51 حسابا على «تويتر» لتقديم أخبار فورية عن الجرائم

مرحبا إدارة شرطة سياتل: ما الجديد لديكم؟

TT

إن مهمة المحافظة على الأمن، كما عرفها رجال الشرطة منذ أول دورية راجلة تقريبا، تدور في جزء منها حول أن يرى الناس رجل الشرطة وهو يقوم بعمله وأن يكون له وجود محلي، حتى ولو كان مجرد أن يذرع الشارع ذهابا وإيابا وهو يلوح بهراوته القصيرة. ولكن هل كلمة «محلي» تحمل نفس المعنى في تلك الثرثرة الجوفاء التي يحفل بها الإعلام الاجتماعي؟ إن «إدارة شرطة سياتل»، التي تشرف على واحدة من المدن الأكثر استخداما للتكنولوجيا في البلاد - إن لم تكن قد وصلت بالفعل إلى مرحلة التشبع - تسعى جاهدة كي تعرف الإجابة على ذلك السؤال، من خلال مشروع انطلق الأسبوع الماضي عبر 51 حسابا شديد المحلية على موقع «تويتر» تقدم أخبارا فورية عن الجرائم.

وتقول السلطات المسؤولة عن إنفاذ القوانين والإعلام الاجتماعي إن هذا المشروع، الذي يسمى «تغريدات حسب مربع الشرطة» (Tweets - by - beat)، هو المشروع الأكثر طموحا من نوعه في البلاد، حيث يحول القلم والحبر الذي كانت تكتب به الملفات الشرطية العتيقة إلى إشارات إلكترونية في العصر الرقمي، كما يسمح للأهالي - بما في ذلك المجرمون على الأرجح - بأن يتعرفوا بصورة آنية تقريبا على الكثير مما يحدث في الجوار من تعديات وأزمات وحالات طوارئ وأشياء شديدة الغرابة صغيرة كانت أم كبيرة. فإذا كنت تعيش مثلا في شارع «أوليف واي» غرب منطقة وسط المدينة، فإن التقرير الخاص بمنطقتك سوف يخبرك بأن «شخصا ثملا» كان يسير في شارعك الساعة 3:31 فجر يوم الاثنين، بالإضافة إلى وجود «شكوى عقلية» غير محددة وغامضة بالقرب من مسكنك في الساعة 9:30 مساء، وبأن يوم الأحد كان يوما حافلا بجرائم التعدي على الممتلكات في المربع الخاص بك، فقد حدثت واقعتا سطو وواقعة سرقة معروضات من أحد المتاجر، إلى جانب مجموعة متنوعة من الشكاوى من الضوضاء والإزعاج، وتحقيقات في حوادث، وعدة بلاغات عن «مركبات مشتبه بها».

ويقول رئيس الشرطة جون دياز: «المزيد والمزيد من الناس يرغبون في معرفة ما يحدث في منطقتهم. إنهم يريدون أن يعرفوا على وجه الخصوص ما يحدث في المناطق المحيطة بمنازلهم وأعمالهم والأماكن التي قد يمر بها أبناؤهم وهم في طريقهم إلى المدرسة. إنها مجرد طريقة مختلفة كي نتمكن من نشر أكبر قدر ممكن من المعلومات بأسرع ما يمكن».

وليس كل ما يحدث في أي منطقة من المناطق يتم بثه آليا في رسائل مكونة من 140 حرفا أو أقل، فالجرائم الجنسية يتم استبعاد، على أساس أن انتشار الإنترنت يثني الناس عن الإبلاغ عن أي حادثة اغتصاب أو تحرش جنسي، بالإضافة إلى أن حالات العنف الأسري تظل خارج قائمة موقع «تويتر» أيضا لأسباب مماثلة، ويرى مسؤولو الإدارة أن لفت الانتباه إلى مسألة شخصية وتنبيه الجيران إليها قد يزيد الأمور سوءا بالنسبة للضحية. كما أن التقارير معدة آليا بحيث يتم تأخير إرسالها لمدة ساعة واحدة، وذلك لتجنب أن يعلم الناس بإجراء تحقيق ما فيحتشدون لمشاهدة ما يجري، مما قد يؤدي إلى عرقلة سير التحقيق.

ويوضح يوجين أودونيل، وهو أستاذ دراسات شرطية في «كلية دون جاي للعدالة الجنائية» بمانهاتن: «هذا عمل رائد. إنه يعكس رغبة لم أرها بهذا الحجم من قبل في أن يحصل الناس على صورة واضحة، بكل مزاياها وعيوبها، بطريقة مؤكدة إلى حد بعيد عما يجري». إلا أن بروفيسور أودونيل، وهو ضابط شرطة ووكيل نيابة سابق في مدينة نيويورك، يستطرد قائلا إنه يرى أنه قد تكون هناك عواقب غير مقصودة، حيث يبين أن زيادة الوعي بالجريمة المحلية ربما تؤدي إلى زيادة شعور الناس بالتعرض للخطر أو نشر قناعة بأن الشرطة لا تحل مشكلة الجريمة المحلية - حتى إذا كانت مشكلة كان من الممكن أن لا يعلموا بها لو لم تكن التغريدات الخاصة بمربع الشرطة قد أخبرتهم بها.

