فضيحة «زي» تكشف العلاقة غير القانونية بين النخبة النافذة والإعلام الهندي

بعد القبض على محررين في القناة لطلبهما مليار روبية للتغاضي عن تحقيقات صحافية

تصوير فيديو يظهر محرري قناة «زي» الهندية أثناء عملية الابتزاز
TT

يمكن أن نعد ما حدث أكبر فضيحة إعلامية شهدتها الهند، حيث ألقت شرطة دلهي القبض على محررين بارزين في تلفزيون الدولة، على خلفية اتهامات تقدمت بها أكبر مؤسسة لصناعة الصلب في الهند، وزعمت فيها أنهما طلبا مليار روبية (17.3 مليون دولار) على شكل إعلانات مقابل التغاضي عن التحقيق في كيفية حصول المؤسسة على تراخيص الفحم. وتورطت شبكة «زي نيوز» في الفضيحة التي ترقى لفضيحة صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد»، على خلفية عملية توزيع حصص الفحم الهندي ومزاعم ابتزاز «جيندال باور آند ستيل غروب».

وتم إلقاء القبض على المحررين في شبكة «زي»، وهما سودير تشودوري وسمير أهلواليا، بعد نحو شهرين من اتهام عضو البرلمان الهندي عن حزب «المؤتمر الشعبي» وقطب صناعة الصلب، نافين جيندال، لهما بمحاولة ابتزازه والحصول على 17.3 مليون دولار مقابل عدم عرض تقارير عن عملية احتيال تتعلق بالفحم ،تورطت فيها شركته «جيندال ستيل آند باور لميتيد». وكانت أول مرة تحدث فيها جيندال عن هذه الاتهامات بالابتزاز في بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، عندما كشف عن مقطع مصور مدته 15 دقيقة، تم تصويره سرا، يوضح محاولة المحررين في «زي نيوز» و«زي بيزنس» إبرام صفقة. وجاء القبض عليهما خلال الأسبوع الحالي بعد تأكد الشرطة من صحة التسجيلات.

يبدو أن هذه العملية توضح محاولة سودير رئيس قسم الأعمال والمحرر في «زي نيوز»، وسمير المحرر في «زي بيزنس»، الطلب من المسؤولين التنفيذيين في مجموعة «جيندال غروب» إبرام صفقة إعلانات بقيمة مليار روبية مع المجموعة، إن كان يريد قطب صناعة الصلب ألا يذيعوا تقارير إخبارية عن توزيع حصص الفحم التي سوف تشوه سمعة شركته. وقال إن شركته اضطرت إلى اتخاذ موقف تجاه إذاعة «زي نيوز» لأخبار زائفة ملفقة لا أساس لها من الصحة على مدى الشهر الماضي، هدفها الإضرار باسمه واسم شركته.

وقال جيندال إن شركته عندما تواصلت مع مؤسسة «زي تي في»، طلبت من دون خجل الحصول على امتيازات لوقف بث تلك الأخبار. وأوضح أن هذا كان بمثابة صدمة لهم، حيث لم يتعرضوا طوال أربعين عاما من العمل لمثل هذا الابتزاز. ويوضح المقطع المصور حديث مسؤولين تنفيذيين في مجموعة «جيندال غروب»، الذين لم يظهروا في المقطع، مع مسؤولين في «زي تي في». ودار الحديث حول التقارير الإخبارية التي تذيعها القناة وتشوه سمعة الشركة، لزعم تورطها في عملية تخصيص الفحم.

على الجانب الآخر، يقول مسؤولو شبكة «زي نت وورك» إن المقطع المصور به تلاعب، وإنه مقتطع من حديث دام ست ساعات بين «زي» ومسؤولون في «جيندال»، من بينهم نافين جيندال نفسه. وكشفت الفضيحة العلاقة غير القانونية المريبة بين أفراد النخبة الهندية النافذين والإعلام الهندي.

