أوروبا تطلب من «غوغل» مزيدا من الشفافية بشأن جمع البيانات

وسط نزاعات قانونية بسبب قضايا منع الاحتكار

TT

أعلن مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن جهود «غوغل» في تعقب المستخدمين من خلال خدماتها، كـ«يوتيوب» و«جي ميل» لا تتوافق ومعايير الاتحاد للسرية، وهو ما يشكل أحدث التحديات التنظيمية أمام عملاق التكنولوجيا الأميركية.

وقد طالبت الرسالة، التي وقع عليها منظمون من أكثر من 20 دولة، «غوغل» بتزويد المستخدمين بمزيد من الملاحظات بشأن كيفية جمع بياناتهم والسعي للحصول على الموافقة في بعض الحالات، بحسب بعض الأفراد الذين رأوا الخطاب.

وكانت الشركة قد مزجت سياسات الخصوصية لأكثر من 60 من خدماتها هذا العام، وهو ما جعل من السهولة بمكان تعقب سلوك المستهلكين، لكنه يثير مخاوف من أنه يكدس الكثير من المعلومات الشخصية.

تأتي هذه الخطوة في وقت يستعد فيه المنظمون في الولايات المتحدة وأوروبا لإمكانية رفع دعاوى قضائية بانتهاك مكافحة الاحتكار ضد الشركة. في الوقت ذاته، تصر شركات منافسة مثل «أبل» على انتهاك كثير من الشركات مصنعة الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل «أندرويد» الذي تقدمه «غوغل» براءات اختراعها.

وتشكل هذه القضايا القانونية تهديدا لنمو واحدة من أضخم الشركات الناجحة عالميا، التي تجاوزت «مايكروسوفت» هذا الشهر كثاني أعلى شركة تكنولوجية قيمة خلف «أبل»، حيث ارتفع سهم غوغل 30 في المائة في يوليو (تموز)، لكنها تعثرت خلال الأيام الأخيرة.

وقال داني سوليفان، رئيس تحرير موقع «سيرش إنجن لاند»، الذي يتابع محركات بحث الشركات: «لم يشهدوا مثل هذا الرقابة الحكومية عليهم. فهي شركات ضخمة، وكثير من الناس يبدون قلقا بشأن الأمور التي تتضخم ولا يمكن وقفها».

وقد زاد المنظمون من الرقابة على «غوغل» مع انتقال الشركة إلى ما وراء عملها الجوهري كمحرك بحث والتجارة إلكترونية والاتصالات والإعلام الاجتماعي والفيديوهات على الإنترنت وأكثر. وقد شكا عدد متزايد من المتنافسين المتضررين للمسؤولين الحكوميين، من نفس الممارسات الاحتكارية التي قامت بها «مايكروسوفت» في التسعينات، وتأسيس ما تبين أنه نهاية ملحمة بين الحكومة الأميركية والشركة.

تركز هذه القضية وأخرى مشابهة في أوروبا على المزاعم بأن «مايكروسوفت» استخدمت هيمنة نظام تشغيلها لصالح منتجات أخرى، مثل محرك بحث الإنترنت «أكسبلورر». تتشابه مزاعم مكافحة الاحتكار ضد «غوغل» مع القضية التي رفعت ضد «مايكروسوفت»، حيث يتهم المنافسون الشركة باستخدام هيمنتها على محرك البحث لمساعدة أنشطتها في التجارة الإلكترونية والسفر والأعمال الأخرى.

وقال غاري ريباك، محام بوادي السليكون، الذي كان ممثلا لمنافس رئيسي لـ«مايكروسوفت» في التسعينات، ويمثل منافسي «غوغل» الرئيسيين: «إنهم يحاولون بناء خندق مائي حول القلعة ووضع التماسيح فيه».

وقد رفض مسؤولو «غوغل» التعليق على قضية الخصوصية في أوروبا أو تحقيقات مكافحة الاحتكار، لكن مسؤولي الشركة أعربوا عن رغبتهم في تجنب النزاعات القانونية والمكلفة كتلك التي خاضتها «مايكروسوفت».

وقال المدير التنفيذي إريك شميدت في شهادته أمام مجلس النواب العام الماضي: «قبل عشرين عاما، كانت شركة تكنولوجية كبرى تحتكر العالم. وكانت برامجها في كل حاسب تقريبا. وكان اسمها مرادفا للابتكار. لكن تلك الشركة فقدت الرؤية، وهو ما دفع واشنطن إلى التحرك».

