مالك «أتلانتيك ميديا» يغير قناعاته حيال الصحافة الرقمية

حققت مواقعه الإلكترونية 65% من إجمالي عائد الإعلانات

ديفيد برادلي
TT

عادة لا يميل أقطاب الأعمال إلى التقييم الذاتي، وعندما يقومون بذلك عادة ما يبدأ وينتهي بسرد إنجازاتهم.

لم يكن ديفيد برادلي، صاحب شركة «أتلانتيك ميديا»، مطلقا على هذه الشاكلة.. فقد أنشأ، ثم باع «أدفيزوري بورد» و«كوربوريت إكسيكيوتيف بورد»، وهما شركتان استشاريتان بحثيتان، غير أنه لم يتفاخر مطلقا بذلك أو بالتعليم المتميز الذي تلقاه – كان طالبا بمنحة «فولبرايت» حصل على درجة منخفضة من جامعة جورج تاون وحصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد - كشهادة اعتماد مهمة.

عندما عملت لحسابه – لفترة وجيزة – ثم قمت بتغطية أخباره، كونت انطباعا عنه لأنه وراء مظهره النبيل، كان لديه فهم عملي جدا لحدوده، ونتيجة لذلك، يعتبر برادلي، 59 عاما، جامع أفكار، يبحث عن المواهب الفكرية ويستمع عن كثب في كل خطوة.

وعلى الغداء قبل بضعة أسابيع تحدثنا عن «كوارتز»، أحدث منفذ رقمي في وسائل الإعلام العالمية، وهو عبارة عن موقع خاص بأخبار التجارة والأعمال والذي يظهر لأول مرة يوم الاثنين على الموقع الإلكتروني «qz.com». بدا واضحا أنه مبتهج بالمشروع الجديد، إلا أن برادلي تحدث بصراحة دون تصنع عن تعليمه المكلف في مجال اقتصادات النشر. قال: «كان مكلفا ومؤلما. لم أعلم ما كنت على أعتابه».

بعد بيعه أسهمه في شركاته محققا صافي ربح بعد اقتطاع الضرائب بلغ 300 مليون دولار في عام 1997 وإدراكه أنه لم يكن يملك لمسة الأفراد في ما يتعلق بالسياسات – عشقه الأول – تمنى شراء صحيفة «نيوزويك»، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. ومن ثم في عام 1998، اشترى صحيفة «أتلانتيك مانثلي» بدلا منها، جنبا إلى جنب مع «ناشيونال جورنال» و«غافرنمنت إكسيكيوتيف»، ويرجع ذلك من ناحية إلى أنه أراد أن يصبح لاعبا في نادي بيلتواي، ومن ناحية أخرى بسبب عشقه للجوانب المادية للطباعة.

لقد حلم بتحويل صحيفة «أتلانتيك» إلى صحيفة أسبوعية براقة يمكنه أن يعرضها بفخر في مكتبه في مجمع «ووتر غيت»، المطل على نهر بوتوماك. ولكن حتى كجريدة أسبوعية، كان الوضع الاقتصادي مربكا.

اتصلت به مجددا بعد تناولنا الغداء وأعاد على مسامعي أمرا كان قد سبق أن ذكره.. «بصورة ما، ولدت متأخرا 50 عاما. أعشق رومانسية الطباعة، لكن بعد امتلاكي صحيفة (أتلانتيك)، سرعان ما بدأت أتكبد خسائر تتراوح ما بين 8 إلى 10 ملايين دولار سنويا. لم يكن عملا قابلا للاستمرار، بغض النظر عن مدى حبي لأن أكون جزءا منه».

بعد إهداره 10 سنوات و100 مليون دولار على علامة «أتلانتيك»، أدرك أن تصنيع مواد تزيين لطاولة القهوة سرعان ما سيؤدي به إلى تكبد خسائر. قام بتعيين جاستين سميث، ناشر صحيفة «ذي ويك»، والذي كان قد عمل أيضا بصحيفة «ذي إكونوميست» في عام 2007. يتمتع سميث ببريق برادلي، ولكنه أكثر قسوة في ما يتعلق بشؤون العمل وأقل حساسية تجاه الطباعة. بدأ الاثنان في إنشاء سلم يخرجان به من الهوة السحيقة التي انزلقت فيها الشركة – بل ومعظم الشركات العاملة في مجال نشر الصحف المطبوعة.

ما السبيل للمضي قدما بالنسبة لمجلة تعود بداية ظهورها إلى 155 عاما مضت والتي كانت تنشر من قبل «أميرسون» و«لونغفيلو»؟ تعتبر رقمية أولا وأخيرا، مع عائد إضافي من المؤتمرات. ما زالت المجلة، التي يحررها جيمس بينيت، وسط الحديث، لكن في هذه الأيام تثمن في الأغلب لإضفائها رونقا على أصول رقمية مثل «Atlantic.com» و«أتلانتيك واير» و«أتلانتيك سيتيز»، وإطلاق «كوارتز» يوم الاثنين الماضي.

