اتجاه نحو تحديد المحتوى الخبري المجاني للصحف

360 صحيفة أميركية ستقدم محتواها الإلكتروني بمقابل مادي مع نهاية العام الحالي

TT

لم يكن من المفترض أن يمثل الخبر الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن احتمال تقديم «واشنطن بوست» محتواها على الإنترنت نظير مقابل مادي خلال العام المقبل مفاجأة، لكن هذا ما حدث. تتعلق الصدمة باليقين الذي بدا على دونالد غراهام، رئيس شركة «واشنطن بوست»، وهو يتحدث عن هذا الأمر. ويذكر أنه لطالما كان لديه تحفظات جادة بشأن وضع عمل صحافيي شركته وراء الجدران. وبحسب «جيغاوم»، لقد شرح ذلك لوالتر إيزاكسون في معهد أسبين على النحو المبين لاحقا.

يمكن لـ«نيويورك تايمز» أو «وول ستريت جورنال» أن تقدم محتواها بمقابل مادي، لكننا لن نفعل ذلك إذا كان لديك اشتراك في الصحيفة. يتم توزيع صحيفة «واشنطن بوست» الورقية في أنحاء واشنطن العاصمة، لكن أكثر من 90 في المائة أو 95 في المائة من القراء على الإنترنت خارج واشنطن العاصمة. ولا نستطيع أن نقدم لهم الاختيار بين النسخة الورقية والنسخة الإلكترونية. لذا سيعمل نموذج الدفع بطريقة مختلفة بالنسبة لنا. مع ذلك، تفكر «واشنطن بوست» في نموذج تكون فيه الصفحة الرئيسية والمقاطع الأولى من الأقسام مجانية، في حين يشترط الاشتراك للاطلاع على باقي الأجزاء.

وتعد هذه طريقة ذكية تسمح بإلقاء نظرة على محتوى الصحيفة أملا في أن ينجذب القراء ويشعرون بفضول يدفعهم للاطلاع على الباقي. ما الذي تغير إذن؟ كل شيء ولا شيء في الوقت ذاته. تظل «واشنطن بوست» إقليمية بعيدا عن الانتخابات. مع ذلك، تعمل الصحيفة بدأب على حساب التكلفة وتتراجع عائداتها. يجب أن تصبح العائدات الجديدة جزءا من الصورة في مرحلة ما.

ليست «واشنطن بوست» الوحيدة على هذا الدرب، فقد أشارت «بوينتر» يوم الجمعة: «سوف تقدم أكثر من 360 صحيفة أميركية محتواها الإلكتروني نظير مقابل مادي بنهاية العام الحالي»، على حد قول «نيوز آند تيك». ومن بين هذه الصحف «غانيت» و«تربيون» و«ميديا نيوز» و«ميديا جنرال» التابعة حاليا لـ«بيركشاير هاثاواي» المملوكة لوارين بافيت. وبالتأكيد من ضمن تلك الصحف «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال». ومن المتوقع أن تنضم إليها «إي دابليو سكريبس» و«ماكلاتشي» وصحف أخرى خلال العام المقبل.

هل في ظل تكاتف الصحف وبدء تأسيس مجتمعات مغلقة من المحتوى الخبري سيكون هناك نوع جديد من الاستقرار؟ من الصعب حدوث ذلك. ما في طريقه إلى الحدوث هو إعادة ضبط المشهد. تخطف عائدات الإعلانات في صناعة الصحف الأنفاس، ويمكن أن ترى ذلك في الرسم البياني المرعب من ألان ماتر. وتم حسم السؤال الذي بات قديما الآن، وهو: أي جزء من البركان مؤقت وأي جزء دائم؟ لن يعود عالم الإعلانات، وهناك سبب قوي يدفع المرء للاعتقاد أن التراجع في هذا المجال سيستمر على مدى السنوات المقبلة. ويمثل نموذج الاشتراك لحظة اكتشاف الحقيقة بالنسبة للناشرين، الذين باتوا يقرون بحقيقة أنهم سيعملون على نطاق محدود، ومع جمهور أصغر من القراء. إن اضطرار أكثر القراء ولاء وحماسا للصحيفة إلى دفع مقابل مادي يعد وسيلة للاستعداد إلى أوقات عصيبة مقبلة وكأنهم يقولون: «فلنر شكل الأخبار التي سيدعمها قراؤنا».

