إسلام آباد: جدل وانقسام في وسائل الإعلام حول الاعتداء على الناشطة ملالا

بطلة قومية أم عميلة أميركية؟

TT

تسبب الهجوم الذي شنته حركة طالبان على ملالا يوسفزاي، الطفلة التي تبلغ من العمر 14 عاما من منطقة وادي سوات، في إحداث انقسام حاد داخل المجتمع الباكستاني، والذي يمكن ملاحظته بمنتهي الوضوح في وسائل الإعلام الباكستانية. ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض الصحف والقنوات التلفزيونية أن تصنع من ملالا يوسفزاي بطلة قومية، يصورها آخرون على أنها عميلة أميركية.

وفي نفس الأثناء، يدور نقاش مثير للغاية على صفحات الجرائد الباكستانية في مقالات الرأي والمقالات الافتتاحية حول ما إن كان ينبغي اعتبار ملالا بطلة أو ربما شخص يجب إدانته بالعمل على تشويه صورة البلاد.

قامت الجماعات الباكستانية المسلحة باستهداف الطفلة ملالا يوسفزاي على خلفية دعمها الواضح لتعليم الإناث وانتقادها لسلوكيات المتمردين في الفترة التي أحكموا فيها سيطرتهم على وادي سوات حيث تعيش منذ سنوات طويلة.

تعرضت ملالا، التي اكتسبت شهرة عالمية واسعة لتجرئها على رفع صوتها ضد الظلم الذي مارسته طالبان في سوات، لإطلاق النار في الرقبة والرأس فضلا عن إصابة فتاتين أخريين بعدما قامت «حركة طالبان باكستان» بفتح النار على الحافلة التابعة لمدرستهم في وادي سوات يوم الثلاثاء الماضي.

انتقدت الحكومة والجيش الباكستاني القوي هذا الهجوم بشده، حيث أصدر قائد الجيش الجنرال أشفق برويز كياني بنفسه بيانا ضد الهجوم، متهما حركة طالبان بالجبن. أدى هذا الأمر إلى ظهور بعض التوقعات في الأوساط السياسية والدبلوماسية في إسلام آباد بأن الهجوم على ملالا يوسفزاي قد يستخدم كذريعة لإطلاق عملية عسكرية ضد حركة طالبان في منطقة شمال وزيرستان القبلية. أعطت البيانات الأولية التي صدرت عن المسؤولين الحكوميين بعض المؤشرات حول استعداد الجيش الباكستاني لشن عملية في شمال وزيرستان، وهي المنطقة القبلية التي يختبئ فيها معظم قادة حركة طالبان. وفي واقع الأمر، أدى هذا الجدل الكبير إلى تفاقم الوضع بصورة كبيرة وإحداث المزيد من الانقسامات داخل المجتمع الباكستاني وزيادة حدة اللهجة التي تستخدمها وسائل الإعلام بعد أن كثرت الإشاعات التي تؤكد أن الحكومة على وشك إعطاء الضوء الأخضر للجيش لشن عملية عسكرية في شمال وزيرستان. وعقب الهجوم الذي تعرضت له ملالا مباشرة، قام وفد أميركي رفيع المستوى بزيارة إسلام آباد وإجراء محادثات مع مسؤولي الحكومة الباكستانية لحثهم على المضي قدما في خططهم الرامية لشن عملية عسكرية على منطقة شمال وزيرستان.

أدت هذه التطورات إلى تعميق الانقسامات في وسائل الإعلام الباكستانية، لتصبح أكثر وضوحا، فبينما بدأت مجموعة من الصحف والقنوات الإخبارية في الدعوة علانية لشن عملية عسكرية على شمال وزيرستان، عارضت بعض الصحف الأخرى العملية بشدة. ونقلت إحدى هذه الصحف عن حافظ حسين أحمد، وهو قيادي بارز في حزب «جمعية علماء الإسلام»، قوله: «نحن ندين الهجوم الذي استهدف ملالا، ولكن هذا الهجوم وقع في سوات، ونحن لا نستطيع أن نفهم السبب الحقيقي وراء إصدار الحكومة بيانات حول شن عملية عسكرية في شمال وزيرستان».

وفي الأيام الأولى التي أعقبت الهجوم على ملالا يوسفزاي، تفاعلت وسائل الإعلام الباكستانية بصورة قوية وغاضبة على هذا الهجوم. احتلت القصة صدر عناوين الأخبار في معظم القنوات التلفزيونية الباكستانية بصورة فورية، حيث أعربت بعض الشخصيات التلفزيونية البارزة، بما في ذلك حميد مير المذيع في قناة «جيو نيوز»، على الفور عن غضبهم من هذا الهجوم على الفتاة المسالمة التي تبلغ 14 عاما.

