الكريكت.. دعوة للسلام

جولة دبلوماسية بين الهند وباكستان

تشير صحيفة «أكسبريس تريبيون» الباكستانية إلى أن الكريكت يمكن أن تثير مشاعر عنيفة وتعصبا
TT

كان وصف «أمان كا تشاكا» أو «دعوة للسلام» هو الوصف الذي منحته وسائل الإعلام الباكستانية لدعوة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ قادة البلاد لمشاهدة مباراة الكريكت في الدور قبل النهائي بين فريقي الدولتين منذ عام. تصدرت أنباء دعوة رئيس الوزراء الهندي، سينغ، للرئيس آصف علي زرداري، ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، الصفحات الأولى لكل الصحف الباكستانية اليومية. ولمشاهدة هذه «الجولة الثالثة من الكريكت الدبلوماسي» كما تصفها وسائل الإعلام الباكستانية، توجه رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني إلى الهند في إطار زيارة رسمية مدتها يومان لمشاهدة المباراة. وأصبح مصطلح «دبلوماسية الكريكت» مألوفا في كل من وسائل الإعلام الباكستانية والهندية.

وكان القادة الهنود دائما ما يلتقطون الخيط من حيث تركوه في الماضي حين يجدون فرصة. وفي إطار هذا التوجه، استغلت وسائل الإعلام في كلتا الدولتين كل حدث رياضي يتعلق بالكريكت أفضل استغلال للتأكيد على معاني الصداقة والمصالحة.

مع ذلك، فللتغطية الإعلامية لهذه الفعاليات الرياضية الخاصة بالكريكت بين الدولتين جانب آخر متمثل في معارضة الجماعات الدينية المتطرفة من البلدين استئناف مباريات الكريكت بين الدولتين النوويتين المتنافستين، ويتجلى ذلك في وسائل إعلام البلدين من خلال البيانات التي يصدرها قادة هذه الجماعات الدينية. وربما يخطر على الذهن أنه في 21 فبراير (شباط) عام 1987، شهد الرئيس الراحل ضياء الحق اليوم الثاني من المباراة التجريبية بين الهند وباكستان في استاد ساواي مان سينغ بدعوة من رئيس وزراء الهند آنذاك، راجيف غاندي.

اتخذ ضياء الحق قرارا جريئا وعبر إلى الهند في لحظة حرجة يقف فيها الجيش الهندي أمام الجيش الباكستاني على الحدود. على الجانب الآخر، كان المناخ العام يتسم بالعداء بسبب الصراع على إقليم كشمير. وصحبه في ذلك الوقت وفد كبير مكون من 64 مسؤولا ورجل أعمال. بالمثل في 17 أبريل (نيسان) عام 2005، شاهد الرئيس برويز مشرف، ورئيس الوزراء مانموهان سينغ، آخر يوم عالمي في فيروز شاه كوتلا بدلهي.

في آخر مباراة كريكت مهمة، بدأت الفرق الباكستانية والهندية اللعب في شمال مدينة موهالي الهندية، وجلس رئيسا وزراء البلدين في مباراة كريكت خلال فعاليات كأس العالم وصفق كل منهما عند عزف النشيد الوطني لكلا البلدين في لفتة رمزية تهدف إلى إعادة بناء العلاقات التي انقطعت بسبب هجمات مومباي عام 2008.

كانت هذه الحمى التي تحيط بالكريكت في الدولتين هي التي تجعل عددا كبيرا من الباكستانيين يعبرون الحدود التي عليها أكبر عدد من القوات متجهين إلى الاستاد، في الوقت الذي يأخذ ملايين الهنود إجازة من العمل من أجل مشاهدة المباراة. كانت عبارة «استمتعوا بالكريكت.. إنها ليست حربا» هي التي تصدرت الصفحة الأولى من صحيفة «ميل توداي» الهندية الشهيرة. وذكرت الصحف الباكستانية قبل يوم من مباراة الدور قبل النهائي أن إسلام آباد وافقت على السماح للمحققين الهنود بالقدوم إلى باكستان للتحقيق في هجمات مومباي. وتعد هذه خطوة لبناء الثقة قبيل المباراة جاءت بعد لقاء بين وزيري الداخلية الباكستاني والهندي. وينظر إلى آخر خبر يتعلق باستئناف نشاط الكريكت بين الهند وباكستان باعتباره مؤشرا على تحسن العلاقات بين البلدين. وتوقفت الدولتان عن إقامة مباريات الكريكت بينهما منذ عدة سنوات حيث تم تعليقها عقب وقوع هجمات مومباي عام 2008.

