هل تنجح «الجزيرة» في غزو البيت الأميركي بعد صفقة «كرنت»؟

«بي بي سي أميركا» فشلت في فك شفرة السوق الأميركية

مقر مكاتب محطة تلفزيون الكابل «كرنت تي في» في سان فرنسيسكو (أ.ف.ب)
TT

تعد برامج التلفزيون الأميركية واحدة من صادرات البلاد الأكثر نجاحا، ولكن هناك القليل من القنوات التلفزيونية العالمية التي تحقق نجاحا على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة. لكن هذا الوضع أصبح على وشك أن يتغير مع شراء شبكة «الجزيرة» لتلفزيون «كرنت تي في» - محطة عمرها 7 أعوام تعمل بنظام المشتركين وشارك في تأسيسها نائب الرئيس السابق آل غور.

لم يتم الإعلان عن شروط الصفقة، لكن صحيفة «ترايد جورنال فارايتي» ذكرت أن شبكة «الجزيرة» دفعت نحو 500 مليون دولار، كان نصيب آل غور منها نحو 100 مليون دولار. ورؤية آل غور للقناة كان من شأنها أن تجذب مشاهدين شبابا إلى القضايا الساخنة في عصرنا والأكثر رواجا على الإطلاق. ولكن بفضل إبرام بعض الصفقات الحذرة مع شركات تلفزيون تعمل بالاشتراك فإنه يتم بث المحطة لنحو 40 مليون أسرة في الولايات المتحدة.

أما الآن فإن معظم هؤلاء سوف يستقبلون بث قناة «الجزيرة» التي تخطط لإحداث زيادة جذرية في تغطيتها للولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه أيضا إلى أن تقدم للمشاهدين الأميركيين بديلا لقنوات الأخبار الرئيسية التي تهبط غالبا إلى مستوى مظاهر الاحتفالات الشوفينية (النعرة الوطنية المتعصبة) حينما تغطي تأثير أميركا على العالم الذي لا يزال عميقا.

وتأمل شبكة «الجزيرة»، عملاق الأخبار على مستوى العالم العربي، أن تسد هذه الفجوة. وتعتقد «الجزيرة» أن هناك طلبا صحيا على مشاهدة العالم من خلال وجهة نظر غير مرتكزة على الولايات المتحدة الأميركية، مستندة في اعتقادها هذا على أن أكثر من 40 في المائة من مشاهدي قناة «الجزيرة» الإنجليزية هم من الولايات المتحدة.

وقال أحمد بن جاسم آل ثاني المدير العام لشبكة «الجزيرة»: «مشاهدو التلفزيون في الولايات المتحدة أظهروا بوضوح أنه تروق لهم الطريقة المقنعة والمتعمقة التي تقدم بها (الجزيرة) الأخبار لجمهورها في جميع أنحاء العالم.. لسنوات عديدة، كنا ندرك أنه بإمكاننا أن نقدم مساهمة إيجابية في مجال الأخبار والمعلومات المتوفرة في الولايات المتحدة وعنها وأن ما نعلن عنه اليوم سيساعدنا على تحقيق هذا الهدف».

لكن النجاح، إلى حد كبير، ليس مضمونا.. فحتى هيئة الإذاعة البريطانية في أميركا (بي بي سي أميركا)، والتي يمكنها الاعتماد على واحدة من أكثر العلامات التجارية احتراما في عالم البرامج، تجد أنه من الصعوبة بمكان بالنسبة لها أن تحل شفرة السوق الأميركية، وحتى عقب الصفقات التي أبرمتها مع شركتي «تايم وورنر وكومكاست» فإنها توجد الآن في نحو 25 مليون منزل في الولايات المتحدة.

وتتزامن عملية شراء قناة «كرنت» مع إطلاق «الجزيرة» قناة في الولايات المتحدة لإعطاء دفع لدخولها بشكل أوسع إلى منازل الأميركيين، معتمدة بذلك على العدد الكبير لمستخدمي خدمتها بالإنجليزية على الإنترنت. وستكون القناة التي تمولها الحكومة القطرية في منافسة أكبر مع «سي إن إن» وقنوات أميركية أخرى جديدة، لأن بث «الجزيرة» يؤمن من قبل شبكة أميركية للكابلات وخدمة البث على الأقمار الاصطناعية.

