وسائل الإعلام تشارك في ملاحقة مليونير التقنية الهارب مكافي

كشف وجوده في غواتيمالا على «تويتر» وموقع «غوزمودو»

TT

في نهاية الشهر الماضي، نجح رئيس تحرير مجلة «فايس»، روكو كاستورو، ومعه مصور، روبرت كنغ، في الحصول على فرصة حصرية في دعوة للسفر مع مليونير التقنية الهارب جون مكافي.

قبل سنوات أقام مكافي في مجمع سكني في غابات بليز، يحيط نفسه بحرس مسلح والكثير من محبيه من الشباب. وبعد تقارير تفيد بتورطه في مقتل جار له، تحول مكافي إلى طريد الشرطة. ويوم الاثنين الماضي وبعد عدة ساعات من السفر السري نشر كاستورو وكنغ أول مقالة لهما وكانت تحمل عنوانا مثيرا للدهشة «نحن في صحبة جون مكافي الآن.. أيها المغفلون». بيد أن المقالة كانت قصيرة، وخلال دقائق لاحظ القارئ أن الصورة التي نشرت مع القصة لا تزال تحتوي على بيانات موقع جهاز التموضع العالمي أرسلت من جهاز «آي فون 4 إس»، وأرسلت رسالة عبر «تويتر»: «تحقق من البيانات الوصفية في الصورة». سرعان ما استبدلت مجلة «فايس» الصورة، لكنها كانت متأخرة للغاية.. فهل قدمت المجلة المعلومات الخاصة بالمكان الذي يختبئ فيه جون مكافي عبر المعلومات المدرجة مع الصورة؟ تساءل العنوان الرئيسي في المقال الذي نشره موقع «Wired.com» وتضمن المقال رؤية النقطة المحددة للمكان الذي التقطت فيه الصورة التي التقطت بجانب حمام سباحة في فندق «ماريانا نانا خوانا» في إيزابال في غواتيمالا.

لم يمض وقت طويل إلا وكان جون مكافي في قبضة شرطة غواتيمالا، ولا يزال قيد الاحتجاز ويتوقع أن يتم ترحيله إلى بليز حيث تحاصره الشكوك بارتباطه بجريمة قتل جورج فول، 52 عاما، جاره الأميركي، لكن محامي مكافي تقدموا بطلب لمنع ترحيله.

مأزق مجلة «فايس» كان أحد المنعطفات في العلاقة بين الصحافة، التي دائما ما تبدي رغبة في الحصول على موضوع مثير، ومكافي، الذي كان متشوقا إلى لفت انتباه التغطية الصحافية إلى أغراضه الغريبة غالبا. أول ما كتبت عن مكافي كان قبل خمس سنوات، عندما كان رائدا في صناعة البرمجيات.. كان مواطنا يعيش حياة سوية تودد إلى الصحافة على الأغلب لنشر حياته السابقة، والتنقل بالطائرات. منذ ذلك الحين انتابت حياته العديد الأحداث المثيرة للجدل. وقد نشرت فقط مقالا مطولا بشأن علاقاته مع عصابات المخدرات البليزية على موقع «غيزمودو» على شبكة الإنترنت في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، قلت فيه: «ربما يثير اهتمامك أن تعرف أن جريمة قتل وقعت في مدينة سان بيدرو، وأن أمبيرغريس كاي ومكافي هما المشتبهان الرئيسيان فيها».

نشرت المعلومة على «تويتر» وموقع «غوزمودو» وخرجت الأنباء عن السيطرة. ويقول مات هونان، الكاتب البارز في موقع «ويرد» والذي كتب بشأن القضية: «تناقلت المدونات الخبر وسارع الأفراد إلى البحث عن تغريدة عبر (تويتر)، الأمر الذي دفع الكثير من وسائل الإعلام إلى القول (حسنا) الجميع يتحدثون بهذا الشأن، ينبغي أن تكون لنا قصة أيضا».

لجأ مكافي إلى الاختباء مع صديقته البالغة من العمر 20 عاما، لكنه كان تخفيا ظاهرا للعيان بشكل فريد. وخلال 36 ساعة، بدأ حملة شعواء للتودد إلى الصحافة لتغطية قصته. فبدأ بدعوة جوشوا ديفيس، الكاتب بموقع «ويرد» الذي قضى فصل الصيف في كتابة مقال عن مكافي لينشر في عدد شهر يناير (كانون الثاني) من المجلة، وغذاه بالتفاصيل الرئيسية لحياته وهروبه كل بضع ساعات، وقدم ديفيس تحديثات دقيقة بدقيقة عبر «تويتر» وتدويناته القصيرة.

كان الإعلام الإخباري على مستوى العالم مشغولا بالقضية، فلم يكن اسم مكافي غير مألوف، فقد كان صاحب مكانة مرموقة أثناء بدايات ظهور الحاسبات عندما كان مستخدمو الكومبيوتر يلجأون إلى برنامجه للقضاء على الفيروسات. وكتبت ناتالي ماليناريتش محررة الشؤون الدولية في موقع «بي بي سي»: «مليونير التقنية، مقيم في أميركا الوسطى، قاتل، تدور حوله شبهة الاتجار بالمخدرات.. القصة مكتملة الأركان».

