اتهامات «الاستقطاب السياسي» تلاحق الفضائيات المصرية

أجندة بثها تراوحت بين دعم الحالة الثورية والدفاع عن نظام الإخوان

شاشات الفضائيات عملت على زيادة حالة الاستقطاب السياسي بين القوى الليبرالية والتيارات الإسلامية
TT

في ظل مرور عامين على ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، يواجه الإعلام المصري وبشكل خاص الفضائيات، اتهامات عدة بأنها تقف وراء الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، والعمل على زيادة حالة الاستقطاب السياسي بين القوى الليبرالية والتيارات الإسلامية؛ حيث حشد طاقات الجمهور في الشارع المصري وتعبئتها بطريقة منظمة لدعم توجهات بعينها.

ويرى خبراء أن تلك الحالة ظهرت بوضوح في تغطية الفضائيات للذكرى الثانية للثورة وما تبعها من أحداث متسارعة؛ حيث تحولت الفضائيات لحلبة صراع ومسرح لتبادل الاتهامات بين الفرقاء السياسيين.

فعلى مدار الأيام الماضية، انتفضت الفضائيات المصرية وتسابقت بمختلف سياساتها الإعلامية لاستعراض عضلاتها لجذب المشاهدين المصريين إليها، وتفننت في تقديم تغطية إعلامية وإخبارية متميزة لمظاهر إحياء ذكرى الثورة، كما قامت بحشد رصيدها الإعلامي، وتسخير كل طاقاتها الإنتاجية لإحداث تغيير واسع في المحتوى يتناسب مع أجواء المناسبة المستهدفة، وشغف كثير من الجمهور بمتابعة الفعاليات المختلفة التي تواكب هذا اليوم.

بلغ ذلك المشهد ذروته في اليوم الموافق لقيام الثورة (الجمعة 25 يناير 2013)؛ حيث اشتعلت المنافسة الإعلامية وسباقات البث المباشر من ميدان التحرير، بما جعل الجمهور المتلقي في حيرة من أمره، وهو يمسك جهاز التحكم عن بعد «الريموت كنترول» متنقلا بين هذا الزخم الإعلامي الذي ينقل أمام عينيه عبر الشاشات، خاصة أن المواطن المصري أصبح مدفوعا لمتابعة الأخبار السياسية رغما عنه، بسبب توتر الأوضاع على صعيد المشهد السياسي وتلاحقها بشكل متسارع قبل ساعات من حلول ذكرى الثورة وبعدها، لكن الآلة الإعلامية استقبلته بهذا الاستقطاب.

وبنظرة تحليلية للقنوات الفضائية، يمكن المقارنة بين المضمون الإعلامي المقدم على هذه الفضائيات خلال الأيام الماضية والذي يعكس حالة الاستقطاب السياسي لديها، بالرجوع إلى نوعية ملكيتها كفضائيات حكومية تملكها الدولة وفضائيات خاصة يملكها أفراد أو مؤسسات. وهذه الأخيرة يمكن تقسيمها إلى قنوات ليبرالية، وهي تلك القنوات التي يملكها رجال أعمال لهم توجهات ضد الثورة، أو أفراد محسوبين على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، مما دعا مراقبون لوصفها منذ ظهورها بقنوات «الفلول»، وأبرزها قنوات «cbc» و«النهار» و«التحرير» و«أون تي في». وقنوات «محايدة» تلتزم بالموضوعية في نقل الأحداث منها «دريم» و«المحور» و«الحياة»، وقنوات إسلامية وهي لسان حال بعض التيارات الإسلامية، ومنها قناة «مصر 25» وهي القناة التي تملكها جماعة الإخوان المسلمين.

وتبعا لهذه التوجهات اختلف وتباين المحتوى الإعلامي المقدم على الفضائيات وفق الموقف السياسي الراهن في مصر، والذي تعارض بداية في كيفية إحياء ذكرى الثورة، وامتد إلى تغطية مبادرات حل الأزمة وسبل الوصول إلى توافق بين جميع القوى السياسية.

ووفقا لهذين الموقفين المتناقضين، يمكن رصد أبرز ملامح المضمون الإعلامي من خلال أجندة البث، فالفضائيات الحكومية مثل «المصرية و«النيل للأخبار»، حاولت أن تبدو بمظهر حيادي؛ لكن كان واضحا أنها تتخذ موقفا يميل إلى جماعة الإخوان؛ حيث يعتلي وزارة الإعلام الوزير صلاح عبد المقصود المحسوب على جماعة الإخوان.

