بطل الدراما الإيرانية هو التلفزيون ذاته

سكان طهران يتحايلون بـ«ريسيفر مهرب» لاستقبال المسلسلات التركية الممنوعة

TT

كعادتهم عشية أيام الآحاد جلست شاهناز ووالدتها المسنة أمام جهاز الريسيفر المهرب، الذي أخفي طبق استقبال البث الخاص به بعناية في الشرفة، لمشاهدة مسلسلهما التركي المفضل «عصر التيوليب».

عاشت شاهناز ووالدتها، على مدى شهور، في العالم المترف لشخصيات المسلسل سينار ويسيم اللذين كانت علاقة الحب غير الشرعية بينهما مصدر إلهاء يومي عن مشكلات العالم الواقعي، مثل العقوبات وتردي سوق العمل، الذي تأثر به الملايين من الإيرانيين. لكن شخصيات المسلسل التركي اختفت يوم الأحد إثر توقف أشهر القنوات الفضائية «GEM TV» التي تبث من دبي، عن العمل دون تفسير. وأصيب موقع القناة بعطل، ما زاد من الغموض.

وقالت شاهناز (52 عاما)، ربة المنزل التي لم ترغب في ذكر اسمها الأخير: «هذه المسلسلات مصدر سعادة لي، من الذي منعني من متابعتها؟». فيما أبدت والدتها البالغة من العمر 84 عاما غضبا شديدا وأطلقت اللعنات دون توجيهها لشخص بعينه: «سحقا لهم».

في اليوم التالي، نتيجة لصمت كل وسائل الإعلام عن سبب هذا العطل ثارت شائعات جامحة تفسر السبب وراء إغلاق القناة. تحدث البعض عما وصفوه بهجمة حكومية تقنية معقدة، فيما قال آخرون إنها مؤامرة ذكية لحمل الأفراد على الاشتراك عبر الإنترنت مقابل رسوم شهرية. وقال بواب بناية غرب طهران: «جعلونا في البداية ندمن على متابعة القناة، والآن يحاولون الحصول على المال منا».

لكن مهندسا متخصصا في أطباق البث عمل في تركيب هذه الأطباق بصورة غير قانونية لسنوات قال: «المؤكد أنهم غيروا ترددات البث. قد يعتقد المعلنون والمشاهدون أن الهدف من ذلك هو الحصول على المال، لكن ذلك غير ممكن، فليس هناك سبيل لتوقف هذه القناة».

لكن غالبية الأفراد رأوا يد الحكومة ضالعة في هذا الأمر، حيث تشن السلطات هنا هجمة ضد ما تسميه «الغزو الثقافي القادم من الغرب»، التي بدأت بمحاربة بالأفلام الأميركية في الثمانينات، ثم امتدت لتطال الإنترنت وعشرات القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية التي تبث من خارج إيران في الفترة القليلة الماضية.

يمتلك ملايين الإيرانيين أطباق استقبال غير قانونية تم تهريبها إلى البلاد وتباع بأقل من 150 دولارا، ويتمكنون من خلالها من متابعة مجموعة من البرامج الإخبارية والبرامج الحوارية السياسية والمسلسلات الاجتماعية في بعض الأحيان. ويوم الاثنين نقلت قناة «مانوتو» التي تبث من لندن، حفل جوائز «غولدن غلوب».

غني عن القول أن أيا من هذه البرامج لا يتوقع أن تبث في التلفزيون الرسمي الإيراني، وعادة ما يقوم رجال الشرطة بإزالة هذه الأطباق من فوق أسطح البنايات بشكل دوري، ويحذر رجال الدين من التأثيرات الضارة للبرامج غير الإيرانية على الأطفال والعائلات.

فتقول سمية، معلمة في مدرسة ابتدائية: «في بداية العام الدراسي يطلب منا كبير المعلمين أن نعطي للأطفال واجبا منزليا إضافيا حتى لا يقضوا الليل في مشاهدة القنوات الفضائية».

