«إن آر تي» أول تلفزيون كردي مستقل يستقطب مشاهديه بكشف الحقيقة

شاسوار عبد الواحد لـ «الشرق الأوسط»: سر نجاحنا أننا ننحاز للحقيقة وليس للأحزاب السياسية

شاسوار عبد الواحد وخلفه تبدو بناية محطة «إن آر تي» بمدينة السليمانية («الشرق الأوسط»)
TT

عندما بدأ تلفزيون «إن آر تي (راديو وتلفزيون ناليا)»، البث من مدينة السليمانية باللغة الكردية، بوصفه أول قناة فضائية مستقلة وغير تابعة لحزب سياسي أو لحكومة إقليم كردستان العراق، انتبه إليه جمهور المتلقين الاعتياديين والسياسيين لأنه انطلق في الفضاء محلقا عكس السرب الإعلامي العراقي، الكردي والعربي، ومغردا على نغمة جديدة اعتبرها الآخرون «شاذة» عن إيقاع تغريدهم الإعلامي، لهذا التهمته النيران بعد ثلاثة أيام من البث التجريبي وبعد أن بث 15 ساعة فقط وذلك في تمام الثانية من فجر 20 فبراير (شباط) 2011.

إلا أن صاحب القناة، رجل الأعمال الشاب شاسوار عبد الواحد (34 عاما) لم يشكل له حادث الحريق الذي يقول عنه «إنه متعمد» صدمة قد توقفه عن مواصلة مشواره، بل أصر على «بناء المحطة ثانية لنعاود البث بعد 60 يوما بالضبط وبالتزامن مع يوم الصحافة الكردية، من حادث الحريق، وبواقع 18 ساعة يوميا»، مشيرا إلى أن «البناية كانت قد تحطمت تماما ومعها أجهزة ثلاث محطات تلفزيونية هي (الإخبارية) و(المنوعات) وقناة تبث (الأفلام) مع ترجمة باللغتين العربية والكردية، وإذاعة (ناليا إف إم) وصحيفة (ناليا سبورت) الرياضية، وكلفتني خسائر تقدر بأكثر من عشرة ملايين دولار».

اليوم يبدو عبد الواحد أكثر ثقة وتفاؤلا باختياراته، مشددا على «تصميمنا على أن نمضي في تقديم إعلام مستقل ويعتمد الحقائق»، قائلا لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في مكتبه المطل على بناية «إن آر تي» في مدينة السليمانية: «نحن نجحنا بمشروعنا الإعلامي وتفوقنا على بقية القنوات لأنني ببساطة لست حزبيا ولا منتميا لأي حزب، ولم يكن والدي أو أي من عائلتي أعضاء في أي حزب سياسي، وليس عندي أي طموح سياسي، ولسنا منحازين إلى أية جهة سوى للحقيقة»، كاشفا عن أن «مؤسستنا ستطلق اعتبارا من بداية العام المقبل تلفزيون (إن آر تي منوعات)».

وعمن يدعم قناته الفضائية، يبتسم شاسوار ويقول: «هذا السؤال غالبا ما يوجه لي، ومنذ أول يوم بدأت فيه مشروعي العقاري لبناء مجمع سكني في السليمانية والآخرون يسألونني حول من يدعمني، ولا أعرف لماذا يتصور الناس أن أي شخص لا يمكن أن ينجح في مشاريعه إلا وكان خلفه دعم من شخصية سياسية أو حكومية»، مضيفا: «ممكن أن يوجه السؤال: (من أين لك هذا) لعضو متنفذ في حزب سياسي أو قريب له، أو في الحكومة، ولا يوجه لابن مواطن كاسب، ولا أعرف مغزى هذا السؤال، أنا مواطن عادي عمري 34 سنة، درست الهندسة في ألمانيا وعملت مع شركات عقارية منذ وقت مبكر واكتسبت خبرات جيدة وهناك الملايين غيري هنا في إقليم كردستان بإمكان أي واحد منهم أن يقدم على إنجاز مشاريعه الخاصة»، وأوضح: «أنا لست بحاجة لدعم مادي أو سياسي، عندي شركة عقارات وتطوير سياحي وأكبر شركة إعلامية في إقليم كردستان، وهناك ما يقرب من 6 آلاف شخص يعملون في مؤسساتي، كما أن الإعلانات التجارية سواء كانت عن شركاتنا أو الشركات الأخرى تغطي أكثر من 50 في المائة من تكاليف المحطة التي عدد العاملين فيها لا يتجاوز الـ140 متخصصا ومن ذوي الكفاءات المتطورة».

وتساءل: «لماذا لا يستفيدون من تجربتي الناجحة بدلا عن شغل أنفسهم بالبحث عمن يدعمني أو عن مصدر نجاحي؟ بدلا من تبرير عدم نجاحهم وإسناد التهم لي بأني مع هذا السياسي في الحكومة إذا قدمنا خبرا عنه، بعدها عندما نبث خبرا للمعارضة أتهم بأنني مع المعارضة ضد الحكومة، وفي كل مرة اتهام جديد.. والحمد لله، برهن حادث إحراق المحطة على أنه ليس هناك من يقف ورائي أو يدعمني، ولو كان هناك مثل هذا الشخص لدافع عن المحطة.. والحمد لله، الآن لا يوجد أحد راض عني؛ لا أحزاب السلطة، ولا أحزاب المعارضة، وهذا ما أريده أنا».