أما القنوات الليبرالية أو تلك التي تتخذ موقفا معاديا من جماعة الإخوان ومن بينها القنوات الملقبة بـ«الفلول»، فكانت تغطيتها لذكرى الثورة الثانية وما تبعها ببث حي من ميدان التحرير، واستضافة عدد من النشطاء السياسيين والخبراء، الذين تباروا للحديث عن ضرورة إسقاط النظام الحالي. وعمدت القنوات صاحبة هذا التوجه أيضا إلى استضافة أعضاء جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة للرئيس محمد مرسي، وإلى انتقاد جماعة إخوان بشدة، والشماتة منها واتهامها بالفشل في إدارة البلاد منذ وصولها لسدة الحكم.

فعلى سبيل المثال مالت قناة «cbc» في سياستها إلى وجود تغطية مفتوحة وبث مباشر على مدار اليوم تحت شعار «عامان على الثورة المصرية»، وحشد أبرز مذيعي القناة داخل استوديوهات هواء مفتوح، واستضافة النشطاء السياسيين الذين يمثلون مختلف التيارات السياسية، للحديث عن الصواب والخطأ في العامين الماضيين، وكيف يرى كل منهم المستقبل.

وغلب أسلوب «الشاشات المقسمة» على تغطية هذه القنوات للأحداث لضمان نقل أكبر عدد من الأحداث في مناطق مختلفة بالمحافظات المصرية بأنحاء مختلفة من القاهرة في وقت واحد، وصل لدرجة تقسيم الشاشة إلى 12 جزءا في نفس التوقيت، لبيان الحالة الثورية للجماهير في الشوارع. كما ظهرت القنوات الموازية (+2) في التغطية الثورية، حتى توفر للمشاهد مساحة متابعة أعلى، أو إعادة ما فاته على القناة الأساسية بعدها بساعة أو ساعتين، مما يجعله في بؤرة الأحداث وفي خلفياتها.

ومن الملاحظ أيضا في هذه القنوات «الليبرالية» أن أداء بعض المذيعين اتسم بالتحيز والمبالغة في التعبير عن تأييدهم لشكل التظاهر للقوى المدنية، كما أن طول الفترة الزمنية للفقرات أصاب بعض الجمهور بالملل، مما أدى إلى انصرافه عن متابعة هذه القنوات.

على العكس من هذا التوجه السابق، وبحكم انتمائها لجماعة الإخوان، دأبت قناة «مصر 25» على الدفاع عن الجماعة وتوجهاتها، ووجهت نقدها اللاذع للمتظاهرين في ميدان التحرير وللمعارضين من التيارات الليبرالية والقوى المدنية، سواء على لسان ضيوف الأستوديو، أو من خلال المداخلات الهاتفية من المواطنين، التي أفردت لها مساحات واسعة عبر اليوم على خريطة البث.وتركز الخطاب الإعلامي للقناة على ترديد عبارة «عيد الثورة»، وأن خروج الجماهير إلى الشوارع هو بهدف الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة، على عكس ما رددته القنوات السابقة من أن النزول الشوارع والميادين يأتي بهدف استكمال الثورة. وفي هذا الإطار كان الخبر الأول المقدم بشكل دائم في شريط أخبارها هو «توافد المتظاهرين على ميدان التحرير لإحياء الذكرى الثانية للثورة».

وجاءت التغطية الإعلامية لذكرى الثورة على القناة تحت شعار «ثورة تبني أمة»، في إشارة إلى حملة «معا نبني مصر»، التي دشنها حزب الحرية والعدالة، بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين في المحافظات، وهي حملة خيرية أطلقت كبديل لمظاهر الاحتفال بالثورة. وتركزت تغطية القناة للحملة بإلقاء الضوء على التفاعل الكبير من المواطنين الذين شاركوا فعالياتها مع أعضاء الجماعة، خاصة في أعمال زراعة وتشجير المناطق المختلفة. وتطرقت خريطة القناة إلى التأكيد على أن جماعة الإخوان فضلت ترك ميادين الحشد والمظاهرات، واتجهوا إلى ميادين العمل والبناء، وأن حملة «معا نبنى مصر»، خطوة أولى في طريق نهضة مصر.

أما القنوات الخاصة «المحايدة» فقد التزمت بالموضوعية في نقل أحداث ذكرى الثورة، ونشطت القنوات في إيفاد شبكة من مراسليها للتغطية الخبرية في مختلف ميادين مصر والمتابعة اللحظية للأحداث، مثل فضائيات «دريم» و«المحور» و«الحياة».

