الرئاسة المصرية تدافع عن نفسها: لا نقمع وسائل الإعلام

نفت ما نشرته «واشنطن بوست».. وتقرير حقوقي ينتقد ملاحقتها للإعلاميين

TT

في خطوة وصفها مراقبون بأنها قد تكون مسلكا إعلاميا جديدا تنوي رئاسة الجمهورية في مصر اتباعه للرد على منتقديها من وسائل الإعلام العالمية، وذلك في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، وجه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية الدكتور ياسر علي رسالة نصية قبل يومين إلى قسم «بريد القراء» بصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية على موقعها الإلكتروني، كنوع من أنواع الرد على إحدى المقالات التي كانت قد نشرتها الصحيفة في افتتاحيتها بعددها الصادر يوم 14 يناير (كانون الثاني) الحالي، بعنوان «مناخ ترهيب الإعلام في مصر»، الذي وصف النظام الإسلامي الجديد الذي ينتمي إليه «مرسي» بأنه «مستبد آخر»، يمارس ضغوطا كبيرة على وسائل الإعلام، ويسعى إلى كبح الحريات وتقييد الآراء والانتقادات.

وهو ما دعا المتحدث باسم الرئاسة المصرية للرد على المقال الأميركي تحت عنوان «مصر لا تقمع وسائل الإعلام»، قائلا: «نشعر بقلق بالغ من أن الصحيفة الأميركية تستند في ادعاءاتها إلى حجج واهية لا أساس لها من الصحة، وعلى ما يبدو أنها تدعو الرئيس المصري محمد مرسي إلى قمع الحريات في مصر بشكل انتقائي».

وأكد علي أن مكتب الرئيس تقدم بشكاوى عدة ضد الأخبار المفبركة وغير الصحيحة، «ولكن على حد علمنا، لم نرَ مذيع أخبار أو مقدم برنامج تم الانقضاض عليه أو اختطافه من البث المباشر على الهواء لمجرد انتقاده الحكومة أو النظام الجديد، على خلاف ما وصفته الصحيفة في مقالها السابق»، مشيرا إلى أن الصحف القومية التي تديرها الدولة توجه انتقادات لاذعة، وتحمل مقالات قاسية ضد الرئيس مرسي والحكومة.

وأضاف: «علاوة على ذلك، يبدو أن الصحيفة أشارت إلى أنه كان ينبغي على الرئيس مرسي أن يأمر بقمع الاحتجاجات السلمية التي اندلعت خارج مدينة الإنتاج الإعلامي في الشهر الماضي، لمجرد أن المتظاهرين كانوا يعربون عن شكاوى تصب في صالح الرئيس مرسي، ويحتجون على المادة الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام المستقلة»، وشدد على أن الحرية في مصر ما بعد الثورة يجب أن تأتي وفقا للقانون، وليس حسب أهواء الرئاسة.

وتابع علي قائلا: «على الرغم من أن النائب العام الذي تطرقت إليه الصحيفة في افتتاحيتها معيَّن من قبل الرئيس، إلا أنه لا يمكن إقالته بقرار رئاسي ويعمل بشكل مستقل».

وأخيرا، رد ياسر علي على ما نشرته الصحيفة الأميركية بأن أنصار الرئيس مرسي متورطون في مقتل أحد الصحافيين، وهو الصحافي الشاب الحسيني أبو ضيف، قائلا: «إن تقرير الطب الشرعي أكد أن نوع الرصاص الذي قتل الصحافي هو نفس النوع الذي تسبب في مقتل 7 من المؤيدين للرئيس في المظاهرات نفسها».

وانتهى المتحدث الرئاسي قائلا: «لقد نجحت مصر في الموافقة على الدستور، وقريبا ستكون هناك هيئة تشريعية منتخبة على الأسس التي يقرها الدستور، فالرئيس مرسي يواصل دعمه وتأييده الثابت لمصر جديدة يسود فيها حكم القانون على الجميع بما في ذلك مكتب الرئيس».

وكانت الصحيفة الأميركية قد انتقدت، في افتتاحيتها، ما وصفته بمناخ الترهيب في مصر، وقالت «إن الإجراء الأكثر أهمية للحكومة في مصر لن يكون في كيفية إدارة الاقتصاد، أو ما إذا كانت ستحتفظ بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنه سيتمثل في مدى محافظتها على المعايير الديمقراطية التي أتاحت لها الوصول إلى سدة الحكم».

وأضافت الصحيفة الأميركية أن الشعب المصري لو امتلك القدرة على انتقاد أداء الحكومة بحرية والتصويت في نهاية المطاف باستبعادها إذا أخفقت، فإن أخطاء الرئيس محمد مرسي الحتمية وتجاوزاته وانتهاكاته العرضية ستكون قابلة للتصحيح.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ما زالوا مصرين على أنهم ملتزمون بالنظام الديمقراطي، ويسعون إلى حماية حرية الصحافة والسماح لأحزاب المعارضة بالعمل بحرية مطلقة، على الرغم من الدلائل المثيرة القلق، التي ظهرت في الأشهر القليلة الماضية بأنهم لا يلتزمون بتلك الوعود.

