مطالب بمنح جائزة «بوليتزر» للصحافي الذي كتب عن استسلام ألمانيا النازية

جسد إد. كيندي خلال سنوات الحرب العالمية الثانية صورة المراسل الحربي النشط

ادوار كيندي الذي كتب عن «استسلام المانيا النازية»
TT

جسد إد كيندي، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، صورة المراسل الحربي النشط المسرف في الشراب في تلك الفترة. في المرة الأولى التي رأته فيها زوجته، كان يسير مترنحا باتجاه حانة فندق في باريس وبرفقته إرنست همنغواي فقط، وكان كلاهما في حال سكر شديد، حتى إنهما كانا يقفان بصعوبة. كان كيندي، نجم مراسلي وكالة «أسوشييتد برس»، يحمل ولعا كبيرا بالمراوغة الجريئة للسلطة والدخول إلى مناطق المعارك في الحرب العالمية، حيث لم يكن يفترض أن يذهب إلا بدافع حب العمل. لكن هذا السبق الصحافي الأضخم في حياته - استسلام ألمانيا النازية غير المشروط - دمر مسيرته الصحافية. ودفع ذلك مجموعة من الصحافيين البارزين إلى القيام بشيء ما حيال ذلك.

أيد الصحافيون منح كيندي جائزة «بوليتزر» بعد وفاته، اعترافا بلحظة شجاعة عندما تحدى مراسل شجاع الرقابة العسكرية والسياسية لكتابة واحدة من أفضل القصص الإخبارية خلال القرن الماضي.

وتقول كيم كومينتش، المصورة الإخبارية الفائزة بجائزة «بولتيزر»، التي كانت من بين 54 شخصا ضغطوا من أجل حصول كيندي على جائزة «بوليتزر»: «كي تتطور المهارة ينبغي الإلمام بكل التفاصيل. وإد فعل بذلك على النحو الأمثل».

في السادس من مايو (أيار) 1945، اصطحب مسؤول عسكري أميركي كيندي و16 مراسلا آخرين على متن طائرة إلى باريس. كانت الطائرة قد حلقت ولم يعلم أي ممن كان على متنها الهدف من الرحلة، فقد كانوا في طريقهم إلى ريمي بفرنسا لحضور مراسم توقيع وثائق الاستسلام التي تنهي أضخم نزاع في تاريخ العالم. كان كيندي غاضبا من وضع قيود على تحركاته. وذكر ساخرا في مذكراته التي حملت عنوان «حرب إد كيندي: نهاية الحرب الأوروبية، الرقابة و(أسوشييتد برس)»، التي نشرت ربيع العام الحالي، بعد قرابة نصف قرن على وفاته: «كان المراسلون على الطائرة سبعة عشر جنديا من جنود مشاة البحرية». أصر المسؤولون العسكريون على ضرورة الحفاظ على سرية أخبار توقيع المعاهدة لعدة ساعات. لكنهم بعد عودتهم إلى باريس، تم تمديد الحظر، لا لأسباب أمنية، التي قد تشكل أساسا منطقيا مقبولا، بل لأسباب سياسية، علمها كيندي. فقد كان جوزيف ستالين، زعيم الاتحاد السوفياتي، آنذاك، يرغب في إقامة مراسم توقيع خاص للزعم بفضله في استسلام ألمانيا، وأبدى المسؤولون الأميركيون رغبة في مساعدته في الحصول على لحظة المجد هذه. شكا المراسلون، لكن الجيش لم يستجب، كان عليهم أن يبقوا القصة في طي الكتمان. لكن، حينئذ حدث شيء ما غير عقلية كيندي وحياته. سمع كيندي كلمة من مراسل إذاعي ألماني يعلن الاستسلام. انتشرت القصة، لكن الرقابة الأميركية كانت لا تزال قوية.

ذهب كيندي إلى غرفته في فندق سكرايب وثمل لمدة 15 دقيقة. ثم وجد هاتفا عسكريا تصادف أنه لم يكن خاضعا للرقابة، وفي الساعة 3:24 بعد الظهيرة اتصل بمكتب «أسوشييتد برس» في لندن.

وبحسب رواية الاتصال لرئيس وكالة «أسوشييتد برس» الراحل، توم كيرلي: «ألمانيا استسلمت من دون شروط. هذا رسمي. اجعل الخط الزمني ريمي وأعلنها».