وحاولت القنوات الالتزام بوجود الرأي والرأي الآخر، من خلال استضافة النشطاء السياسيين من مختلف التوجهات السياسية في الاستوديوهات التحليلية، أو برامج الـ«توك شو»، التي حاولت ملاحقة الأخبار والتطورات التصعيدية أولا بأول؛ حيث حاولت طرح مشكلات المشهد السياسي وصراعاته الراهنة. وأمام ذلك اختفت كثير من البرامج الترفيهية من خريطة البث على هذه القنوات طيلة ساعات اليوم.

من جانبها، تقول الباحثة الإعلامية شيريهان المنيري، مدير وحدة الدراسات الإعلامية والمعلوماتية بالمركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، إن «الفضائيات المصرية تواجه حاليا حالة غضب جماهيري بعد أن أصبح يخيم على عملها مفهوم الاستقطاب السياسي، والذي ترجم في تغطيتها للذكرى الثانية للثورة وما تبعها من أحداث، وظهر جوهر عملية الاستقطاب في اختلاف محتوى التغطية الإعلامية، فالقنوات ذات التوجه الليبرالي، أو ما اتفق على تسميتها بقنوات الفلول، غلب على تغطيتها ترقب الأحداث وما سوف يحدث في الأيام التالية، إلى جانب تحليل ما يقال وينقل على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، إلى جانب دعوات الحشد التي امتلأت بها، أما القنوات الخاصة التي تحظى بشعبية بين الجمهور، فقد اتسم كثير منها بالحياد بين إفراد المساحات لمظاهر الاحتفال وبين تحليل ما سوف يحدث مستقبلا في حال تطور الأحداث على المشهد السياسي».

وتبين الباحثة الإعلامية، أن القنوات الحكومية التابعة لإدارة الدولة وقناة جماعة الإخوان «مصر 25» اقتربت تغطيتهم للأحداث وكأنهم «مرايا» لبعضهم البعض، فعلى الرغم من اشتعال الموقف في البلاد منذ اليوم السابق لذكرى الثورة بعد تهديدات روابط مشجعي الأولتراس الأهلاوي (رابطة مشجعي كرة قدم) بالتصعيد؛ إلا أنه كان هناك تجاهل تام من جانبها، ولم تتفاعل مع الحدث واستمرت في عرض البروموهات عن الثورة. وتوضح المنيري، أن التلفزيون المصري لم يكن على مستوى حدث ذكرى الثورة، ففي يوم الخامس والعشرين دأب على عرض أفلام تسجيلية ووثائقية والكثير من المواد الأرشيفية الخاصة بأيام الثورة الأولى، مما حول الاحتفاء بها لما يشبه «عرض بانورامي».

وتكمل: «من الملاحظات التي يمكن الالتفات إليها أيضا، أن بعض القنوات سارعت في تقديم تغطية إخبارية تكون على مستوى الحدث، ثم ما لبثت وعادت لخريطتها المعتادة في نهاية اليوم، مثل قناة «سي بي سي»، التي تراجعت عن خريطتها الاستثنائية في مساء يوم ذكري الثورة، وقامت ببث برامج «البرنامج» للإعلامي الساخر باسم يوسف، وعلى الرغم من شعبية البرنامج الجماهيرية؛ إلا إنه برأيي لم يكن موفقا من جانب القناة، فليس من المنطقي بعد سقوط قتلى ومصابين في محافظات مختلفة أعرض برنامجا ساخرا، وحتى لو تطرق إلى السياسة».

وإجمالا تقول المنيري: «بشكل عام لم يتابع الجمهور المصري بشغف خريطة البرامج الاستثنائية للقنوات الفضائية في ذكرى الثورة، فما يجذبه هو متابعة ما يحدث من أحداث جديدة وساخنة، وليس لمشاهدة مادة وثائقية وأرشيفية، خاصة أنها تحكي عن فترة زمنية قد عاصرها بنفسه وتشبع بها وبأحداثها طوال عامين كاملين، لذلك لم يجذبه ذلك التنافس الإعلامي المحموم، وإن كان الجمهور بدأ يتابع ليلا هذه القنوات مع تصاعد الأحداث وسقوط قتلى وجرحى، فلجأ إلى التغطيات الحية والمباشرة التي تنقل له الجديد أولا بأول».