على الرغم من ذلك واجهت مجلة «ويرد» مشكلة، فجريمة القتل وهروب مكافي جعلت مقال ديفيس الذي سيصدر في عدد المجلة غير ذي قيمة. وقامت المجلة وديفيس بتحديث المقال وأعيد طبعه ضمن كتاب إلكتروني بيعت منه أكثر من 22.000 نسخة وحصل على المركز الأول في قائمة «كيندل سنغلز».

لم تستمر الانفرادات الحصرية لديفيس طويلا، فقد كان مكافي يجري على مدار الأسبوع مقابلات هاتفية مع الكثير من الصحافيين. ثم شرع في نشر رسالته عبر وسائل الإعلام الجديد. وأنشأ لنفسه حسابا على «تويتر» بمساعدة رسام كاريكاتير تعرف عليه في سياتل، ومدونة. وللحفاظ على استمرار القصة، واصل مكافي ظهوره على وسائل الإعلام وكشف زيف القصة التي رواها. وأعد مقابلات مباشرة مع صحافي «فاينانشيال تايمز» للمرة الأولى، في أعقاب لقاء مع مارتن سافيدج من قناة «سي إن إن» (وكلاهما طلب منه الانتظار في أماكن عامة ثم نقلوا إلى مكان لقاء مكافي في موقع غير معروف بالنسبة لهم).. ثم في تصرفه الأخير الجريء، دعا صحافي مجلة «فايس» إلى مصاحبته.

بالنسبة للصحافيين، تأتي المقابلات مع مكافي ضمانة للحصول على عدد وافر من القراء والمشاهدين ومحبي الشبكات الاجتماعية. لكن الكثير وجدوا أن ذلك لم يكن بالأمر الجيد.. فقد بدا واضحا أن مكافي يفهم ديناميكيات الصحافة جيدا ويعلم أي الروايات التي يمكن للصحافيين أن ينقلوها من دون تدقيق أو تعديل - مثل زعمه بأنه راوغ الشرطة من خلال دفن نفسه في الرمال ووضع صندوق على رأسه - على الرغم من أن روايته التي ابتكرها بنفسه تميل إلى أن تكون أكثر خيالية.

ويقول جويل جونسون، من مجلة «غوزمودو»، الذي وجد نفسه بلا عمل في أعقاب نشر المقال الذي لم يعجب مكافي: «ما إن يبدأ الصحافيون في التساؤل (انتظر لحظة، نحن نخاطر بموضوعيتنا وسمعتنا من أجل هذا الشخص)، فسوف يجهز على مستقبلهم وينتقل إلى الشخص التالي. هذا ما فعله بالنسبة لي، وما فعله مع الكثير من الصحافيين، وسوف يفعله مع صحافيي (فايس)، إن لم يكن قد فعل ذلك بالفعل».

كانت العلاقة بين «فايس» ومكافي تبدو طيبة حتى بعد الخطأ الواضح الذي هدد حريته. غير أنه بعد نشر التفاصيل الخاصة بالمكان الذي يختبئ فيه عبر الإنترنت سرعان ما لجأ مكافي إلى الإنترنت للزعم بأن البيانات التي تم تسريبها كانت نوعا من الخداع المتعمد. وقد دعم كنغ، مصور «فايس»، هذا الزعم على مواقع الإعلام الاجتماعي.

لكن مجلة «فايس» أوضحت في بيان لها أنها لن تعلق على تقريرها بشأن قضية مكافي.

وقالت المجلة: «الرحلة التي قمت بتأريخها من البداية كانت مليئة بالمعلومات المغلوطة والشائعات والأساطير التي تتناولها وسائل الإعلام الاجتماعي، وهي كذب صريح وغريبة بالكامل. وعلى الرغم من مسارعة بعض الوسائل الإعلامية إلى إظهارنا في صورة سيئة قررت (فايس) الانتظار والحديث إلى أفراد فريقها الذين كانوا بالفعل على الأرض والذين كان بمقدورهم إطلاعنا على ما دار حقيقة لا مجرد الشائعات والأساطير والجنون الذي يثار، وهو ما تكونت منه هذه القصة منذ البداية».

والحقيقة أنه على الرغم من رغبة مكافي في إطالة أمد قصته قدر الإمكان، لكن بعض الصحافيين الذين غطوا قصته قالوا إنهم سئموا من ذلك. وقال جونسون، الذي كتب رسالته الأخيرة بشأن مكافي قبل ثلاثة أسابيع: «يحاول الناس التعامل بأخلاقية، وهو يحاول استنفاد ذلك منهم إلى أن يصلوا إلى الحد الذي يقولون فيه لأنفسهم (لقد كنا أغبياء)، أنا أعلم كصحافي أنني لن أقول ذلك، ولذا رفضت الاستمرار في كتابة هذه القصة».

* خدمة «نيويورك تايمز»