ليس جديدا على الإعلام الهندي بيع تقارير إخبارية، بل وأيضا منح الحصانة من التقارير غير الإيجابية. تتعرض المنابر الإعلامية لضغوط كبيرة من الكيانات البارزة حتى تمنع إذاعة أي أخبار سلبية. وليست فضيحة الفحم التي تشهدها الهند حاليا سوى الأخيرة ضمن سلسلة من الاتهامات المتعمدة لإزعاج الحكومة التي يرأسها حزب «المؤتمر الشعبي». وظهرت هذه الفضيحة في مارس (آذار)، عندما أصدر المراجع والمدقق العام مسودة تقرير يتهم فيها الحكومة بعدم العدالة في توزيع حصص الفحم لصالح شركات خاصة وحكومية مختارة في الفترة بين عامي 2004 و2009. وذكر تقرير أغسطس (آب) النهائي، الذي يقدر الخسارة الناجمة عن ذلك بـ33.78 مليار دولار، أسماء بعض من كبرى الشركات الهندية المستفيدة، من بينها «جيندال» و«تاتا» و«فيدانتا». مع ذلك، ردت هذه الشركات بقولها إن الكثير من حصص الفحم توجد في غابات محمية أو مناطق «الحزب الشيوعي» الهندي المضطرة، لذا لا قيمة لهذا الفحم.

ونظرا لكون هذا مكتوبا، يجب توضيح نفي ممثلي «زي تي في» لكل هذه الاتهامات التي أوردها جيندال في المؤتمر الصحافي. وقال الرئيس التنفيذي لـ«زي نيوز»، ألوك أغاروال، في بيان: «الحقيقة هي أن جيندال كان هو من عرض المال على المحررين، ولاحقا على المؤسسة، وقدم في ما بعد عقد إعلانات زائف تحصل بموجبه (زي تي في) على مليار روبية من مجموعة (جيندال ستيل)، شريطة أن يتوقف التحقيق في ممارسات المجموعة فورا». وقال محامو «زي» في المحكمة إن اتهامات جيندال لا تستند سوى للأوهام، وإن اتهامهم بابتزاز المجموعة اتهام سخيف لعدم وجود مال انتقل من يد طرف لآخر. ووصف مسؤولو الشبكة يوم القبض على الصحافيين بـ«اليوم الأسود» بالنسبة إلى حرية الإعلام الهندي.

ورفض جيندال التعليق في ظل عرض القضية أمام المحاكم، وأوضح أنه يكن كل الاحترام للإعلام. مع ذلك، قال إن بيان «زي» انتقص من مصداقية الإعلام، ودعا إلى إلغاء ترخيص المحطة.

وتشعر الشرطة بأن الابتزاز المزعوم المنسوب إلى محرري «زي» جزء من مؤامرة أكبر. وذكرت أن مسؤولين كبارا من المجموعة كانوا يعلمون بما يحدث. واستدعت الشرطة صاحب مجموعة «زي»، سوباش تشاندرا، للتحقيق. وقال ضابط شرطة: «لقد وجدنا مقطعا صوتيا لمحادثة بين أهلواليا، محرر (زي بيزنس)، وتشاندرا. وكان أهلواليا يخبر تشاندرا بالصفقة مع مسؤولي (جيندال باور أند ستيل). وتم تسجيل المقطع عقب مقابلة أهلواليا وتشودوري المحرر بـ(زي نيوز)، لمسؤولي (جيندال) في فندق في 19 سبتمبر (أيلول)». وأضاف: «توضح التسجيلات أن أهلواليا لم يكن قد غادر الفندق عندما أخبر تشاندرا بالأمر. وسوف نستخدم هذه المحادثة كدليل يؤكد علم الإدارة بالصفقة».

في الوقت الذي يزعم فيه مسؤولو «زي» أن الصحافيين يتعاونون في التحقيق، نفت الشرطة ذلك أمام المحكمة وطلبت حبس المحررين احتياطيا. وأصدرت المحكمة حكما بحبس المحررين احتياطيا لمدة 14 يوما. وقال ضابط في الشرطة: «سنسألهم عن أمور مثل من سمح بإذاعة التقرير الخاص بالفحم؟ ومن طلب منهم لاحقا منع بث الأخبار المسيئة لـ(جيندال)؟ وإذا كانوا يراوغون (جيندال غروب)، كما يزعم الصحافيان، فهل كانت الإدارة على علم بهذا الأمر؟ نحن بحاجة إلى أجوبة».

كذلك، اعتقلت الشرطة الصحافيين بموجب الفقرة 420 من القانون. وأذاعت محطة «زي نيوز» تقريرا ملفقا ضد شركة عضو البرلمان عن حزب «المؤتمر الشعبي»، نافين جيندال.

الجدير بالذكر أن الشائعات عن غض الصحف والقنوات التلفزيونية الطرف أو التغطية الإخبارية لصالح أطراف مقابل صفقات إعلانات مربحة انتشرت لسنوات، بل لعقود.

