مدير تلفزيون السودان: 2015.. عام تحديد مصير القنوات الفضائية بتقنية الـ«هاي ديفينشن»

إبراهيم الصديق لـ «الشرق الأوسط»: شح المال يهدد استمرارية كثير من القنوات الفضائية في العالم الثالث

إبراهيم الصديق علي مدير عام الفضائية القومية السودانية لـ(«الشرق الأوسط»)
TT

أوضح مدير قناة فضائية رسمية، أنه مع حلول عام 2015 يتحتم على كل القنوات، التي تبث برامجها فضائيا، ضرورة أن تبث برامجها بمستوى ما يسمى الـ«هاي ديفينشن» بمعنى أنها مطالبة بتغيير كل البنيات الأساسية، التي تعمل عليها حاليا، الأمر الذي يحتم ضرورة مواجهة التحدي المقبل، بالتحوط بقدرات بشرية ومالية وتقنية هائلة.

وقال إبراهيم الصديق علي مدير عام الفضائية القومية السودانية لـ«الشرق الأوسط»: «إن الإعلام الفضائي مهدد بخمس تحديات تزداد شراسة مع التسارع التقني والتكنولوجي، تشمل البنية الأساسية التقنية، وحقوق الملكية الفكرية، وبلوغ أعلى درجات المهنية، وضرورة ضبط مستوى التفاعلية، بينما يتمثل التحدي الخامس في شح المال وطريقة التمويل».

وفي حديث مدير التلفزيون الذي خص به «الشرق الأوسط»، على هامش الندوة الإعلامية، التي نظمتها له رابطة الإعلاميين السودانيين بالرياض مؤخرا، أكد أنه مع التطور التقني، نشأت نظرية «الإشباع»، مبينا أن الصين استطاعت أن تشبع الفضاء الصيني بعدد كبير من القنوات؛ حيث توجد بها أكثر من 386 قناة تلفزيونية متخصصة في كل شيء، بدءا من الزراعة والدراما والتعليم والأخبار والاقتصاد والثقافة والسياسة والعلوم والتسويق والإعلان وغيره، مشيرا إلى أن المؤسسات الإعلامية الأميركية اتبعت نظرية «السلسلة» وهي طريقة تتبع تشغيل عدد من القنوات بهدف الاحتكار.

ولفت إلى أنه في عام 1967، قامت دول عد الانحياز، بعمل كتاب تحت عنوان «عالم متعدد بصوت واحد»؛ حيث كان موضوعه معالجة التدفق الكبير للمعلومات غير المتوازن في وسائل الإعلام المختلفة، ذلك أن تلك الوسائل، تضخ معلومات كبيرة جدا عن العالم المتقدم، في حين أنها لا تضخ معلومات مهمة عن العالم الثالث، وذلك فهي تنشر عددا كبيرا من مراسليها في دول العالم المتقدم والعالم، الذي ترتبط به سياسيا واقتصاديا وفق المصالح المشتركة.

وفي بحث أعده في رسالة الماجستير لتوضيح الاستغلال السياسي للإعلام في رسم الصورة الذهنية عن أمر ما في بلد ما، أوضح الصديق أنه لم يكن يجد مثلا كلمة «جنجويد» في عام 2001 في الإنترنت، غير أنه وجدها في 2003 ترددت أكثر 750 مرة في النت، وفي 2004 كان نسبة التكرار لها أكثر من 50 مليون مرة، ومع أنها كانت كلمة لا أصل لها ولكن فجأة أصبحت جزءا من قرارات الأمم المتحدة وهذه تمثل صورة ذهنية استخدمتها جهات لأغراض محددة؛ حيث ركزت على وجود عنصرية بين قبائل دارفور، ومثلها كلمتا «زرقة وعرب».

وأضاف أنه بحث في عام 2004 عن كلمة الإبادة الجماعية، وجد أنها تكررت في وسائل الإعلام، أكثر من 56 مليون مرة بشكل عام، ولكن اقترنت بالسودان بشكل خاص بنسبة تجاوزت الـ10 في المائة منها؛ حيث ترددت أكثر من 8.6 مليون مرة فيما يتعلق بالإبادة في دارفور، أخذت بعدها تكرر بشكل لافت في كل دول العالم، حتى رسمت صورة ذهنية أيضا مخيفة، هدفت لها جهات محددة لتوصيل رسالة محددة لخدمة غرض محدد.

ووفق الصديق كان نصيب السودان من عدد تكرار كلمة الإبادة الجماعية في الوسائل الإعلامية، أكثر من 12 في المائة بهدف التركيز الإعلامي على معلومة معينة بضخها بعدد مهول من التكرار حتى تكون ما يسمى في الإعلام صناعة «الصورة الذهنية»، وهذا يفسر كيف لك أن تربط شخصا معينا في الدولة بأنه قائد للحرب وكيف تربط شخصا معينا بأنه شخص السلام، ليتم اتخاذ قرار محدد تجاه جهة محددة لصالح جهة أخرى.

