المراقب الصحافي: مستقبل المملكة المتحدة

TT

ليست المواضيع العربية فقط ما يهم القارئ، بل هناك أخبار وتحليلات عميقة تأتي إلينا من مراسلي هذه الصحيفة في بلدان متقدمة لتعطي القارئ العربي ومتخذ القرار أبعادا وأفكارا جديدة يمكن أن تساعده في حل مشكلاته السياسية والاقتصادية وغيرها. وما تقرير «بريطانيا.. على مفترق طرق» المنشور الجمعة الماضي إلا مثالا عمليا على ذلك.

فهذا التقرير، المنشور على مساحة صفحة كاملة، سلط الضوء على كيفية التعامل الحضاري للمملكة المتحدة مع طلب اسكتلندا وهو إجراء استفتاء وطني في عام 2014 للاستقلال عن المملكة وذلك بعد اتحاد دام نحو 300 عام. وإذا أيد الاسكتلنديون الانفصال فإن ذلك سيكون بداية تفكك المملكة المتحدة وربما يفتح الأمر المجال أمام أقاليم أخرى لأن تحذو حذو اسكتلندا.

ما يهمنا في هذا الموضوع هو كيفية تصرف هذه الدول عندما تريد أن تحل مشكلاتها بعيدا عن التهديد والوعيد والقيل والقال وحشد الجيوش، فعلى الرغم من أن البريطاني ديفيد كاميرون أعلن صراحة بقوله «أريد أن أكون رئيس الوزراء الذي حافظ على وحدة المملكة المتحدة» إلا أن حكومته بعد مشاورات كثيرة مع الجانب الاسكتلندي قد قبلت بخيار حزب الأغلبية الذي انتخبه الشعب الاسكتلندي وهم يعلمون أنه يميل نحو الاستقلال.

وما يستحق الاهتمام بالنسبة لي كقارئ عربي هو أن هذا الانفصال يأتي بعد أن ضخت المملكة المتحدة نحو 187 مليار جنيه في اسكتلندا وهو ما يفوق الدخل القومي الاسكتلندي (122 مليار جنيه). فضلا عن أن هذا الانفصال قد يفتح الباب أمام مشكلات قانونية كآبار النفط، إلا أن الطرفين اختارا الأسلوب الحضاري في حل الخلافات بكل هدوء ومسؤولية، بل وذكاء حيث توجه رئيس الوزراء بعد توقيعه مباشرة على الاتفاق إلى ميناء لبناء السفن الحربية في اسكتلندا حيث يجري بناء حاملة طائرات بريطانية جديدة لصالح سلاح الجو الملكي وهو ما اعتبره مراقبون بأنه إشارة غير مباشرة إلى التذكير بأهمية الاتحاد بين لندن وأدنبرة في قضايا الدفاع.

ما نريد قوله إن إبراز مواضيع كهذه وتحديدا الخلافية يضع القارئ العربي أمام صورة عملية لكيفية تعامل الغرب مع مشكلاتهم. ومن المهم ألا يكتفي المحررون في هذه الصحيفة في نشر أخبار وكالات الأنباء، بل يفضل أن يتعمقوا قليلا في الخبر مثلما فعلوا في موضوع المملكة المتحدة، وحبذا لو يتم تسليط الضوء مستقبلا على جوانب أخرى في القضايا الغربية ذات صلة باهتمامات العرب وبلدانهم. وهذا الأمر لا يقتصر على المواضيع السياسية فقط، بل هناك ما هو مهم أيضا كالمواضيع التعليمية والصحية والاقتصادية والتنموية التي نتوقع من صحيفة مقرها الرئيسي في قلب العالم المتحضر أن تتحفنا بها بين حين وآخر.