ولفتت الصحيفة إلى أن بوادر انتهاك الديمقراطية في مصر من النظام الإسلامي الجديد باتت واضحة، وفي مقدمتها الضغط المتزايد على الصحافيين والنقاد البارزين، الذي تعرض كثير منهم لتحقيقات جنائية وشكاوى في هذا الصدد. وتتراوح تلك التهم والبلاغات من نشر الأخبار الكاذبة إلى قضايا ازدراء الأديان، مرورا بقضايا إهانة الرئيس مرسي.

ودللت الصحيفة على هذا التحليل من خلال ما تعرض له الشخصية الكوميدية باسم يوسف في برنامجه الهزلي «البرنامج» من تحقيقات جنائية، بعد عرض صورة مسيئة للرئيس مرسي على وسادة حمراء اللون.

وانتهت الصحيفة لتقول إن الحكومة والنظام بدآ يتبعان مناخا مريبا من «الترهيب» لفرض أجندتهما على الشعب المصري بطريقة مختلفة بعض الشيء، وهو ما بدا جليا عندما حاصر مجموعة من الإسلاميين المؤيدين للداعية حازم صلاح أبو إسماعيل مدينة الإنتاج الإعلامي والقنوات التلفزيونية المستقلة.

وكانت الحكومة الأميركية قد أصدرت بيانا شديد اللهجة قبل أيام، أبدت فيه قلقها من تقييد الحكومة المصرية حرية وسائل الإعلام والانتقاد، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، في تصريحات رسمية، إن «أحد الجوانب الأساسية للديمقراطية السليمة هو أن يتمكن الناس من انتقاد حكومتهم، وأن تكون هناك صحافة حرة لا تتعرض للملاحقة القضائية، لذلك نعارض بشدة فرض أي قيود قانونية على حرية التعبير، ونحث الحكومة المصرية على احترامها كواحد من الحقوق العالمية».

ومن جانبه، انتقد إليوت أبرامز المحلل الأميركي مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، في مقال على موقع المجلس، تزايد ملاحقات الإعلاميين والصحافيين منذ تولي الدكتور محمد مرسي السلطة، مما يجعل النظام المصري «الإخواني» يبدو كأنه يسير على خطى «مبارك» إلى حكم سلطوي جديد، في حين أن أميركا إما صامتة أو مكتفية بعبارات غير مجدية، وكذلك الاتحاد الأوروبي. متسائلا: «إن (مرسي) يكرر (الحالة المباركية)؛ فهل نتجاهل انتهاكات النظام الحاكم لحقوق الإنسان في مصر، فقط لأن الحكومة تتبع نهجا مقبولا في السياسة الخارجية؟».

يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» في القاهرة (مركز حقوقي) أن أول 200 يوم في حكم الرئيس المصري المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي سجلت رقما قياسيا في ملاحقة الإعلاميين والصحافيين «بزعم إهانة الرئيس»، بما يزيد على ما شهدته مصر طوال أكثر من 115 عاما. وقال تقرير للمنظمة أول من أمس حمل عنوان «جريمة إهانة الرئيس.. جريمة نظام مستبد» إن نصف عام من حكم مرسي الذي تولى المنصب في نهاية شهر يونيو (حزيران) عام 2012 شهد 24 قضية وبلاغا عن «اتهام بإهانة الرئيس» مقابل 14 قضية من هذا النوع منذ بدء العمل بالمادة التي تجرم إهانة الحاكم عام 1897.

وسجل التقرير أن هذه القضايا في عهد مرسي تزيد عن 4 أضعاف ما شهدته مدة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك على مدى 30 عاما وتساوي 24 ضعف عدد القضايا في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات الذي اغتاله متشددون إسلاميون عام 1981.

وقال التقرير إن عدد هذه القضايا في عهد مرسي «لم يبلغه أي رئيس أو ملك مصري منذ استحداث هذا الاتهام الفضفاض الذي نبذته كل الدول الديمقراطية في العالم»، وبعد مرسي جاء الملك فاروق الذي حكم بين عامي 1936 و1952 إذ بلغ عدد قضايا إهانة الذات الملكية في عهده 7 قضايا، ويليه مبارك بعدد 4 قضايا ضمت 6 متهمين، ثم عباس حلمي الثاني الذي شهد حكمه 3 قضايا.

ووثّق التقرير، الذي جاء في 12 صفحة، أسماء كل الإعلاميين والصحافيين والمواطنين ممن طالتهم مادة قانون العقوبات الخاصة بإهانة الرئيس المصري.