وتؤكد «كرنت تي في» أنها تدخل إلى 60 مليون منزل أميركي. وقال غور المسؤول عن مقر القناة في سان فرانسيسكو وجويل هيات أحد مؤسسي القناة ورئيس مجلس إدارتها في بيان: «إننا فخورون وسعداء بأن (الجزيرة) الشبكة الإخبارية الدولية المرموقة اشترت (كرنت تي في)».

وأضاف البيان أن أهداف «كرنت تي في» تتمثل في «إعطاء منبر للذين لا يسمع صوتهم وعرض وجهات نظر مختلفة ومستقلة ونقل الأخبار التي لا ينقلها أحد سواها».

وأكد البيان أن «الجزيرة» تشاركها في هذه الرؤية الإعلامية. وقالت «الجزيرة» في بيان منفصل إن مقر القناة الجديدة سيكون في نيويورك وستبث أخبارا محلية وأجنبية للمشاهدين الأميركيين عند إطلاقها هذه السنة. وستزيد عدد موظفيها الأميركيين ليتجاوز الـ300، وإضافة إلى مكاتب «الجزيرة» الإعلامية في نيويورك وواشنطن ولوس أنجليس وميامي وشيكاغو ستفتح هذه القناة مكاتب إضافية في مدن أساسية في الولايات المتحدة بحسب ما قالت المؤسسة. وقال مدير عام «الجزيرة» أحمد بن جاسم آل ثاني إنه «من خلال شراء (كرنت تي في) ستزيد (الجزيرة) إلى حد كبير قدراتها في جمع الأنباء ونقلها».

وقرار «الجزيرة» إنشاء قناة إخبارية مقرها في الولايات المتحدة يستند إلى حد ما على الاهتمام الكبير الذي أبداه الأميركيون بأخبارها وبرامجها بحسب ما ذكرته المؤسسة. وأضافت القناة في بيان أن «نحو 40 في المائة من المشاهدين الذين يتابعون أخبار (الجزيرة) بالإنجليزية على الإنترنت من الولايات المتحدة».

وبحسب مصادر «نيويورك تايمز»، فإن شبكة «الجزيرة» ستستوعب قسما من القوى العاملة في القناة لكنها ستنشئ قناة جديدة مقرها في نيويورك وسيطلق عليها على الأرجح اسم «الجزيرة أميركا».

وأكد هيات للعاملين في القناة في بريد إلكتروني أنه سيكون مع غور من المستشارين للقناة الأميركية. وقال هيات «نتطلع بشغف للمساهمة في بناء شبكة إخبارية مهمة». ونالت القناة جائزتي «إيمي» وجوائز أخرى، لكن صحيفة «تايمز» ذكرت أنه تقرر بيع قناة «كرنت تي في» بسبب نسبة المشاهدة المنخفضة التي وصلت إلى 42 ألف مشاهد فقط العام الماضي.

وتواجه «الجزيرة» عائقا مبكرا تمثل في إعلان شركة «تايم وارنر» الإعلامية التوقف عن تقديم «كرنت تي في» في شبكتها للكابل بعد التغيير في ملكيتها. وقالت شركة «تايم وارنر»، ثاني أكبر شركة خدمات كابل في الولايات المتحدة الأميركية، إنها تبحث في إزالة القنوات ذات المشاهدة المنخفضة من شبكتها، ومثل هذا الإجراء يعطيها القدرة على فك العقد الذي ترتبط به. وفي الوقت الحالي تدخل شبكة «الجزيرة» 4.7 مليون منزل، وبعد إبرام هذه الصفقة فإنه بإمكانها أن تصل إلى ما يقدر بـ40 مليون منزل.

وعلى الرغم من ذلك فإن الأرقام الدقيقة غير واضحة لأن بيع «كرنت تي في» يسمح للشركات التي تعمل بنظام الاشتراك بوقف بث القناة على باقة برامجها. وقد يتلاءم ذلك مع الشعور بالعداء الذي واجهته «الجزيرة» من جانب الكثير من شركات وسائل الإعلام الأميركية في بلد كان ينظر إليه في الماضي على أنه يتعاطف مع خصوم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولم تحظ قناة «كرنت تي في» التي أسسها آل غور مطلقا بشعبية كبيرة بين المشاهدين، لكنها حققت نجاحا من خلال مزودي المحطات الكابلية والفضائية. حينما شارك في تأسيس المحطة في عام 2005، تمكن آل غور من جعلها تخترق عشرات الملايين من المنازل – وهو عدد ضخم بالنسبة لشبكة لم تتم تجربتها بعد – عبر مجموعة من عمالقة جماعات الضغط الشخصي ولي الذراع العاملة في مجال الصناعة.

