خبر صحافي يعيد صحيفة بنغلاديشية أسبوعية إلى دائرة الضوء

رئيس تحرير «بليتز»: لا نعتمد على الإشاعات ومصادرنا موثوق بها.. وهذا سبب عدم تكذيب الخبر

TT

قليلون هم من يقرأون صحيفة «بليتز» الأسبوعية داخل بنغلاديش، وأقل منهم من يسمعون بوجودها خارج البلاد. كان هذا هو الوضع منذ فترة طويلة ولكنه تغير تماما بعدما قامت الصحيفة بنشر خبر مفاده أن وزيرة الخارجية الباكستانية هينا خار، تلك السيدة الفاتنة التي دائما ما نراها ترتدي «الشادور»، والتي تبلغ من العمر 34 عاما، كانت على علاقة عاطفية مع بيلاوال بوتو زارداري، رئيس حزب الشعب الباكستاني ونجل الرئيس آصف علي زارداري، الذي يصغرها بـ10 سنوات كاملة.

وقد أثار هذا الخبر ضجة كبيرة، ليس في شبه الجزيرة الهندية فحسب، ولكن خارجها أيضا، لأنه يتناول شخصيات تحظى بمكانة دولية كبيرة، فمن المنتظر أن يلعب بيلاوال دورا حاسما في السياسة الباكستانية، نظرا لعامل الوراثة في أنظمة الحكم في جنوب آسيا، لا لشيء إلا لأنه قد أضاف لاسمه اسم «بوتو» بعد وفاة والدته بينظير بوتو عقب اغتيالها في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2007، ولأنه نجل الرئيس الباكستاني.

أما هينا رباني خار فتنحدر من أسرة إقطاعية عريقة، وهي ابنة السياسي نور رباني خار وابنة أخ السياسي غولام مصطفى خار، الحاكم السابق لولاية البنجاب. وكان بيلاوال وهينا قد سافرا في كثير من الرحلات سويا كجزء من الوفود الرسمية.

وعقب نشر هذا الخبر، ابتسم صلاح الدين شعيب شودري (46 عاما)، وهو ناشر ورئيس تحرير الصحيفة، وقال في محادثة هاتفية من بنغلاديش: «نحن، كصحافيين، نكون سعداء للغاية عندما يقرأ الناس أخبارنا. يتمثل هدفنا الرئيسي في إطلاع القراء على التطورات والأحداث المثيرة. ولو نجح أحد الأخبار التي ننشرها في إثارة ضجة كبيرة بسبب قيمته الإخبارية، فإننا نؤمن حينئذ بنجاح فريق العمل بالكامل».

وفي الوقت الحالي، نجد أن شودري مشغول للغاية في عد زائري الموقع الذين ارتفع عددهم من 150000 زائر في اليوم إلى 2.5 مليون زائر في غضون 3 أسابيع فقط، حيث يقوم آلاف المستخدمين بإرسال الأخبار إلى أصدقائهم عبر «تويتر». وبالنسبة لصحيفة لا توزع إلا عددا قليلا للغاية من أعدادها المطبوعة، التي تجد صعوبة كبيرة في تسويق نفسها حتى في عاصمة بنغلاديش، دكا، التي تطبع منها، كان هذا الخبر بمثابة نقلة كبيرة لها على المستوى العالمي، أو على الأقل في جنوب آسيا.

أما بالنسبة لهذا الخبر، فقد كتبه شودري تحت اسم مستعار هو بريتا ميمون، وحمل صورا لبيلاوال مع سيدة غير معروفة. وقال رئيس التحرير إن هذه الصورة ليست لوزيرة الخارجية، وترك هوية تلك الصورة لخيال القارئ.

وعندما سئل عن هدفه من نشر هذا الخبر، قال شودري: «كنت أريد فقط أن أقول للقارئ إن هينا وبيلاوال بشر أيضا. ربما يكونان شخصيات مرموقة في المجتمع، ولكنهما من الداخل مثل أي شخص عادي لديه شعور ويبحث عن رفيق جيد له. لم يكن هدفنا هو إثارة حالة من الجدل، ولكنه الخبر أثار حالة كبيرة من الجدل لأنه يدور حول اثنين من الشخصيات الهامة».

وأكد شودري أن هذا الخبر لم يكن يهدف إلى التسويق للصحيفة، ولكنه كان جزءا من التزام الصحيفة بعملها تجاه القراء، الذي يتمثل في إزاحة الستار عن أسرار ونفاق أصحاب المناصب الرفيعة.