وكشفت الأحداث الماضية عن علاقات غير صحية وغير مريحة بين الإعلام والشركات الهندية وبين الإعلام والسياسيين، وبين السياسيين والشركات الهندية، في إطار الأخبار مدفوعة الثمن التي تقدم متخفية في ثوب مهني على سبيل المثال.

المعركة القانونية المستمرة بين «زي غروب» وعضو البرلمان عن حزب «المؤتمر الشعبي» جيندال حول العرض المزعوم، الذي قدمته «زي غروب» بغرض ابتزاز المال منه في شكل إعلانات - تسلط الضوء على الجانب المتصدع من مجال الإعلام. تشير الأخبار مدفوعة الأجر، والتقارير المعدة لصالح طرف من الأطراف، والابتزاز الصريح من جانب المعلنين وأصحاب المنابر الإعلامية والمحررين، إلى ما آل إليه حال الإعلام. مرت أكثر الشركات الإعلامية بوقت عصيب في استعادة المواهب على مدى العقدين الماضيين نتيجة تراجع الحيوية، فقد انتقل الكثير من الصحافيين الأكفاء للعمل في مجال العلاقات العامة ووكالات التواصل المؤسسي. وكانت النتيجة هي امتلاك الشركات بعضا من أفضل المواهب الصحافية، وكل ما عليهم فعله هو صياغة الرسائل الإعلامية التي يمكن بيعها في شكل أخبار.

ما باتت الشركات تدركه هو أن إعلاناتها، سواء في وسائل الإعلام المطبوعة أو المرئية أو حتى على شبكة الإنترنت، لا تأتي بالعائد المرجو منها بسبب الضجة والتفتت، لهذا يحرصون على وضع رسائلهم في قالب إخباري. إنهم يفضلون المحتوى مدفوع الأجر على الإعلانات، لأن مشاهدة ذلك من خلال «الأخبار» يتسم ببعض المصداقية.

يمارس المعلنون تهديدا واضحا، وإن لم يكن صريحا، وهو: «إن لم تذيعوا إخباري بانتظام، فلدي بدائل أخرى». وحاولت بعض المؤسسات الإعلامية اللجوء إلى الحيلة في التعامل مع هذه المشكلة من خلال تحميل المحررين مسؤولية العائدات، في حين لجأت مؤسسات إعلامية أخرى إلى وسائل أخرى مثل تشجيع المحررين على تقديم تقارير إخبارية أو إجراء مقابلات إيجابية مع رجال أعمال أو حتى محتالين، أملا في جذب الإعلانات. مع ذلك، لم تفلح كل هذه المحاولات، لأن المتلقي ليس بالأحمق.

ربما تبدو الأخبار مدفوعة الأجر وعائدات الإعلانات التي يتم الحصول عليها عن طريق الابتزاز - أمرا جديدا، لكن الحقيقة هي أنها دائما ما كانت موجودة. كل ما في الأمر هو أنه بات يحدث بشكل صريح دون مواربة الآن، في حين كان يحدث في الماضي في الخفاء، حيث كان نطاق الإعلام أصغر، ومن الممكن استغلاله بسهولة من قبل المؤسسات. انظر إلى المداهنات التي كانت تحدث في الماضي، كان يتم عرض قطعة أرض رخيصة الثمن على كل صحيفة في دلهي أو مومباي أو في عواصم الولايات، أقاموا عليها عقارات ذات إيجارات مرتفعة. وشارع بهادر شاه ظفر مارك في دلهي أكبر شاهد على ذلك.

وكانت الأراضي تعرض على الصحافيين بسعر زهيد في الكثير من المدن، مما خلق مستعمرات من الصحافيين ومناطق معزولة للإعلاميين. عندما تحصل على وظيفتك ومنزلك بهذه الامتيازات الرخيصة، من البديهي أن تصبح جزءا من عالم الأخبار مدفوعة الأجر، حتى إذا كنت تعتقد غير ذلك وتظن أن بينك وبين الساعين وراء النفوذ والمصالح الشخصية بونا شاسعا.

