«الإثبات».. العقبة الأهم أمام الجرائم المعلوماتية في السعودية

30 ألف شكوى تلقتها هيئة الاتصالات بين عامي 2010 و2011

TT

تحذر الأوساط الحكومية في السعودية من التهاون في تطبيق الجرائم المعلوماتية، كما تعاود النشر بين الفينة والأخرى حول العقوبات التي تطال مرتكبي هذا النوع من الجرائم.

وتظهر هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية أعلى سقف للعقوبات شهده نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، بسجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات، وغرامة مالية لا تتجاوز 5 ملايين ريال، أو كلتيهما معا «لكل من ينشئ موقعا لمنظمات إرهابية على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو ينشره لتسهيل الاتصال بقيادات الأجهزة الحارقة، أو المتفجرات، أو أي أداة تستخدم في الأعمال الإرهابية، أو من يقوم بدخول غير مشروع إلى موقع إلكتروني، أو نظام معلوماتي، مباشرة أو عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، للحصول على بيانات تمس الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة، أو اقتصادها الوطني».

كما أن هنالك عقوبة مالية تطال من ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو من ينشئ موقعا في الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو ينشر الاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به، أو من ينشئ مواد وبيانات متعلقة بالشبكات الإباحية أو أنشطة الميسر أو نشرها أو ترويجها، بغرامة لا تتجاوز ثلاثة ملايين ريال والسجن كحد أقصى خمس سنوات.

من جانب آخر، يعد «انتحال الشخصية» على الشبكات الاجتماعية لدى الشخصيات الشهيرة في السعودية هاجسا لم يضاهه سوى الامتعاض الشعبي الناجم عن تبرؤ أحد المؤثرين في المجتمع، عندما ينشر ما يثير الرأي العام، ليخرج بالقول «تم اختراق الحساب» أو «إن الحساب لا يمثلني».

وتتسع الدائرة من الانتحال إلى جميع أنواع الجرائم التي تدخل التقنية طرفا فيها، وتسميها الهيئة الجرائم المعلوماتية، وقد أطلقت في عام 2010 كنسخة معدلة ومنقحة ونهائية للنظام الذي سيقنن تقنيا بحسب الهيئة حماية الأفراد والمؤسسات والمجتمع.

وسجلت الهيئة ما يربو على 30 ألف شكوى خلال عامي 2010 و2011، شملت أنواعا عديدة مما تسميه «الجرائم المعلوماتية»، من دون أن تفصل في تقريرها السنوي الأخير نوعية الجرائم المرصودة. وتواجه الأوساط الحكومية والخاصة عقبة وصفها الدكتور فايز الشهري أستاذ الصحافة الإلكترونية والإعلام الجديد في جامعتين سعوديتين، بـ«المشكلة الكبيرة»، والتي تكمن في الإثبات.

ويقول الشهري لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد لدينا مشكلة في النصوص، لدينا مشكلة في الإثبات». ويضيف «هناك نوعان من انتحال الشخصية، انتحال مقبول وقد وجد قبل الإنترنت في الأسماء المستعارة التي كان يستخدمها الكتاب والصحافيون، واستخدمت بشكل واسع سابقا، كأن يستخدم الذكر اسم أنثى أو العكس، إما لأسباب اجتماعية أو سياسية، وهذه تقاليد معروفة سابقا في عالم الصحافة». ويستطرد «أما انتحال الشخصية بقصد الإساءة فإنه يجرم نظاما وشرعا».

وبخصوص انتحال الأسماء في الشبكات الاجتماعية يرى الشهري أن «شخصيات عندما تجد نفسها في ورطة فإنها تبادر في التبرؤ سريعا من هذا الحساب، أو من الممكن أن تقول إن الحساب اخترق، أو إنه لا يمثلها».

في المقابل، تتيح بعض الشبكات الاجتماعية خاصية تثبت للمستخدمين أن الشخصية معتمدة من لدن المشغل، كموقع التدوين المصغر «تويتر»، الذي يمنح الإثبات للشخصيات المؤثرة أو الشهيرة.

وحول ذلك، يقول الشهري «هذا أحد الحلول، ولكن من هي (تويتر) حتى تؤكد أن هذا هو الشخص؟.. إذ لا ينبغي أن نعطيها هذا البعد القانوني، لأنها في الأخير شركة متداولة في بورصة، فكيف تجمع معلومات عن أهم شخصيات في العالم؟». ويضيف «لو كان الحديث عن مؤسسة قانونية محلية توثق الأسماء لاختلف الوضع».

ويظهر نظام الجرائم المعلوماتية أن هيئة التحقيق والادعاء العام هي الجهة التي تتولى التحقيق في الجرائم الواردة في النظام، فيما تقدم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات - وفقا لاختصاصها - الدعم والمساندة الفنية للجهات الأمنية المختصة، خلال مراحل ضبط الجرائم والتحقيق فيها، وأثناء المحاكمة أيضا.

واعتبر الدكتور ضيف الله الزهراني، نائب المحافظ للشؤون القانونية في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن «انتحال الشخصية في المواقع الاجتماعية على الإنترنت يعد جريمة معلوماتية تعرّض مرتكبها إلى مساءلة قانونية».

وفي ما يتعلق بالإثبات ضد المعاقب في جريمة معلوماتية، لفت الدكتور الزهراني إلى تخصص كل جريمة بتقسيم معين، وقال «إن اليقين لا يأتي إلا عند وجود دليل قاطع، والذي يخضع بدوره إلى تقييم القاضي الناظر في القضية». ويؤكد الدكتور الشهري أن «الأنظمة السعودية تجرم الأفعال، ولا يوجد فعل إلا وله مقابل في القضاء، ولا نواجه مشكلة في وجود أنظمة». وأضاف أن «نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية يشير إلى أنظمة محددة من الجرائم، لكن الأفعال التي يراها القاضي تضرر أشخاصا، ففي الشريعة التي تعتبر المشرع الأساسي في السعودية، هناك مجال للاجتهاد، وقد صدرت في السعودية أحكاما كثيرة لهذا النوع من القضايا»، مستطردا «هناك فرق بين الجرائم التقنية من سرقة ملكية فكرية، أو تخريب معلومات أو جرائم الإعلام والنشر، وتظل جريمة النشر كما هي وبالتالي تطبق عليها كل أنظمة المطبوعات والنشر والصحافة. وتابع «هناك نظام مطبوعات ولائحة نشر إلكتروني تنظم النشر في الإنترنت والجوال، وليست هناك مشكلة في وجود نص يجرم الأفعال التي يتضرر منها الفرد أو المجتمع، المشكلة التي تواجه الجريمة التقنية هي إثبات الجريمة فنيا، لأنها جريمة معقدة تتداخل فيها أطراف وقوانين كثيرة، خاصة أنها عابرة للحدود الرقمية والقانونية للدول».

ويستخدم الإنترنت في السعودية نحو 14 مليون نسمة تمثل 49 في المائة بحسب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، ويشاهد السعوديون موقع الفيديو «يوتيوب» بواقع 190 مليون مشاهدة يومية بحسب «غوغل»، التي قالت على لسان عبد الرحمن الطرابزوني، وهو رئيس المنطقة العربية في الشركة، إن «السعودية أكثر دولة في العالم تشاهد (يوتيوب) عبر الهاتف». كما تداولت نشرات تقنية حديثا، إحصائية أخيرة تفيد بتسجيل نحو 800 ألف حساب من السعودية في موقع التدوين المصغر «تويتر»، و3 ملايين حساب آخر في «فيس بوك».