إعلاميون مصريون يسددون فاتورة مواجهتهم للنظام

الصحافي هاني شكر الله: الإخوان المسلمون اتبعوا طريقة التقاعد القسري معي

الصحافي القتيل الحسيني أبو ضيف إبان الثورة المصرية
TT

«المهمة تمت بالفعل.. فالإخوان المسلمون وفوا الآن بوعدهم وعزمهم على دفعي خارج الأهرام»، بهذه الكلمات علق الصحافي المصري هاني شكر الله رئيس تحرير الموقع الإخباري «أهرام أون لاين» التابع لمؤسسة الأهرام القومية، على قرار تركه منصبه مؤخرا، قائلا إنه غادره مجبرا الشهر الماضي.

وتابع الصحافي اليساري عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» أن جماعة الإخوان التي تتولى حكم البلاد حاليا اتبعوا طريقة التقاعد القسري معه، وقاموا بسلسلة من التخفيضات الجذرية في راتبه من أجل ما وصفه بـ«إذلاله».

وقالت صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل أيام إن شكر الله، والذي استقال منذ ثلاثة أسابيع، قد اضطر لمغادرة منصبه، بسبب رئيس مجلس إدارة «الأهرام» ممدوح الولي، المتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين والذي عين من قِبلها. ورأت الصحيفة أن رحيل شكر الله يأتي وسط المخاوف المتزايدة من سعي جماعة الإخوان لتشديد سيطرتها على مؤسسات الدولة في البلاد.

وعُرف عن شكر الله مواقفه المعارضة لجماعة الإخوان وسياسات الرئيس محمد مرسي المنتمي للجماعة، كان آخرها ما نشره في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تحت عنوان «الثورة.. تم اعتراضها»، وقال فيه إن سبب استمرار خروج المصريين إلى الشوارع رغم مرور عامين على الثورة هو أن الإخوان المسلمين أثبتوا أنهم أكثر قليلا من مجرد أشباه لنظام مبارك السابق ولكن بلحى.

وتابع أن الاختلاف الوحيد هو أن ممثلي النظام أصبحوا بلحية مهذبة وهي المفضلة لدى قادة الإخوان، وإن لم يكن يغزوها الشعر الأبيض، فهذا متوفر لدى حلفائهم من السلفيين.

ولم يكن شكر الله وحده هو من سدد فاتورة مواجهته للنظام، حيث يتعرض صحافيون وإعلاميون إلى رفع الدعاوى القضائية ضدهم، أو التعرض للخطف، وغيرها من الانتهاكات بحقهم خلال السبعة شهور الماضية منذ صعود الإخوان المسلمين لكرسي الحكم، خاصة بعد واقعة مقتل الصحافي الحسيني أبو ضيف أثناء عمله لتوثيق وقائع اعتداء مجموعات مسلحة على محتجين أمام قصر الرئاسة، وهو ما يثير تخوفات لدى إعلاميين ومراقبين في ظل الملاحقات المستمرة والاستهداف المتعمد لهم.

ونظم صحافيون قبل يومين وقفة احتجاجية أمام مكتب النائب العام بالعاصمة المصرية اعتراضا على خطف أحد الصحافيين الشبان، والتي اعتبروها خطوة تصعيدية في إطار الدفاع عن حرية الأسرة الصحافية، ومن أجل وقف حالات الانتهاك المستمرة التي يتعرضون لها، وحملوا المسؤولية الكاملة للنائب العام والسلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية ووزارة الداخلية لحماية المواطنين وتوفير المناخ الآمن للصحافيين.

وقبل أسابيع قليلة أصدرت الحكومة الأميركية بيانا شديد اللهجة أبدت فيه قلقها من تقييد الحكومة المصرية حرية وسائل الإعلام والانتقاد، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، إن «أحد الجوانب الأساسية للديمقراطية السليمة هو أن يتمكن الناس من انتقاد حكومتهم، وأن تكون هناك صحافة حرة لا تتعرض للملاحقة القضائية، لذلك نعارض بشدة فرض أي قيود قانونية على حرية التعبير، ونحث الحكومة المصرية على احترامها كواحد من الحقوق العالمية».