ولكن لماذا يتجه رجل أعمال مهتم بالعقارات إلى شغل نفسه بالإعلام؟ يجيب: «منذ عام 2000 وعندما كنت طالبا في الجامعة كنت أصدر جريدة (الدراسة الليبرالية) باللغة الكردية، وكنا نمولها من جيوبنا ولم يدعمنا أحد، ثم إن غالبية من رجال الأعمال في العالم يضعون الإعلام ضمن مشاريعهم بصفته استثمارا أو اهتماما شخصيا، وأنا لا أريد أن أكون مستهلكا أو مجرد متلق للإعلام؛ بل منتجا ومساهما إيجابيا فيه، وأسهم من خلاله في خدمة شعبي وإقليم كردستان، نعم أعرف أنها مغامرة، وكل إنسان يريد أن يحقق ما يطمح إليه، وطموحي هي خدمة الإقليم وزياد وعي الناس عن طريق الإعلام».

وكشف شاسوار أن «اليوم هناك 95 في المائة من الإعلام الموجود في إقليم كردستان العراق تابع للأحزاب السياسية، و5 في المائة إعلام حر أو مستقل، هذا الإعلام الحزبي لم يستطع خدمة الجمهور الكردي، وهو ينقل الحدث أو يبث برامجه مثلما يريد الحزب وحسب توجهات هذا الحزب أو ذاك، وهذا يؤثر سلبيا على جمهور المتلقين لما للإعلام من تأثير مباشر، واليوم هناك ضرورة لأن يكون هناك إعلام مستقل هدفه نقل الحقائق من دون انحياز لهذه الجهة أو تلك».

وحول تأثير الإعلام في المتلقين، يقول عبد الواحد: «أنا أعرف أهمية الإعلام باعتباره السلطة الرابعة، ويمكن أن يؤثر إيجابا في المتلقي، كما أنه على العكس من ذلك؛ يمكن أن يؤثر فيهم سلبا، ووجدت أنه ليس هناك قنوات فضائية أو إذاعية مستقلة في الإقليم، فاخترت أن أكون البادئ بمثل هذا المشروع»، منبها إلى أنه «من الصعب أن تكون عندك قناة إعلامية مستقلة هنا، ولكن من السهل أن تنجح هذه القناة إذا توفرت لها ظروف الاستقرار، والأمر لا يتطلب أكثر من أن تبث الحقائق من دون زيادة أو نقصان.. نريد أن يكون هنا إعلام مستقل ومحايد تماما وغير منحاز لأية جهة سوى الحقيقة، ما نعمل من أجله هو أن يشاهد المسؤول في أي حزب أو حكومة سواء في السلطة أو المعارضة قناتنا ولا يتصورها ضده أو معه؛ بل مع الحقيقة، وأن يتحقق بالفعل مبدأ (الرأي والرأي المقابل) الذي لا نجده في الإعلام الحزبي في إقليم كردستان، بينما نجمع نحن في الاستوديو وعلى الهواء مباشرة أعضاء في أحزاب السلطة والمعارضة والمستقلين، وسياستنا هي أن نعطي المساحات للجميع لتقول ما تؤمن به لأن التعبير عن الرأي حرية تكفلها بنود حقوق الإنسان».

وعن أسلوب عملهم في تلفزيون «إن آر تي»، يقول عبد الواحد: «أنا أؤمن بأن مهمة الإعلام هي إظهار الحقائق، من خلال الخبر، للمتلقي، وتسليط الضوء على المواقع المظلمة سواء كان هذا الخبر مع الحكومة أو ضدها، أو مع المعارضة أو ضدها، مصلحتي بصفتي إعلاميا أن أكون دائما مع المصداقية، ولا أريد أن ترضى عني الحكومة أو المعارضة.. أعني كأحزاب، بل أريد أن يرضى عني المشاهد، الجمهور الذي هو صاحب المصلحة الحقيقية في نشر الحقيقة»، مشيرا إلى أنه «لم تجرَ حتى الآن استطلاعات رأي أكاديمية حول نسبة مشاهدة أي قناة هنا في الإقليم، لكن منظمات المجتمع المدني أجرت مثل هذه الاستطلاعات التي وضعت قناتنا في المقدمة، وقالت إن هناك ما نسبته 80 في المائة من المشاهدين يتابعون (إن آر تي)، وهذا يضعنا في موقع المسؤولية، ويجعلنا أكثر التزاما بثوابتنا، وليس غريبا أن تصل إلينا اتصالات من أصدقاء لنا في أحزاب السلطة والمعارضة تثني على نهجنا وبرامجنا، هذا بالإضافة إلى رأي الشارع الكردي الداعم لنا باستمرار».