وأشار شودري إلى أن هذا الخبر لا يعد بمثابة إشاعة لإحداث حالة من الإثارة ولكنه قائم على حقائق، مضيفا: «نحن، في بليتز، لا نعتمد على الإشاعات والحديث عن الأسرار الشخصية، ولكن جميع أخبارنا تكون قائمة على الحقائق، ولدينا مصادر موثوق بها، فيما يتعلق بهذا الخبر أيضا».

وأضاف شودري أن هذا هو السبب في عدم خروج أي شخص ليكذب هذا الخبر.

وكانت إحدى الصحف البريطانية قد أشارت إلى أن صحيفة «بليتز» قد علمت بذلك الخبر من وكالة الاستخبارات الباكستانية، ولكن شودري نفى ذلك تماما، وقال: «وكالة الاستخبارات الباكستانية ليست هي مصدر الخبر، ولكن لا يمكنني أن أخبرك بالمصدر الحقيقي. لو كانت وكالة الاستخبارات الباكستانية تريد نشر هذا الخبر، لما كانت لجأت إلينا من الأساس، ولكانت كشفت عنه لكثير من الصحف الأخرى في بنغلاديش، التي تعزز وجهات نظرها».

من جهتها، نفت وكالة الاستخبارات الباكستانية ضلوعها في أي خبر يتعلق بخار أو بيلاوال. وقال شودري: «لماذا أثيرت تلك الأخبار الكبرى في بنغلاديش وليس في باكستان؟! أتمنى أن ننشر أخبارا أخرى حول الحزب الحاكم والنخبة السياسية في باكستان من خلال الصحافة الباكستانية. في الحقيقة، أشار أصدقاؤنا من الصحافيين الباكستانيين إلى أنهم سوف يكشفون النقاب عن بعض الأخبار الحساسة التي تتعلق بالنخبة الحاكمة، ولكن هناك قلق من رد فعل الحكومة على ذلك، وهذا هو السبب الذي يجعل وسائل الإعلام الباكستانية تتسم (بحذر شديد). ويعلم أصدقاؤنا وخصومنا على حد سواء أن صحيفة (بليتز) لديها من الشجاعة ما يمكنها من نشر الأخبار التي لا تستطيع كثير من الصحف الأخرى نشرها».

وقد أعاد هذا الخبر صحيفة «بليتز» الأسبوعية إلى دائرة الضوء مرة أخرى. ربما لن يغير نشر هذا الخبر على «تويتر» من حظوظ الصحافية بشكل كبير، ولكن شودري يؤكد على أنه «من المهم أن نرفع صوتنا».

ومنذ ذلك الحين، تركز الصحيفة على كل منعطف من منعطفات هذا الحدث، فقد نشرت الصحيفة خبرا عن «الحرب الباردة» بين بيلاوال ووالده في القصر الرئاسي في إسلام آباد وكيف أصبح مستقبل هينا وبيلاوال في مهب الريح، كما نشرت الصحيفة خبرا آخر مفاده أن رجال الدين المسلمين في بنغلاديش يطالبون برجم خار وبوتو.

وحاول مقال آخر عقد مقارنة بين المواعيد الغرامية بين خار وبوتو وما كان يحدث بين رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو وإدوينا مونتباتن في الهند. وفي مقابلة عبر الهاتف، وعد شودري بنشر المزيد من الأخبار المثيرة، قائلا: «لم ننشر إلا القليل، وهناك المزيد من الأخبار خلال المرحلة المقبلة».

ويقول شودري: «لم نكن نرغب في نشر كل الأدلة مرة واحدة، كانت هناك أدلة صوتية ومقاطع فيديو تعزز من موقفنا».

وفاضت مواقع الإنترنت بالآراء والتعليقات، وجذب الخبر تعليقات من القاصي والداني تنوعت ما بين عدم التصديق إلى اللامبالاة إلى دعم هذه العلاقة. وعلى الرغم من اعتقاد البعض أن الصحافة الصفراء في أسوأ حالاتها وأن القصة لم تكن أكثر من خيال صحافي، فقد زعم آخرون أنها قصة مختلقة لإظهار خار بمظهر سيئ. ويقول أحد القراء الذي اعتقد خاطئا أن الكاتب كان هنديا: «إن المراسل يدس أنفه فيما لا يعنيه».

ويرأس شودري، الذي يحمل دراسات عليا في الصحافة من جامعة لندن، مكتب وكالة الأنباء الروسية في بنغلاديش. كان ذلك عندما دشن شودري صحيفة «ويكلي بليتز». ويقول شودري إن صحيفة «التابلويد» بدأت كمنصة لمحاربة الجهادية وتوثيق نهضة التمرد المسلح في بنغلاديش. وقد أدانت تنامي الفكر القتالي في المدارس الدينية في بنغلاديش، مما أثار كثيرا من الانتباه بين القوى في البلاد.