في الأيام الماضية، كانت هذه المصالح والامتيازات كافية لتنظيم عمل المحررين والصحافيين، لكننا اليوم بحاجة إلى أخبار مدفوعة الأجر نظرا لتنوع وكثرة وسائل الإعلام. ومن غير الممكن منح أراض بثمن بخس لكل مجموعة محطات تلفزيونية أو آلاف الصحافيين على الإنترنت. يملك السياسيون، أو الذين على علاقة بهم، أكثر من ثلث المحطات الإخبارية في الهند. ويقدر عدد هيئات توزيع بث الكيبل المملوكة لسياسيين محليين بنحو 60%. بات لكل هذا نفوذ كبير في الانتخابات المحلية. وهناك عدد كبير من الصحف الكبيرة والصغيرة المملوكة لسياسيين أو أفراد من أسرهم تؤثر على مسار الكثير من الانتخابات المحلية. كذلك، تمتلك الكثير من الصحف التي لها صلة بسياسيين شبكات بث، ولدى أكثرهم الآن بوابات على الإنترنت.

لا توجد مثل هذه الشركات الإعلامية، فقط من أجل تجنيد الصحافيين لعمل ما تقتضيه الضرورة السياسية، بل أيضا بغرض غسل الأموال. عدما توجد أموال هائلة، تم الحصول عليها من مصادر غير مشروعة في الاقتصاد، لا يوجد مكان لإنفاقها ومضاعفة أرباحها أفضل من الإعلام. ما يفعله السجال بين «جيندال» و«زي»، أيا كانت نتيجته، هو فرض نقاش حول مثل هذه الممارسات المشينة.

دفع القبض على المحررين، اللذين يعملان في «زي نيوز»، على خلفية الاتهامات الموجهة إليهم بالابتزاز، الصحافيين في مختلف أنحاء البلاد نحو المطالبة بقانون لتنظيم الإعلام. أثار الكثير من الصحافيين البارزين قضية أخلاقيات الإعلام وناقشوا مدى فعالية تعيين منظم من الخارج للإشراف على العمل الإعلامي.

كتبت شوما تشوداري، مدير تحرير مجلة «تيلكا»: «اتهام المحررين في (زي تي في) بالتورط في صفقة بقيمة مليار روبية مقابل عدم إذاعة تحقيقهما الإخباري عن تورط (جيندال غروب) في عملية توزيع الفحم التي يشوبها الفساد - ليس منطقة رمادية، ولا حتى يتسم بتهذيب اللون الأسود، إنه سوء الحظ. تزعم (زي) أنهم هم من حاولوا الإيقاع بـ(جيندال)، لأن الشركة كانت تعرض عليهم رشوة مقابل التعتيم على الأمر. إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم يذيعوا التقرير فور الانتهاء منه؟ لماذا لم يفعلوا ذلك حتى الآن؟ كيف ينفون المحادثة المشينة التي تمت بين رجال جيندال ومحرري (زي)، بينما أعلن عنها جيندال؟ من الواضح أن (زي) ليس لديها أي دفاع. في الوقت الذي تشعر فيه مؤسسة (زي) بالقلق، يأمل المرء أن تقدم أدلة تبرئ ساحتها. وإلى أن يفعلوا ذلك، فمن الطبيعي أن يتلقوا الانتقاد اللاذع الذي يدخره الإعلام للآخرين. لقد حاكم المجتمع ميردوخ على فضيحته في المملكة المتحدة مثلما فعلت المحكمة، ولا يسعنا سوى القيام بهذا. يعاني الإعلام الهندي من أزمة من الناحية البنيوية والأخلاقية والمالية. إذا لم نمارس النقد الذاتي وننظم صفوفنا بأنفسنا، سنجد آخرين يفعلون ذلك وتنكشف أكثر الجوانب إظلاما».

وأعرب رئيس التحرير السابق لمجموعة «هندو ميديا»، ناراسيمان رام، عن قلقه تجاه مصداقية الإعلام. وقال: «صحيح أن الإعلام يواجه أزمة مصداقية، خاصة بعد ظهور قضية الأخبار مدفوعة الأجر وانكشاف الكثير من الممارسات الخاطئة المارقة. ربما يكون من الصعب جدا على الصحافيين في (زي تي في) تقديم تفسير لوصولهما إلى هذا الحال».

ودعا رئيس مجلس الصحافة الهندية، ماركاندي كاتجو، إلى حرمان محطة «زي» من الترخيص في حال ثبوت التهمة على الصحافيين. في النهاية، سيكون للمحكمة تحديد من المخطئ ومن المصيب: «جيندال» أم «زي تي في».