ويعد نجاح «فايننشيال تايمز» و«وول ستريت» أمرا بارزا، لكن ليس من الجيد القياس على النتائج التي حققتها الصحف التي تغطي أخبار الأعمال وتنشر معلومات تساعد على اتخاذ قرار. كذلك لا تعد تجربة «نيويورك تايمز» الإيجابية مع الاشتراكات في النسخة الإلكترونية مقياسا في هذا المضمار لأسباب مختلفة.

لدى «نيويورك تايمز»، لكونها صحيفة محلية لها موارد عالمية، ملايين القراء المحتملين، لذا إقبال أكثر من نصف مليون من هذا الجمهور يعد مؤشرا جيدا بالنسبة للمؤسسة، لكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك بالنسبة للصناعة.

وأشار غراهام إلى أن عدد مشتركي «بوسطن غلوب»، التي كان يعمل بها رئيس التحرير القادم لـ«واشنطن بوست»، مارتن بارون، 25 ألفا. ويعد هذا رقما منخفضا جدا، لكنه يصلح أن يمثل بداية. وتتجه «وول ستريت»، التي لم تكن من معجبي المؤسسات الصحافية خلال السنوات الماضية القليلة، إلى تبني استراتيجية الدفع مقابل الحصول على المحتوى. بعد سنوات من التراجع، استقرت أسعار أسهم الصحف التي يتم تداولها في البورصة أو ارتفعت بشكل طفيف، بحسب ما أوضح ريتش إدموندز. ومن مزايا الاشتراكات التي يتم اكتشافها هي ما تخلقه من جمهور مميز من القراء. ويمكن للجموع على الإنترنت إعادة تقديم المنتج الذي تطلب عملا شاقا ومالا كثيرا، بسهولة، لكن لا يمكن أن يوجد بسهولة أمثال العملاء الذين يدفعون النقود لقراءة موقع. ووراء الحاجز الذي يفصل بين المحتوى المجاني والمحتوى المدفوع، يوجد قارئ مخلص وفي؛ قارئ تربطه علاقة عميقة بالناشر، ويمكن أن يباع له المحتوى بالتقسيط.

ويعد هذا من ناحية ما تجديدا لمفهوم «الرغبة» الذي تمثله المجلات والذي بات قديما. إن المجلات تقدم محتواها لقرائها بسعر أعلى لأنهم اختاروا الاشتراك. ولا يمكنك شراء القراء الذين دفعوا ليقرأوا بحسب «StarTribune.com»، ويعد هذا تطورا غريبا. وما زالت إتاحة محتوى محدود مجانا على الإنترنت أمرا جذابا حتى هذه اللحظة. مع ذلك، فإن كثيرا من التجارب معرضة لنتائج قاسية. على المستوى العملي، يعد الاشتراك مربحا من جهة، ومقياسا لحجم الإقبال على الإصدار على الإنترنت، من جهة أخرى. إذا كان لديك قراء يكثرون من زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بالإصدار الذي تقدمه واصطدموا بحاجز يمنعهم من الاطلاع على محتوى يجب دفع المال من أجل قراءته، سيتجه بعضهم إلى الاستسلام ويدخلون رقم بطاقتهم الائتمانية.. ويعد هذا من أسباب فشل تجربة «ذا ديلي». لا يمكنك المرور مصادفة بمحتوى عبر تطبيق، ولا يمكن لأحد أن يدفع مقابل الاطلاع على ما لا يدركون أنه قد يهمهم في الأساس.

لن تحظى بالاهتمام تلك الإصدارات الصحافية التي لا تقدم محتوى مهما، أو تلك التي تعيد تقديم معلومات يمكن الحصول عليها من أي مصدر آخر بسهولة. يعد هذا من جانب عودة إلى الأيام التي شهدت تعدد الصحف في سوق واحدة. سيكون الأمر أشبه بصراع ضار على عدد محدود من القراء الذي يرغبون في الدفع. لن يستطيع كثير من الصحف، التي تأثرت سلبا بسنوات من تصفية الاستثمارات في المجال، تقديم حجة تدعم زعمها بتقديم شيء جديد يستحق أن يدفع القراء المال من أجل الحصول عليه.. وقد تكون الوحدة مصير الحياة داخل هذا النوع من البيئات المغلقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»