وعلى الرغم الإقبال الكبير الذي حظيت به الصحيفة، فإنها لا تزال تصارع من أجل الحصول على المال. وعلى الرغم من انطلاقها قبل 3 سنوات يقول شودري إن الإعلانات قليلة ومتباعدة. ويعتبر شودري في الأوساط الصحافية في دكا الرجل الذي يهوى نشر الأخبار التي تثير ضجة.

كتب شودري عددا من الكتب باللغتين البنغالية والإنجليزية، ونشر أحدث كتبه «الظلم والجهاد» في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، وكان هذا أول كتاب لصحافي بنغلاديشي معاصر يترجم إلى اللغة الإيطالية. وقد منحته مؤسسة «بين يو إس إيه» جائزة حرية الكتابة في عام 2005، اعترافا بفضله في الصحافة الشجاعة في ظل خصومة قوية للغاية. كما منحه الأمير ألبرت أمير موناكو جائزة إعلام موناكو عام 2007 لشجاعته البارزة والتزامه بمواجهة ثقافة الكراهية الدينية. لكن شودري اعتقل في عام 2003 بعد شهور من تدشين الصحيفة.

وعلى الرغم من إطلاق سراح شودري بكفالة بعد عام، وأسقطت عنه تهم التحريض على الفتنة، بينما استمرت الاتهامات الأخرى. ويقول شودري الحكومة الحالية حكومة علمانية، لكنها لم تسقط التهم، لأنها تخشى خسارة بنك الأصوات. وقد تعرض شودري لاعتداءات بدنية 3 مرات، واختطف مرة في بنغلاديش لآرائه المناهضة للجهاديين. وتنشر مقالات في كثير من الصحف الدولية بصورة منتظمة.

وعندما نشرت صحيفة «ويكلي بلتز» الخبر، كانت وزيرة الخارجية تحضر الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولم تعلق على هذه المزاعم، وهو ما جعل صمتها يزيد من التكهنات. بيد أن زوج خار، رجل الأعمال الثري فيروزي غولار، انتقد التقرير واصفا إياه بـ«المستهجن».

في هذه الأثناء، قالت التقارير الإعلامية إنه في أعقاب الكشف عن العلاقة الغرامية السرية بين هينا وبيلاوال، تقدمت وزيرة الخارجية الشابة والفاتنة استقالتها لرئيس الجمهورية، وعللتها بأسباب شخصية خالصة. تقدمت هينا بخطاب الاستقالة الأسبوع الماضي، حيث مارس الرئيس الباكستاني ضغوطا عليها لإنكار العلاقة الغرامية مع بيلاوال بوتو زارداري.

وقال الرئيس لوزيرة الخارجية إن الفضيحة الغرامية ستضع الحزب الحاكم في مأزق خطير خلال الانتخابات العامة المقبلة، حيث ستستغل المعارضة هذه الصورة لتشويه صورة الحزب إضافة إلى صورة عائلة زرداري وبوتو. رفضت هينا طلب الرئيس بنفي المزاعم في مؤتمر صحافي، حيث أكدت على أن عقد مثل هذا المؤتمر الصحافي سيتسبب في حدوث مزيد من التعقيدات وقد تتسبب في زيادة انتشار الشائعة.

وذكرت الرئيس أيضا أن خلفية عائلتها لا تسمح لها بعقد مؤتمر صحافي لمناقشة أي قضية شخصية. وعندما استشعر زرداري بعزم هينا خار على عدم التراجع عن موقفها في نفي المزاعم، اتصل زرداري بابنه بيلاوال زارداري طالبا منه عقد المؤتمر الصحافي، لكن بيلاوال رفض بشدة هذا الاقتراح قائلا إنه لا يرغب في وضع هينا رباني خار في أي «موقف محرج علنا».

وعندما استشعر العواقب السياسية الوخيمة بعد تلقيه خطاب الاستقالة من هينا رباني خار، التقى آصف علي زرداري عددا من قادة حزب الشعب الباكستاني وأوكل إليهم الاجتماع بهينا وإقناعها بالتراجع عن استقالتها وإنكار العلاقة الغرامية عبر مؤتمر صحافي لصالح الحزب. وعندما اجتمع قادة الحزب مع هينا حاولوا إقناعها بنفي رسمي، قالت بحدة لهم إن الرئيس لا يملك الحق في إملاء أوامره في شؤوني الشخصية. وإن عقد أي مؤتمر لإنكار هذا الأمر لن يجلب سوى مزيد من الشراسة الإعلامية حول قضية العلاقة الغرامية.