وعن التحديات أوضح الصديق، أن هناك خمسة تحديات أساسية، يتشارك فيها الإعلام الفضائي السوداني مع أشباهه من دول المنطقة، أولها تحدي البنيات الأساسية وبشكل أدق، البنية التقنية؛ حيث إنه منذ 2015 من المفترض على كل القنوات، التي تبث برامجها فضائيا، لا بد لها أن تبث بمستوى ما يسمى الـ«هاي ديفينشن» بمعنى أنها مطالبة بتغيير كل البنيات الأساسية، التي تعمل عليها الآن، بدءا من الاستديوهات والكاميرات والمنتاج وغيرها مما له صلة بذلك.

وزاد أن التطور الذي تم قبل ستة أعوام في مجال الديجيتال لن يكون بمقداره أن يعمل متوافقا مع مستوى «الهاي ديفنشن»، بعد عامين من الآن، على مستوى اتحاد إذاعات الدول العربية حاليا، إذ لديهم 13 قناة فضائية تبث من خلالها الأولمبياد، منها 11 قناة تعمل بمستوى «هاي دفينشن» وقناتان فقط تعملان بـ«الأمالوق» و«الديجيتال»، وهذا يعني أنه في أعوام قليلة جدا المطلوب إحداث نقلة كبيرة جدا، وتأسيس أقمار صناعية خاصة، لمواجهة عدد من التحديات منها تخصيص منصات بث خاصة، بالإضافة إلى تحدي حقوق الملكية الفكرية خاصة في مسألة الحصرية والاحتكار لبث الكثير من البرامج.

وهناك تحدي تحديد الهوية، ويسمى تحديد الشخصية أو السمة، حتى تتميز كل منها عن الأخريات فيما تمثل المهنية التحدي الثالث في هذه العملية، ويمثل ضبط مستوى التفاعلية تحديا رابعا، بينما يعتبر التحدي الخامس هو تحدي الموارد والتمويل؛ حيث يبقى الإعلان أحد أهم مصادر المال غير أن سوق الإعلان في كثير من دول العالم الثالث محدود، ولذلك فإن شح المال يهدد استمرارية كثير من القنوات الخاصة تحديدا.

وفي اعتقاده أن أحد أهم التحديات التقنية تكمن في كيفية توفير قدرة من مستوى محدد من التفاعلية، ففي حالة التعامل مع «الهاي ديفينشن»، فإنه يمكن تفعيل كل هذه العناصر وتنظيمها بكفاءة وجودة عاليتين، فمثلا أيام انفجار هيروشيما اليابانية؛ حيث كان اليابانيون يقومون بإرسال رسائل محددة لمناطق محددة لأن سعتهم تتحمل أكثر من «تانيل» ولكن اليابانيين كان بمقدورهم إرسال من 20 إلى 30 رسالة في وقت واحد لمنطقة محددة فحواها مثلا أن هذه المنطقة تتعرض لمستوى إشعاع بمقدار معين، ولكن بالنسبة للدول العربية فإنها تعاني ندرة في ذلك؛ لأنه لدي غالبيتها اليوم «تانيل» واحد يتحمل سعة تلفزيون فقط.

ونوه إلى الأثر السلبي للنقلة السريعة التي حصلت في التقنية؛ لأنها تتصل بشكل مباشر بالموروث التاريخي والتوثيقي، مبينا أن نقلات التقنيات العالية خلقت مشكلة في المد التاريخي، والذي هو جزء من الأرشيف، «حيث أصبحت لدينا كميات كبيرة من مواد الأرشيف خارج دائرة الاستخدام، مع أنها تشكل جزءا مهما جدا من تاريخ السودان والجزء الموجود منه حاليا جزء قديم تحول إلى (يوماتك) وإلى (ديجيتال) وإلى (إتش دي)».

وقال: «هناك جزء مهم جدا وكبير جدا في شكل (ون إنش) و(تو إنش) و(يوماتك) والأخيرة يختلف كليا ومستقبلا سيفقد أهميته ويضيع ما به من مواد مهمة من التاريخ والموروث والتوثيق، ذلك لأنها تحتاج لعملية معالجات، والمشكلة تكمن في أن المصانع، التي كانت تصنع هذه القنوات وأدوات البث انقطعت وتعطلت تماما عن العمل، بل بعضها غيرت اتجاه إنتاجها، ولذلك إذا احتجت لـ(ون انش) لن تجده إذا طلبت تصنيعه من جديد، غير أن ذلك قد لا يتيسر لأن أدوات إنتاجه نفسها لم يعد لها أي وجود، وبالتالي تبقى العملية برمتها صعبة».

ويعتقد الصديق أن غالبية الدول العربية وقعت في هذا الفخ التقني، فالقنوات التي عملت الأرشفة في الدول العربية بسيطة، ولذلك فإن هذا التحدي لا يزال قائما، ذلك لأن انتقال المواد من أدوات الحفظ القديمة إلى الأدوات الحديثة، «فنحن لأجل تقنين أرشيفنا في السودان، نحتاج لـ25 مليون دولار، عموما هناك دول عجزت عن أن تقوم بتحويل أرشيفها، في الوقت الذي استطاعت فيه قلة قليلة منها في تقنين أرشيفها، ومنها السعودية والكويت والمغرب».