وقال: «خلال السنوات التي تلت ذلك، استوعب كثير منا في وادي السليكون دروس تلك الحقبة».

ولاحقت مخاوف الخصوصية «غوغل» وشركات الإنترنت الأخرى لسنوات، خاصة مع انتقالهم إلى أوروبا، حيث القوانين أكثر صرامة. فبرنامج «ستريت فيو» لـ«غوغل»، الذي تزود فيه السيارات بكاميرات تلتقط الصور للشوارع، أثار الغضب في ألمانيا وبعض الدول الأخرى. وتزايدت حدة الشقاق عندما كشفت التحقيقات أن السيارات جمعت أيضا معلومات شخصية من إشارات «واي فاي» غير محمية، وقالت الشركة إن ذلك كان خطأ، وقدمت اعتذارا عن ذلك.

وقالت «غوغل» إن التغييرات في سياسة خصوصيتها كانت بسيطة وذات قواعد موحدة في كل منتجاتها، مثل «جي ميل» و«يوتيوب» ومحرك بحث «غوغل كروم». لكن منظمة مراقبة المستهلك شكت من أنها سمحت بتعقب المستهلكين عندما اشتركوا في خدمة «غوغل». وتشير الشركة إلى أن مثل هذا التعقب سمح لها بوضع المزيد من الإعلانات ذات الارتباط، فالزائر إلى مواقع الغولف، على سبيل المثال، قد يشاهد إعلانات للكرات، والأندية والمنتجعات التي يوجد بها الغولف. بيد أن المدافعين عن السرية حذروا من حجم ودقة المعلومات التي تجمعها «غوغل» بشأن الأفراد حول العالم. وقد أجرى المنظمون الأوروبيون، يقودهم في ذلك هيئة حماية المعلومات الفرنسية، تحقيقا في شهر فبراير (شباط) ومن المتوقع أن تنشر الرسالة يوم الثلاثاء، وتقدم التفاصيل التي كانت وكالة «رويترز» أول من نشرها كثيرا من الإجراءات المتوقعة التي يمكن أن تحقق سياسة السرية، بحسب أفراد مطلعين على القضية تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم لأنهم غير مصرح لهم بالإدلاء بالتصريحات قبل البيان الرسمي. ولا يتوقع أن تتسبب القضية في حدوث تأثير مباشر على المستخدمين خارج أوروبا، على الرغم من إمكانية مطالبة المنظمين في أماكن أخرى من العالم «غوغل» بالقيام بتغيرات مماثلة، وقد عبر المنظمون الأميركيون عن قلقهم إزاء سياسة الشركة.

لكن التوصل إلى حل لقضايا منع الاحتكار ربما يكون أكثر صعوبة، حيث تجري «غوغل» مفاوضات مع مسؤول مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي خواكين ألمونيا منذ عدة أشهر.

وقدم ألمونيا تفاصيل بشأن 4 مجالات ممكنة للانتهاكات، تشكل أخطر المزاعم بأن «غوغل» تنظم نتائج البحث بصورة تبرز عروضها الخاصة وتعاقب الخصوم.

في هذه الأثناء، بعث العاملون في لجنة التجارة الفيدرالية مسودة توصيات بشأن الدعاوى القانونية المحتملة ضد انتهاك «غوغل» مكافحة الاحتكار المزعوم. تشمل الرسالة أدلة مثل رسالة بريد إلكتروني داخلية للشركة، بحسب شخص مطلع على التحقيق الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه. وقد رفضت لجنة التجارة الفيدرالية بشأن القضية.

ويشير كثير من الأشخاص المطلعين على أفكار المفوضين إن غالبية اللجنة، بما في ذلك جون ليبوويتز يبدون مخاوف واضحة بشأن سلوك «غوغل». ويتوقع أن تصدر قرارها قبل نهاية العام، على الرغم من توقع عدد محدود من المراقبين اتخاذ إجراء واضح قبل الانتخابات الرئاسية.

وقد لقيت تحقيقات مكافحة الاحتكار اهتماما سياسيا، فبعث عضو الكونغرس، جاريد بوليس (العضو الجمهوري عن ولاية كولورادو)، الذي عمل من قبل في صناعة التكنولوجيا، برسالة إلى ليبوويتز يحاول فيها إثناء لجنة التجارة الفيدرالية عن مقاضاة «غوغل»، على أساس أن السوق لا تزال مفتوحة أمام المنافسين.

ويقول بوليس في مقابلة معه: «هذه سوق حيوية، لا تزال المنافسة قائمة فيها، فقادة اليوم ربما يكونون خاسري الغد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»