كانت القنوات الفضائية التي تبث من خارج إيران قد بدأت في حصد شعبية جارفة قبل نحو عشر سنوات، عندما بدأ معارض سياسي إيراني مقيم في كاليفورنيا في تلقي اتصالات من مشاهدين داخل إيران كانوا يلتقطون بث قناته عبر قمر صناعي تركي، خلال أحاديثه الطويلة الصاخبة ضد القيادة الإيرانية.

منذ ذلك الحين شهدت هذه القنوات الفضائية ازدهارا، فدشن راديو «صوت أميركا» إذاعة بالفارسية، وكذلك كان الحال بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية، لكن البرامج الحوارية السياسية الناطقة باللغة الفارسية بدأت في خسارة شعبيتها لصالح القنوات الترفيهية الناطقة باللغة الفارسية، وبشكل خاص المسلسلات الاجتماعية التركية، وبدأت هذه القنوات في بث برامج المواهب التي يقدمها أحد أبرز المطربين الإيرانيين؛ غوغوش، وكذلك مسابقات للرقص التي تم تصويرها في جورجيا.

كما شهدت الساحة ظهور قنوات أفلام وقنوات تسوق، وقنوات دينية أيضا.

إزاء هذه التطورات طالب الكثير من السياسيين تلفزيون الدولة بتطوير برامجه لإعادة اجتذاب المشاهدين الذين تحولوا إلى مشاهدة القنوات الفضائية، لكن عددا قليلا من المشاهدين الذين يتابعون البرامج الترفيهية الغربية عبروا عن رغبتهم في العودة مرة أخرى إلى متابعة التلفزيون الرسمي.

وتساءل حميد رضا محمدي (30 عاما)، مندوب مبيعات في شركة تأمين: «أشاهد على القنوات الفضائية برنامج (أميركا جوت تالنت) في نفس الوقت الذي يبث فيه التلفزيون الرسمي برنامجا لمدة ساعة كاملة عن الرياضيات، فأيهما تفضل؟».

هناك مؤشرات على أن قناة «جيم» الفضائية ترتبط بعلاقات وثيقة بالحكومة الإيرانية عنها بالقنوات الخاصة التي تبث من الخارج، ففي 16 ديسمبر (كانون الأول) أورد موقع «تابانك» شبه الرسمي، نبأ اعتقال عدد من الأفراد في طهران يقومون بالأداء الصوتي باللغة الفارسية لمسلسلات شهيرة تبث على قنوات أخرى مثل «حريم السلطان» الذي يبث على قناة «ميدل إيست».

بعد أسبوعين من هذه الاعتقالات تغيرت نبرة الصوت الفارسي للمثل الذي يؤدي دور السلطان سليمان فجأة من صوت رنان إلى صوت عال وأكثر حدة، وكانت الأصوات الأخرى حادة أيضا، رغم استخدام بعض الحيل لتغيير أصواتهم.

أثار التغيير في البداية الضحك لكنه سرعان ما تحول إلى نوع من الإحباط بعد وقف القناة عرض المسلسل.

أعلنت صفحة الاتصالات في موقع قناة «جيم» الذي عاد إلى العمل مرة أخرى يوم الاثنين، عن عناوين مكاتب القناة في كل من تورونتو ولندن ودبي، ورفض الموظف الذي يتحدث الفارسية ذكر اسمه، لكنه قال إن كل المشكلات ستحل قريبا، وإنه لن يتمكن من الإدلاء بمزيد من المعلومات حول الفترة التي ستتوقف فيها القناة.

السؤال الآن بالنسبة لشاهناز هو كيف ستتمكن من قضاء الأمسيات الطويلة مع والدتها، فقد حاولت متابعة القنوات الموسيقية الأوروبية، حيث كانت الراقصات يتمايلن على أنغام أغنية «ريز ذا رووف»، لكنها انتقلت إلى قناة أخرى قبل أن تلاحظ والدتها. وقالت لها شاهناز: «لا يوجد شيء الليلة، فلنخلد إلى النوم أفضل».

* خدمة «نيويورك تايمز»