ذاعت قصة إد كيندي في الصحف حول العالم. كان ينبغي أن تكون تلك أفضل اللحظات في حياته، لكنها تحولت إلى أزمة. سحب الجيش أوراق اعتماده، لكن ذلك كان أقل الإهانات التي وجهت له. تحول زملاؤه المراسلون إليه، وصوت 54 لإدانته مقابل 2. واعتذر مدير «أسوشييتد برس» - ناشر صحافية فيلادلفيا بوليتان، روبرت مكلين - عن تقرير كيندي بدلا من الثناء عليه. تم استدعاء كيندي إلى مقر الوكالة، حيث رفض رؤساؤه قبول استقالته، لكنهم رفضوا منحه أي عمل. بعد عدة شهور، اكتشف وجود من 4.000 دولار في حسابه المصرفي - كان ذلك مكافأة نهاية الخدمة، رغم أن أحدا لم يمتلك الشجاعة ليخبره أنه أقيل من الوكالة. وتقول ابنة كيندي، جوليا كيندي كوتشران، الصحافية السابقة: «قاموا بذلك بصورة بالغة الحمق». بعد إقالته، انتقل كيندي إلى الغرب وعمل لعامين مدير تحرير لصحيفة «سانتا باربرا نيوز برس» الصغيرةـ ثم انتقل لمونتري، حيث تولى رئاسة تحرير صحيفة «مونتري ببنسيولا هيرالد»، صحيفة صغيرة حزينة، لكنها بحسب كوتشرات، تحولت إلى صحيفة حاصدة للجوائز. كان ذلك تراجعا كبيرا من مراسل حربي نجم، لكن كيندي تقبله، وبدأ كتابة مقالات الرأي وتغطية اجتماعات مجلس المدينة وتحرير الصحيفة.

ويروي روي مارش، الذي كان مراسلا شابا في الصحيفة، أنه كان عندما يذهب إلى مكتب كيندي ويرى الصفحة الأولى من جريدة «نيويورك تايمز» داخل إطار، واسم رئيسه في العمل تحت خبر استسلام ألمانيا: «هذا ليس مجرد رئيس تحرير عادي لصحيفة صغيرة».

انفصل كيندي عن زوجته، لكنه ابنته قضت فترة مراهقتها في مونتري مع أبيها الذي يفرط في التدخين وحب القراءة، وتذكر كيف كان والدها يتمتع بالنشاط، والذي بدا لسبب غير مفهوم مصابا بنوع من الاكتئاب، ونوع من الكآبة حول شيء ما لم يتحدث عنه.

في ما بعد، تساءلت عما إذا كانت لديه أفكار أخرى بشأن قراره حول تلك الساعة في باريس، رغم إعلانه رسميا أنه لو عاد به الزمن لفعل ذلك مرة أخرى. وفي ليلة مطيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1963، صدمت سيارة كيندي أثناء عودته إلى المنزل، ظل يعالج منها عدة أيام قبل وفاته في سن الثامنة والخمسين، حيث اكتشف الأطباء ورما سرطانيا في حلقه، تسبب في وفاته. كان كيندي كاتبا غزير الإنتاج، بطبيعة الحال، وكان هناك مقال تحرير كان قد كتبه بانتظار النشر. نشره المحررون أثناء وجوده في المستشفى. وجاء ضمن المقال: «إحدى مشكلات نشر صحيفة هي أن عليك بيع شيء ميت. يمكننا أن نبيع أجزاء الأشجار الميتة فقط بخلق وهم بأنها حية. وهو ما نحاول القيام به، بدرجات مختلفة من النجاح، سواء بالعناوين التي تجذب الانتباه أو كتابة مواد تمس قلب وروح الشخص».

بعد الجنازة، اصطحبت والدة كوتشرين، لين كروست - مراسلة الحرب السابقة أيضا - إلى مكتب كيندي. كانت والدتها تعلم أن هناك كنزا يمكن العثور عليه من المخطوطات التي كتبها كيندي في عام 1951، ولم تتمكن من العثور على شخص قادر على نشرها.

حاولت كوتشرين قراءة ذلك على مدى سنوات، لكنها لم تنته منها على الإطلاق، وكان المؤلم بالنسبة إليها أن تتذكر فقدانها لوالدها في سن السادسة عشرة، وظلت محتفظة بها لمدة 40 عاما أثناء زواجها وطلاقها وتغيير عملها. في النهاية، وبعد تقاعدها، وجدت مساحة من الوقت لقراءتها مجددا والحصول على فهم أعمق لوالدها الذي فقدته.

حاولت كوتشرين العثور على شخص يسمح لوالدها برواية قصته. لم يخبرها الناشر - دار جامعة ولاية لويزيانا - بشخصية كاتب مقدمة المذكرات. كان كيرلي، رئيس وكالة «أسوشييتد برس». شعرت كوتشرين بسعادة غامرة عندما قرأت ما كتبه بأنه قال ما لم يقله رؤساء كيندي السابقين ومجلس إدارة «أسوشييتد برس» في تلك الحقبة. كتب كيرلي: «إدوار كيندي كان تجسيدا لأقصى طموحات (أسوشييتد برس) والصحافة الأميركية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»