما يسمى بوسائط الأعلام الجديد، التي عملت على زيادة مساحة الأخبار المنتحلة غير المدققة وغير المنسوبة لمصادر معلومة، ولذلك فإن هذه الوسائط منحت الإعلام التقليدي فرصا كبيرة لكنها أيضا وضعته أمام تحديات أكبر. وعن وجهه نظره في وضع ضوابط على هذه الصفحات، قال إنه ضد وضع أي قيود على هذه الوسائل؛ فالمجال العام للإنترنت يحتاج أن يبقي فضاء حرا بلا أي قيود، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج إلى التنظيم الذاتي عبر الالتزامات الأخلاقية والطوعية للمستخدمين.

وخالفه في الرأي الدكتور محمد وهدان، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من وضع ضوابط على استخدام ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، مدللا على ذلك بأن الحرية بلا قيود تؤدي إلى فوضى»، لافتا في الوقت ذاته إلى دور هذه المواقع الكبير في حدوث ثورة 25 يناير.

ويبدي أستاذ الإعلام استياءه من بعض مستخدمي الإنترنت الذين يسيئون بشكل وبآخر للمشاهير والشخصيات العامة، معتبرا أن ذلك هو إحدى سلبيات الإنترنت، التي تستخدم فيها، وتوجيه التقنيات والتكنولوجيا بشكل خاطئ.

ويطالب وهدان بإدانة الأشخاص الذي يقومون بإنشاء صفحات باسم الجهات الحكومية والتحدث باسمها، لما يسببونه من أزمات ومشكلات، مناشدا الجهات الرقابية والمعنية بمعاقبتهم قانونيا وملاحقتهم قضائيا، خاصة أن دور مواقع التواصل الاجتماعي يزيد أهمية بمرور الوقت وسوف تكون أهم الفترة المقبلة، وهو ما يستوجب منع الفوضى الناتجة عن الحرية المطلقة، مؤكدا أن حرية الفرد تقف عند حرية الآخرين.