قيادة صحيفة «وول ستريت جورنال» في مفترق طرق

بعد تقسيم «نيوز كوربوريشين» إلى شركتين مع بداية العام المقبل

روبرت طومسون
TT

لم يتقبل الكثيرون رهاني أمام روبرت ميردوخ بمن فيهم أنا. عندما اشترى صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2007 واستعان بروبرت طومسون كمساعد موثوق فيه قادم من صحيفة «تايمز أوف لندن»، قلت إنه قد يدمر واحدة من أهم الصحف في البلاد، لكن هذا لم يحدث.

وظهرت نسخة طومسون من «وول ستريت جورنال» بتركيز أكبر على الأخبار العامة مع طبعة خاصة يوم السبت ومجلة فاخرة مما جعلها تحقق نجاحا وتلقى قبولا لدى القرّاء. ربما تكون قد فقدت الفخامة الأدبية التي كانت تتمتع به في السابق، لكن أوضح الرؤساء الجدد أن هذا لم يكن ضمن الأولويات.

وزاد عدد مشتركي الصحيفة لتصبح بذلك أكبر صحيفة في الولايات المتحدة بحسب أرقام توزيعها ووصلت إلى مجموعة جديدة من المعلنين خارج دائرة الأعمال المحدودة. ومن الصعب معرفة النتائج المالية، لكنها لن تظل غامضة لفترة طويلة.

وسوف تنقسم «نيوز كوربوريشين» إلى شركتين في بداية العام المقبل وستحصل «فوكس غروب» على الأصول الترفيهية وسيظل الجزء الخاص بالأصول المتعلقة بالنشر يحمل اسم «نيوز كوربوريشين». وبذلك سيتمكن ميردوخ من الاستثمار في الصحافة الورقية من دون إثارة غضب المستثمرين، لكن لن تصبح عملية النشر مرتبطة بالعائدات التي تصل إلى مليارات من برامج مثل «أفاتار» و«أميريكان أيدول»، وتسعى «فوكس نيوز» إلى تحقيق التحدي المتمثل في تحقيق المزيد.

ويقع هذا التحدي على عاتق طومسون، رئيس التحرير الرائد، لكنه ليس بشخص أشرف على عمليات نشر واسعة تتضمن أصول بثّ في أستراليا فضلا عن صحف هناك وفي بريطانيا وكذلك «نيويورك بوست» و«داو جونز نيوزوايرز» وبطبيعة الحال «وول ستريت جورنال». سيكون من الصعب تحقيق نجاح ساحق في كيانات صحافية تشهد نموا بطيئا، حيث تمثل عائدات دار النشر التابعة لـ«نيوز كوربوريشين» نحو 24% من إجمالي العائدات، لكنها لا تمثل سوى 11% من الأرباح. ويحيلنا هذا إلى من وما يخلّفه طومسون وراءه في «جورنال» و«داو جونز»، وهما محور قسم النشر.

ستضع ترقية طومسون الصحيفة في أيدي نائبه، غيرارد بيكر، الذي سيخلفه في منصب مدير التحرير، في حين سيصبح ليكس فينويك، ناشر «جورنال» والرئيس التنفيذي لـ«داو جونز». وتم تسجيل الاحتفال بدخول الصحيفة عهدا جديدا في مقطع مصور نشر على الإنترنت بعد دقائق من حدوثه يوم الاثنين الماضي. وظهر كل من ميردوخ وبيكر في المقطع وهما يحتفلان، بينما كان طومسون يشاهد ما يحدث. لقد احتفلا بذات الطريقة التي عادة ما تتم في صالة التحرير عند الفوز بجائزة «بوليتزر» وهو أمر لم يحدث من خمسة أعوام في «وول ستريت جورنال». يشعر الكثير من العاملين الحاليين والسابقين ممن تحدثت معهم بالقلق بسبب رحيل طومسون لاعتقادهم أن بيكر وفينويك غير قادرين على الاضطلاع بهذه المهمة. لبيكر التوجه السياسي نفسه الذي يتبناه طومسون، لكونه كاتب عمود من المحافظين الجدد من بريطانيا، لكنه لا يمتلك سوى جزء صغير من خبرته الإدارية أو تاريخه في إعادة هيكلة صالات التحرير. لقد كان بيكر كاتب عمود في «تايمز أوف لندن» ومدير تحريرها في الولايات المتحدة وكذلك عمل كرئيس لمكتب صحيفة «فايننشيال تايمز» في واشنطن. واتضح بغضه للإدارة الحالية خلال ظهوره على «فوكس نيوز» عندما سخر من الرئيس بوصفه إياه بأنه مثل المسيخ الدجّال. بعد ثلاث سنوات من عمل بيكر كنائب مدير تحرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، لا يعتزم اعتبار صالة التحرير شغله الشاغل ومحور اهتمامه. وتجول يوم الثلاثاء، وهو اليوم التالي ليوم تعيينه، في أروقة الصحيفة وكانت رؤية الصحافيين له أمرا مثيرا للدهشة.