وتوجد لدى شرطة سياتل أسباب تجعلها ترغب في أن تبدو قريبة وعلى أهبة الاستعداد، حيث تشهد الإدارة إعادة هيكلة داخلية بالإضافة إلى حكم محكمة يقضي بإجراء تسوية مع وكلاء نيابة فيدراليين بعد إجراء تحقيقات كشفت عن وجود نمط من سوء التصرف، بما في ذلك الإفراط في استعمال القوة وعدم مراعاة الإشكاليات العرقية والعنصرية. ويعتبر البرنامج الخاص بموقع «تويتر» واحدا من 20 مبادرة أعلنها هذا العام العمدة مايك ماكغين، وخاصة المبادرة رقم 17 التي تهدف إلى «تقديم معلومات أفضل إلى الجمهور».

ولكن هل يرغب الأهالي حقا في أن تقفز تفاصيل الحياة اليومية للشرطة على شاشات هواتفهم الذكية أو أجهزتهم الأخرى؟ إن مسؤولي الشرطة ليسوا واثقين من ذلك، إلا أنهم يقولون إن هذا إذا أزاح الستار ولو قليلا عما يفعلونه، فإنه قد يؤدي إلى زيادة الفهم لطبيعة عملهم، وما ينطوي عليه من ملل أحيانا. فلننظر مثلا إلى التحقيق في الحادث الذي وقع في تقاطع شارعي «35 أفينيو ساوث ويست» و«ساوث ويست بارتون ستريت» وتم الإبلاغ عنه في الساعة 4:01 مساء يوم الأربعاء الماضي. يبدو وكأن هذا ربما كان حادثا دراماتيكيا إلى حد ما، أليس كذلك؟ لقد كان هذا هو نفس رأي الضابط سكوت لوكي الذي يعمل منذ 4 سنوات في الإدارة، حيث تم إبلاغه عبر اللاسلكي بوقوع تصادم بين سيارة وقائد دراجة هوائية مع احتمال حدوث إصابات، فقام بتشغيل سارينة الشرطة وأسرع إلى هناك، ليجد رجلا جالسا إلى جانب الطريق ولا توجد به أي إصابات ولم تصب دراجته الهوائية بأي سوء، وكان ما يغضبه أكثر من أي شيء آخر هو أن سائقا أجبره على الخروج عن الطريق والاندفاع إلى أحد الأركان. وقال قائد الدراجة الهوائية: «لقد كنت خائفا حتى الموت». وظل الضابط مع زملائه ممن أجابوا النداء قليلا في المكان ليتحققوا من سلامة الدراجة وقائدها، ثم انصرفوا جميعا. وقال الضابط لوكي وهو يعود إلى مكانه خلف عجلة القيادة: «اليوم الممل هو يوم جيد، فهو يعني أن الناس لا يخرجون ويتصرفون بغباء».

ويقول النقاد الذين يتابعون اتجاهات الإعلام الاجتماعي إن رسالة أوتوماتيكية عن أخبار المجتمع المحلي مثل سياتل سوف تتسم بالتأكيد بالسرعة وفعالية التكلفة، إلا أن نظاما تديره أجهزة الكومبيوتر يعاني أيضا من عيب الافتقار إلى العنصر البشري، فإذا تجاوب شخص ما مع رسالة خاصة بأحد المربعات المحلية بالسؤال مثلا عن حادثة ما، أو التطوع بتقديم معلومات هامة عن جريمة من الجرائم، فإن الرد قد يضيع، حيث يقول متحدث باسم الإدارة إن نظام الإرسال الأوتوماتيكي لا تتم مراقبته بانتظام نظرا لوجود الكثير جدا من مربعات الشرطة.

ومع ذلك، فإن صفحة الإدارة الرئيسية على موقع «تويتر» يديرها أشخاص حقيقيون، ويتراوح رد الفعل هناك تجاه المشروع من التحمس إلى الحيرة. وقد تساءل أحد الأهالي: من الذي يتابع الرسائل؟ فردت الإدارة: الروبوتات. حسنا، ليس بالضبط. لقد كان رد الإدارة كالتالي: «من الناحية الفنية، فإن أجهزة الكومبيوتر لدينا تدير النظام، غير أن الروبوتات تبدو شيقة أكثر». وذكر واحد من متابعي مربعات الشرطة الجديدة ويدعى جون إيدي أن النص الكومبيوتري المختصر في بعض الرسائل قد راق له، وكتب في حسابه الخاص على موقع «تويتر»: «(التبول في حانة) هي الرسالة المفضلة لي حتى الآن».

وأشار واحد من الخبراء الإعلاميين في مجال إنفاذ القانون، وهو النقيب مايك باركر، الذي يشرف على نظام الاتصالات العامة الموسع التابع لـ«إدارة رئيس شرطة مقاطعة لوس أنجليس»، إلى أن التأثير الأعمق للبرنامج المطبق في سياتل قد يكون الرسالة التي يبعث بها إلى الأجهزة الشرطية الأخرى، التي يقول إنها في كثير من الحالات تجبن أو تكون غير واثقة بشأن كيفية استعمال أدوات الإعلام الاجتماعي الحديثة. ومضى يقول: «إنها تعطي الثقة لقادة الشرطة الآخرين أيضا بأنه من المقبول فعل ذلك».

وفي المقابل، فقد كان موقع «تويتر» نفسه مرتابا في الفكرة، مما جعله يؤجل المشروع لعدة أسابيع بعد قيامه بإغلاق 18 حسابا من الحسابات الجديدة لإدارة الشرطة، حيث كان يبدو أن عناوين «تويتر» الجديدة الكثيرة التي تظهر فجأة مرة واحدة تدق ناقوس الخطر بشأن إمكانية تلقي رسائل إعلانية مزعجة، لذا فقد تم تأجيل الرسائل الإخبارية المتعلقة بالجرائم في مربعات الشرطة.. من أجل منع وقوع جريمة محتملة.

* خدمة «نيويورك تايمز»