وقد بحث عن تلك المهارات مجددا حينما قرر في ديسمبر (كانون الأول) بيع قناة «كرنت تي في» إلى شبكة «الجزيرة» القطرية مقابل 500 مليون دولار. وللحفاظ على الصفقة – ومبلغ المائة مليون دولار المقدر الذي سيحصل عليه شخصيا – توجه إلى بعض من هؤلاء الموزعين أنفسهم، ممن كانوا يبحثون عن مبرر لإسقاط المحطة ذات التصنيف المتدني، وذكرهم بأن العقود التي أبرموها مع محطة «كرنت تي في» تشير إلى المحطة بوصفها محطة إخبارية.

هل سيقول الموزعون إن نسخة أميركية من شبكة «الجزيرة» لا تصلح، على نحو يمكن أن يستحضر للشركة الشرق أوسطية التي تعد من عمالقة قطاع الأخبار؟ نجح غور، الذي خسر آخر أكبر حججه القانونية في عام 2000. الأسبوع الماضي، تم الإعلان عن صفقة سوف تدخل علامة «الجزيرة» إلى ما لا يقل عن 40 مليون منزل في الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإنها أيضا ستجعل آل غور، الذي تقدر ثروته بأكثر من 100 مليون دولار، رجلا أكثر ثراء.

ودهش المسؤولون التنفيذيون والمراقبون من السعر المرتفع والقرار الذي اتخذه آل غور، أحد أشهر مؤيدي اتخاذ إجراء لمكافحة الاحتباس الحراري، ببيع المحطة. كان العنوان المنشور على افتتاحية موقع «فوكس نيوز» الإلكتروني يوم الخميس الماضي هو «رائد مكافحة الاحتباس الحراري آل غور يصبح ثريا ببيع محطة (كرنت تي في) لشبكة (الجزيرة) القطرية».

وقال محللون إن «الجزيرة» قد دفعت مبلغا طائلا نظير الحصول على محطة «كرنت». «تفوق العرض المقدم من قطر بدعم محطة (الجزيرة) على أي عرض آخر عقلاني مقدم من أي جهة أخرى»، حسبما أفادت به شركة الأبحاث «بريفكو» في مذكرة بعثت بها إلى عملاء. لم يرد آل غور بشكل مباشر على تلك الانتقادات يوم الخميس. لكن في رسالة بريد إلكتروني كتبها عن سبب بيعه المحطة، يقول: «إنني فخور تماما بما قد تمكنت محطة (كرنت) من تحقيقه. لكن وسائل الإعلام المبثوثة تعد نوعا من الأعمال التجارية، وكونك منتج محتوى مستقلا في فترة زيادة الدعم يشكل تحديا». لم تكن محطة «كرنت» مطلقا وظيفة بنظام الدوام الكامل بالنسبة لآل غور.. فهو مؤسس مشارك لشركة «جينيريشن إنفستمنت ماندجمنت»، شريك الاستثمار في شركة رأس مال المخاطرة في «وادي السيليكون»، «كلينر بيركينز كوفيلد آند بايرز»، ومستشار لشركة «غوغل» وعضو مجلس إدارة بشركة «أبل».

علاوة على ذلك، فهو أيضا رئيس مجلس إدارة شركة غير هادفة للربح تحمل اسم «كليمت ريالتي بروجكت». وهو قلما يظهر أمام الكاميرات على محطة «كرنت». لكن، بوصفه رئيس مجلس إدارتها، نظر إليه باعتباره يشكل أهمية في عملها. ويقول مسؤول تنفيذي بمحطة «كرنت تي في»، أصر على عدم الكشف عن هويته لحماية علاقات العمل: «حينما تعلق الأمر بقضايا التوزيع، دائما ما كان متاحا للقيام بذلك الاتصال النهائي. دوما كان الأقرب».

وانبثقت محطة «كرنت» عن «نيوز وورلد إنترناشيونال»، المحطة الخاصة التي اشتراها آل غور وشركاؤه في العمل في عام 2004 نظير مبلغ لم يتم الكشف عنه. كان أكبر موزعي «نيوز وورلد» في ذلك الوقت هو محطة «دايرك تي في»، التي باعت الخدمة التلفزيونية إلى 20 مليون منزل، وكان الرجل الذي على وشك أن يصبح الشريك المسيطر في «دايرك تي في» هو روبرت مردوخ، الرئيس التنفيذي لمحطة «نيوز كوربوريشن».