عندما انتقل بيكر للعمل في صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2009. لم يخجل، بفعل الاهتمام ومهاراته ككاتب عمود ومعلق إخباري، كما كتبت من هذا المنبر في الماضي، من فرض آرائه السياسية والدينية على التغطية الإخبارية. وما زال هذا التوجه سائدا حتى هذه اللحظة بحسب ما يقوله العاملون الحاليون.

يا لها من مفارقة أن يتحسر العاملون على مغادرة طومسون، الذي كانوا يخافونه، حيث يثير بيكر في نفوسهم خوفا أكبر كما عرفت من الذين تحدثت معهم. أصبح تولي بيكر خلفا لطومسون مؤكدا عندما قال آلان موراي، الذي يعمل محرر في الصحيفة منذ وقت طويل والذي كان يعتقد كثيرون أنه من سيخلف طومسون، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). إنه سيغادر الصحيفة لتولي منصب رئيس مركز بيو للأبحاث. من الواضح أن ميردوخ وطومسون يثقان في بيكر، لكنه لا يتمتع بالخبرة الكافية التي تمكنه من إدارة كيان صحافي كبير وما به من عوالم مختلفة. وأمامه الكثير ليفعله حتى يثير إعجاب الصحافيين المتشككين.

من المؤكد أن فينويك اضطلع بمهام صعبة في السابق عندما تولى إدارة «بلومبيرغ إل بي». ويثير فينويك، الرئيس المتفاخر وصعب المراس لكلية «غلينغاري غلين روس» للإدارة، في نفوس العاملين لديه على الأقل الذين لا يزالون يعملون بعد تطهير صالة التحرير واستجلاب موالين له من وكالة أنباء «بلومبيرغ» التي عمل بها لمدة 25 عاما. وبعد توليه المنصب بداية العام الحال خلفا لليس هينتون، المتورط في فضيحة التنصت الشهيرة في بريطانيا، فكك جناح المسؤولين التنفيذيين وأصدر أوامر للمديرين بمغادرة مكاتبهم للجلوس في طابق مفتوح يشبه بيئة العمل في «بلومبيرغ». لسوء الحظ، كانت نتائج نهج الإدارة الذي يتبعه عكسية، حيث تراجعت تقييماته في ملفه الوظيفي خلال سنوات عمله الأخيرة وفقد منصبه كرئيس تنفيذي للمؤسسة بأكملها عام 2008 وتولى مسؤولية إدارة «بلومبيرغ فينشرز». ويحاول جاهدا أن يجعل لـ«داو جونز» تأثيرا في مجال البيانات المالية من خلال ابتكار منتج له اسم تجاري على الإنترنت من أجل منافسة «رويترز» و«بلومبيرغ» بدلا من تحميل معلومات الشركة على بوابات المنافسين. ورغم تبجيله لطومسون، عادة ما يوبخ ويتعامل بقسوة مع الذين يعملون لديه بشكل علني بحسب ما يقوله مسؤولين تنفيذيين آخرين شاهدوا مثل هذه الوقائع.

ويشير مقال مطول على «رويترز» خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) إلى أن فينويك كان شاذا ومنحرفا أخلاقيا ومن الصعب العمل معه واتفق كثيرون ممن تحدثت معهم في صحيفة «وول ستريت جورنال» مع هذا القول. وهو حاليا في موقف محرج، حيث أصبح مرؤوسا لطومسون الذي كان هو رئيسه. وتمثل اختيارات ميردوخ القيادات الجديدة لشركته خطرا على «وول ستريت جورنال» والعاملين بها وقرّائها مثلي، من الذين لا يزالون يقدّرون الصحف الورقية. إن هذا اختيار ميردوخ، فهل أراهن على فشلهما؟ ربما، لكن يبقى هذا مجرد احتمال. لقد راهن ميردوخ بشركته عليهما.

* خدمة «نيويورك تايمز»