شارك برادلي الأمور المالية التي تشير إلى أن عائد ملكيات شركة «أتلانتيك» المتعددة قد تضاعف في السنوات الأربع الأخيرة، من 20 مليونا إلى 40 مليون دولار، وأن الشركة جنت أرباحا للعام الثالث على التوالي. وقال إن عائد المواقع الرقمية يمثل الآن نسبة 65 في المائة من إجمالي عائد الإعلانات (وعلى الرغم من أن شركة «أتلانتيك ميديا» شركة خاصة، فإنني أصدق برادلي، فدائما ما كان أمينا وصادقا في الاعتراف عندما يتكبد خسائر مالية، لذلك ليس لدي مبرر للشك في قوله الآن إنهم يشهدون حالة من الازدهار).

وقال برادلي: «يتضح جليا بالنسبة لي أن الصحافة الرقمية تتفوق على المطبوعة وأن الوسائل الرقمية تتفوق بشكل هائل على المطبوعة».

وفي الوقت الذي ترتكز فيه مؤسسات إعلامية أخرى بقوة على الاشتراكات وحوائط الدفع، يرى سميث أن بإمكان منتج مجاني، يحقق عائدا من جهات الرعاية والأحداث، تجنب الاعتماد على إعلانات السلع واللعب في أرض أكثر نقاء وربحية.

قال: «لا نرغب في أن نكون سلاح بحرية ملكيا. نرغب في أن نكون سفينة قراصنة تهاجم سلاح البحرية الملكي. إنني متشائم من الصحافة المطبوعة، بما فيها صحيفتي. إنه اتجاه صعب التغيير يجب أن يقابل ببعض التغييرات الجذرية».

تمثل «كوارتز» جهود الشركة للاستفادة من بيئة متغيرة، ليس فقط في مجال النشر، ولكن في العالم بشكل عام. يستهدف المنتج التحريري النصف الأمامي من الطائرات التي تعبر من زيوريخ إلى ساو بولو إلى سنغافورة، بحيث تخدم المسؤولين التنفيذيين الذين يجرون المحادثات نفسها بغض النظر عن المكان الذي يحطون فيه. وقد بنيت لأجل الذي ينظر إليها كمنتج متنقل بالنسبة للأفراد المتنقلين. قال سميث: «هذا جمهور عالمي يزيد عدده بسرعة فائقة. حينما تسير عبر مطار آسيوي مكتظ، لا يتحدث أحد عن الاقتصاد الأميركي أو يفكر. لقد أصبح العالم أكبر من ذلك».

يعمل بشركة «كوارتز» 20 صحافيا، من بينهم كيفين ديلاني رئيس تحريرها، وهو المدير العام لصحيفة «وول ستريت جورنال» على الإنترنت، وغيديون ليتشفيلد محرر الأخبار العالمية، الذي كان نائب المحرر الرقمي والمحرر الإعلامي بصحيفة «ذي إكونوميست».

بطبيعة الحال، لن يكون لدى «كوارتز» مصادر البيانات المالية التي لدى «داو جونز» أو «رويترز» أو «بلومبيرغ»، لكن أشار ديلاني إلى أن المشكلة ليست في توفر البيانات، بل في ندرة النظرة المتبصرة للأخبار. وقال: «لأي مدونة أو مجلة جيدة هوس، ونحن سنعمل حول أشكال الهوس التي نعتقد أنها ستثير اهتمام الأشخاص الأذكياء ذوي الذهن المتفتح». وقال إن توفر الطاقة المفاجئ، وثبات أسعار الفائدة، وسلوك المستهلكين الصينيين من المواضيع التي يعود إليها الموقع الإلكتروني المرة تلو الأخرى. لدى «كوارتز» أربع شركات راعية هي «بوينغ» و«كاديلاك» و«شيفرون» و«كريديت سويس»، استحوذت على الموقع حتى نهاية العام الحالي.

الموقع مخصص للهاتف الجوال، مما يعني أن الإعلانات التي تظهر على هيئة شريط لن تكون جزءا من الصورة، وسيتم إدماج المحتوى في الخط التحريري. يحدد موقفك من الأمور الإعلانية الخاصة بالكنيسة والدولة ما إذا كان هذا يعد ابتكارا كبيرا أم توجها مثيرا للقلق. نظرا لأن الدخول على الموقع مجانا، يتوقع داعمو شركة «كوارتز» أن يحظى بأكبر عدد من الزيارات بين مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يوجد نظام في الموقع يمنع إطلاع الزائر على محتوى خاص، وهو طريقة حصول «إكونوميست»، و«FT.com»، و«WSJ.com» على عائدات. وتحد هذه الطريقة في الوقت نفسه من مدى انتشار المعلومات.

هل العالم بحاجة إلى المزيد من الأخبار الخاصة بالأعمال حقا؟ يقول برادلي: «لا يمكن أن يقول لك أحدهم إنه بحاجة إليك. السوق لا تحتاج لما لديك إلى أن يقرروا أنهم بحاجة إليك فعلا». من الصعب تصور برادلي كقرصان رقمي يضع على عينه رقعة، لكن يوضح سميث: «ديفيد شخص طيب القلب وعميق التفكير، وهو جزء من ثقافتنا إلى حد كبير. مع ذلك يتمتع بقدرة تنافسية كبيرة، فهو يريد الفوز».

* خدمة «نيويورك تايمز»