وفي اجتماع عقد في نيويورك، ركن آل غور إلى مردوخ في تعاقد ممتد برسم مربح لكل مشترك. وأكد آل غور على أن «دايرك تي في» يجب أن تحمل «مجموعة متنوعة من المصادر الإخبارية». ضمن التعاقد الناتج لمحطة «كرنت» 10 سنتات لكل مشترك شهريا وساعد آل غور في تأمين التمويل الذي احتاجه للاستحواذ على «نيوز وورلد».. فضلا عن ذلك، فقد وضع أيضا القاعدة الأساسية لتوسعات مماثلة بالاستعانة بموزعين أصغر.

ولهذا، تمكنت محطة «كرنت»، على الرغم من امتلاكها أحد أضعف الجماهير بالنسبة لأي محطة كابلية توزع على نطاق واسع، من تحقيق عائد سنوي يقدر بنحو 100 مليون دولار. نهض آل غور بدور في إدارة «كرنت»، منتقيا بعض المذيعين للمحطة، من بينهم كيث أولبرمان وجنيفر غرانهولم في عام 2011، وبديل أولبرمان وإليوت سبيتزر في عام 2012 (تسترجع غرانهولم اليوم الذي ظهر فيه آل غور فجأة بقولها: أصبحت لدينا هذه الشبكة، وهذه انتخابات مهمة بالفعل. نحن لا نرغب في برنامج سياسي عن الانتخابات.. هل ستكون مهتما بتقديم المساعدة؟). غير أنه لم يتمكن أي من المقدمين من جذب جمهور من الضخامة بحيث يرضي الموزعين، ولا سيما «تايم وارنر كابل»، التي استمرت تحذر لأكثر من عام من أنها ربما تسقط محطة «كرنت» من مجموعة محطاتها. وأخبر آل غور، الذي أحبط جراء التصنيفات المتدنية، مساعديه بأنه يشعر بأن له تأثيرا أكبر عبر مدونة «AlGore.com» وعبر تدريب المتطوعين منه عبر «كرنت».

في الصيف الماضي، بدأ آل غور دعم تغطية انتخابية بنفسه، لكن في ذلك الحين، كان هو والمؤسس المشارك جويل هيات، عازمين على بيع المحطة. في الخريف، دعا المصرفيون مجموعة من الشركات الإعلامية البارزة، من بينها «نيويورك تايمز»، إلى النظر في سجلات محطة «كرنت» وتلقوا اتصالات من أطراف معنية، من بينها شبكة غلين بيك على الإنترنت التي تحمل اسم «ذا بليز»، والتي على غرار محطة «الجزيرة» كانت تسعى لإتمام صفقات مع الموزعين.

كان احتمال إبرام آل غور صفقة مع بيك، الذي يعد من أقوى المنتمين لتيار المحافظين، أبعد من إبرام آل غور صفقة مع شبكة «الجزيرة». قال بيك في برنامجه الإذاعي يوم الخميس إن عرض شركته قد رفض «خلال 15 دقيقة». لا ينظر آل غور، الذي سيملك مقعدا غير مدفوع في مجلس محطة «الجزيرة» الجديد، للأمر بهذه الطريقة. وقال إن محطة «الجزيرة» تعتبر إحدى أشهر الشركات الإعلامية في العالم.

وقال: «نطاق انتشارهم العالمي لا يضارعه مثيل وتغطيتهم للأحداث البارزة مثل الربيع العربي شاملة ونزيهة وإخبارية».

من جهته، قال فيليب سيب، مؤلف كتاب «تأثير قناة الجزيرة»، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «سيظل هناك أناس لن يشاهدوها. أناس سيقولون إنها (شبكة إرهابية)». وأضاف: «سيكون على قناة (الجزيرة) أن تتخطى ذلك من خلال تقديم أخبار ذات جودة».

لكن آل غور، من وجهة نظره الشخصية، يعتقد أن «الجزيرة» لا تستحق هذه السمعة. وقال آل غور في بيان إنه «جرى إنشاء محطة (كرنت تي في)، بناء على عدة أهداف رئيسية قليلة: منح حق التعبير لأولئك الذين لا تسمع أصواتهم عادة، وقول الحقيقة للسلطة، وتقديم وجهات نظر مستقلة ومتنوعة، وتناول القصص الإخبارية التي لا يتناولها أحد آخر». وتعتقد «الجزيرة»، مثلها مثل محطة «كرنت تي في»، أن «الواقع والحقيقة يؤديان إلى فهم أفضل للعالم من حولنا».