ويرى صلاح عبد الصبور، نقيب الصحافيين الإلكترونيين أن قائمة من الانتهاكات التي يتعرض لها الإعلاميون في مصر جمعت كافة أشكال الانتهاك من المنع والضرب والقتل والتهديد والتضييق وحتى الخطف، الأمر الذي يراه ينذر بمصير مجهول ومخز لمستوى الحريات في البلاد. وقال عبد الصبور، إن هناك حاجة ملحة في الوقت الحالي إلى توصيف التحديات التي تواجه الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير، والوصول إلى توصيات للخروج من أزمة الإعلام الحالية مع إطلاق لجنة مستقلة للدفاع عن حريات الإعلام، بالإضافة إلى تشكيل فريق للتواصل مع الجهات الحقوقية والقانونية المصرية والدولية التي تعمل في إطار حماية الحريات والإعلان عن لجنة بحثية لرصد الانتهاكات التي تواجه الإعلام والإعلاميين في مصر.

وفي إطار ذلك، خرجت عدة تقارير في الفترة الماضية لرصد وتوثيق الانتهاكات التي قد تقع على الصحافيين والإعلاميين أثناء قيامهم بواجبهم المهني، فأشار تقرير حقوقي سابق إلى أن أول مائتي يوم في حكم الرئيس مرسي سجلت رقما قياسيا في ملاحقة الإعلاميين والصحافيين بزعم إهانة الرئيس.

وتحت تقرير بعنوان «حياة الصحافيين والإعلاميين في خطر»، أشارت اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير، التي ترصد ما يتعرض له الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع من انتهاكات، إلى وجود 60 نموذجا من الانتهاكات والجرائم اليومية تعرض لها الصحافيون والإعلاميين خلال الفترة من شهر يونيو (حزيران) إلى شهر ديسمبر (كانون الأول) 2012. من بين تلك الانتهاكات استهداف الصحافيين بالقتل والترويع والإحالة للقضاء، مثل قيام أفراد من الميليشيات المسلحة بإطلاق طلقات نارية (خرطوش) على الصحافي محمد عزوز المحرر بصحيفة «الجمهورية» أثناء وبسبب قيامه بعمله الصحافي أمام قصر الرئاسة المصرية مما نتج عنه إصابات بالوجه والرقبة والقدم.

ورصدت اللجنة التقدم ببلاغات رئاسية إلى النيابة ضد صحافيين، من بينهم خالد صلاح رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع» والمحررة بالجريدة علا الشافعي، وضد عبد الحليم قنديل رئيس تحرير أسبوعية «صوت الأمة»، وضد مجدي الجلاد رئيس تحرير يومية «الوطن»، وضد ياسر رزق رئيس تحرير «المصري اليوم» وصحافي بالجريدة، وإحالة الإعلامي محمود سعد إلى النيابة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية ببلاغ من أفراد ينتمون لحزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، بالإضافة إلى إحالة فريق برنامج «نهارك سعيد»، الذي يعرض على قناة «نايل لايف»، للتحقيق على خلفية انتقاد أحد الضيوف لحزب الحرية والعدالة.

ومن قبل ذلك انتقدت اللجنة قرار وقف بث قناة «دريم» الفضائية بحجة انتهاء الترخيص الممنوح لها بالبث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وقالت اللجنة إن هذا القرار يجيء مكملا لسلسلة من الإجراءات المتلاحقة للتضييق على حرية الصحافة والإعلام تمهيدا لإسكات الصحف ووسائل الإعلام المنتقدة لسياسات الحكومة أو إدخالها بيت طاعة النظام الجديد الذي تولى السلطة بعد ثورة رفعت الحرية شعارا رئيسيا لها.