وبعد الهجوم، كتب مير تغريدة على موقع «تويتر» ليقول: «لا يمتلك أي شخص الحق في مهاجمة فتاة في المدرسة فقط بسبب الخلافات السياسية. لقد شوه الأشخاص المنفذون لهذا الهجوم سمعة الإسلام». وبالإضافة إلى ذلك، قام مير بنشر الرابط الخاص بحلقة برنامجه «كابيتال توك» التي تم تسجيلها في يوم 18 فبراير (شباط) عام 2009، عندما كانت ملالا يوسفزاي تتحدث إليه في ذروة سيطرة حركة طالبان على وادي سوات حيث تعيش. أكد مير أنه تلقى بعض الرسائل من مقاتلي حركة طالبان، الذي وصفهم بالأشخاص المرضي، يؤكدون له فيها على أنهم سيبذلون المزيد من الجهود لقتل هذه الفتاة.

وشهدت القنوات التلفزيونية جرعة مكثفة من التعليقات العاطفية، لدرجة أن بعض خبراء الإعلام دعوا إلى ضبط النفس في هذا الصدد. وفي تغريدة له على موقع «توتير»، كتب الكاتب الصحافي والنشاط الاجتماعي مارفي سيرميد: «عزيزي الإعلام الباكستاني، هل يمكنك التضحية بلعبة جني الأموال حرصا على سلامة هؤلاء الفتيات؟ لماذا تقوم بمضايقة الفتيات اللاتي تعرضن للإصابة بكاميراتك؟».

وبعدما هدأت ردود الأفعال المبدئية على التفجير، اتجهت الكثير من الصحف التي تميل ناحية اليمين المتدين إلى سرد بعض الروايات التي تتهم ملالا بأنها عميلة أميركية، حيث نشرت هذه الصحف صورا لملالا ووالدها أثناء اجتماع مع ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان، في الملاحق الخاصة التي نشروها حول هذه القضية.

دخلت ملالا يوسفزاي في دائرة الضوء بعدما بدأت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في نشر مذكراتها حول الوضع في وادي سوات خلال فترة سيطرة طالبان عليه. استمرت ملالا في الكتابة لـ«بي بي سي» طيلة فترة حكم طالبان المروعة للمقاطعة.

وعلى الرغم من ذلك، نشرت صحيفة «الأمة» الباكستانية اليمينية خبرا في صدر صفحتها الأولى يكشف عن أن ملالا يوسفزاي لم تكن هي من قامت بكتابة هذه المذكرات، التي نشرت على الموقع الالكتروني لـ«بي بي سي»: «ولكن رئيس مكتب (بي بي سي) في بيشاور كان هو المؤلف الحقيقي لهذه المذكرات».

وأكدت صحيفة «الأمة» اليومية، التي تتخذ من كراتشي مقرا لها، أن مدير مكتب «بي بي سي» في بيشاور هو من أقنع والد ملالا يوسفزاي بأن تقوم ابنته بادعاء أنها هي من قامت بتأليف هذه المذكرات. أضافت الصحيفة أن «بي بي سي» قامت بتعيين مدير مكتبها في بيشاور في وظيفة مربحة في «راديو الحرية» في براغ، في مقابل تشويه سمعة حركة طالبان.

يرى بعض خبراء الإعلام أن أحد أسباب تراجع وسائل الإعلام الباكستانية عن دعم ملالا يوسفزاي كان التهديد الذي أصدرته طالبان لدور النشر والصحافيين في باكستان. عبرت وسائل الإعلام الباكستانية عن شعورها بالخوف من التهديدات التي أصدرتها طالبان باستهداف الصحافيين عقب الانتقادات الكبيرة لعملية إطلاق النار على الناشطة التعليمية المراهقة ملالا يوسفزاي.

ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية عن مصادر في حركة طالبان قولهم إنهم يشعرون بالغضب من مستوى الاهتمام الكبير الذي صاحب محاولة قتل ملالا، وإنهم يشعرون بأن التغطية الصحافية كانت «متحيزة».

وأكدت جمعية الصحافيين الباكستانيين أن تهديدات طالبان الموجهة إلى وسائل الإعلام كانت تستهدف الحد من حرية الصحافة. ويشير المسؤولون إلى أنه تم الكشف عن هذه التهديدات في مكالمة تليفونية من أحد قادة حركة طالبان باكستان جرى اعتراضها.

وفي المكالمة التليفونية التي نجحت وكالة الاستخبارات الباكستانية في اعتراضها، قام حكيم الله محسود، زعيم حركة طالبان باكستان، بإعطاء «توجيهات خاصة» لمساعديه بمهاجمة وسائل الإعلام في بعض المدن مثل لاهور وكراتشي وروالبندي والعاصمة إسلام آباد. وقالت «مؤسسة الصحافة الباكستانية» إن الحكومة قامت أيضا بالتنبيه على علماء الدين الذين ينتقدون هذا الهجوم بصورة علنية، مؤكدة أن الحكومة أخذت تهديدات «حركة طالبان باكستان» على محمل الجد.