ولاقى إعلان مجلس إدارة شؤون الكريكت في الهند باستئناف مباريات الكريكت بين البلدين من خلال دعوة الفريق الباكستاني إلى اللعب في الهند خلال الشهر الماضي، ترحيبا كبيرا من وسائل الإعلام الباكستانية. مع ذلك جاءت ردود الفعل على هذا الإعلان في الهند متباينة. وجاء في الصفحة الأولى من صحيفة «دون»: «إنه لقرار رائع ونحن نرحب به، ويبدو أن أمنية الملايين من محبي الكريكت قد تحققت». كذلك وجهت كل الصحف الصادرة بالأوردو واللغة الإنجليزية في باكستان التهنئة إلى محبي الكريكت في كلا البلدين لاستئناف العلاقات بين البلدين في ما يتعلق بهذه الرياضة. على الجانب الآخر، لم يخل هذا الابتهاج الذي يسود المشهد العام من بعض الاستثناءات، منها على سبيل المثال تقرير صحافي في صحيفة «إكسبريس تريبيون» الصادرة باللغة الإنجليزية الذي جاء به: «بدأت ردود الفعل على زيارة فريق الكريكت الباكستاني إلى الهند لفترة قصيرة في ديسمبر (كانون الأول) في التوالي، حيث قال حزب (شيف سينا) المنتمي إلى تيار اليمين إنه لن يسمح لباكستان باللعب في الهند».

وجاء أيضا في التقرير الإخباري: «لقد صرح الحزب بأن باكستان مسؤولة عن مذبحة مومباي التي حدثت عام 2008 ولن يسمح لهم باللعب في بلادنا». ورغم أن الإعلام الهندي بوجه عام رحب بأنباء استئناف مباريات الكريكت بين البلدين، لا يخلو المشهد من استثناءات هو الآخر. وبحسب تقرير جاء في صحيفة «هندوستان تايمز»، فقد انتقد كابتن الفريق الهندي في الكريكت، سونيل غافاسكار، قرار مجلس إدارة شؤون الكريكت «استئناف العلاقات الهندية - الباكستانية في الكريكت»، حيث شعر أن باكستان لا تتعاون في التحقيقات الخاصة بهجمات مومباي الإرهابية. وذكر التقرير أيضا: «يشعر غافاسكار أن الهند ستلعب الكثير من الكريكت في الموسم المقبل وأي حدث آخر متعلق بالكريكت سيشكل مزيدا من الضغط على لاعبي الكريكت». على الجانب الآخر، تميل وسائل الإعلام الباكستانية إلى توقع أن تساهم هذه الخطوة في تطبيع العلاقات بين الدولتين، حيث عبرت صحيفة «نيو إنترناشونال» الليبرالية الباكستانية مؤخرا عن اعتقادها بأن تمثل هذه المباريات فرصا عظيمة لتبادل الآراء الخاصة بالعلاقات الثنائية. وجاء في المقال الافتتاحي بالصحيفة: «ربما لا تمثل المحادثات التي تجري على أرضية من الكريكت أهمية في حد ذاتها، لكنها قد تمهد الطريق إلى محاولات ذات معنى أكبر باتجاه تحقيق التعاون والسلام بين البلدين في المستقبل».

ويمكن أن تثير الرياضة، التي تعد بمثابة حرب تقليدية، مشاعر عنيفة وتعصبا كبيرا، بحسب ما أشارت إليه صحيفة «إكسبريس تريبيون»، التي تعد من الصحف الكبرى في باكستان. ودفعت هذه الصحف الباكستانية في مارس (آذار) عام 2011 الحكومة الباكستانية باتجاه قبول الدعوة المقدمة من رئيس الوزراء الهندي، سينغ، ودعمت ذهاب رئيس الوزراء أو الرئيس الباكستاني إلى مدينة موهالي التي تقع شمال الهند لمشاهدة مباراة الدور قبل النهائي. وذكرت الصحيفة أنه «وسط صخب الجمهور في موهالي، يمكن أن تعود العلاقات بين البلدين إلى الهدوء والاستقرار». والآن بعد وقت طويل توشك الهند وباكستان على استئناف العلاقات على مستوى رياضة الكريكت.

وقد تم تعليق المباريات والفعاليات الخاصة بهذه الرياضة عقب هجمات مومباي التي حدثت عام 2008. ومن المنتظر أن تمنح مباراة الكريكت المرتقبة قبلة الحياة للجمود الذي يسود البلدين. وأعلنت حكومتا البلدين ذلك اليوم إجازة رسمية، حتى يتمكن الناس من الخروج في الشوارع للاحتفال بنصر فريقهم أو الحزن على هزيمته. وكانت آخر مرة لعب فيها الفريقان الهندي والباكستاني مباراة كريكت في الدور قبل النهائي خلال كأس العالم، ووصل رئيس وزراء كل من الدولتين إلى مدينة موهالي الهندية لمشاهدة المباراة.

ويتمتع الكريكت على المستوى السياسي بقدرة على التخفيف من التوترات السياسية والعسكرية التي تسود العلاقة بين البلدين.

ويعمل محبو الكريكت في إسلام آباد ونيودلهي جاهدين على إقناع حكومتي الدولتين باستئناف النشاط الرياضي في الكريكت رغم التوترات بين البلدين على الصعيد السياسي. وانضم قطاع عريض من الشعبين الباكستاني والهندي إلى الأصوات المطالبة باستئناف مباريات الكريكت بين البلدين. في البداية لم تكن الحكومة الهندية راغبة في إرسال فريق الكريكت إلى باكستان بسبب مخاوف متعلقة بالأمن، لكنها أعطت إشارة الانطلاق لإقامة المباراة بعد تزايد المطالبات من محبي الكريكت في البلدين والتأييد القوي الدؤوب من وسائل الإعلام الدولية لاستئناف فعاليات الكريكت بين البلدين.