حوار هادئ بلا عقد في برشلونة حول الإعلام والتحولات في منطقة المتوسط

100 إعلامي وخبير ومدون بحثوا خارطة طريق للاهتداء بها

جانب من ملتقى برشلونة حول الإعلام في مواجهة الأزمات والتحولات في المتوسط («الشرق الأوسط»)
TT

التأم في برشلونة مؤخرا نحو 100 من الصحافيين، والمدونين، وخبراء ينتمون لثلاثين دولة، ضمن لقاء أورومتوسطي نظمته مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات، بشراكة مع الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط، والمعهد الأوروبي للبحر المتوسط، لبحث موضوع «وسائل الإعلام والتوترات والتحولات في منطقة البحر المتوسط»، في محاولة لوضع خارطة طريق لوسائل الإعلام في المنطقة في سياق التحولات التاريخية والبنيوية التي تشهدها.

وعرف الملتقى، الذي احتضنه قصر «بدرالبس» مقر الاتحاد من أجل المتوسط، حوارا هادئا بلا عقد حول قضايا الإعلام، تم خلاله طرح كل القضايا التي تؤرق العاملين في وسائل الإعلام بالمنطقة المتوسطية جراء الاضطرابات والتحولات المتواصلة، شاركت فيه قبيلة الصحافيين والإعلاميين العاملين في القطاعات المكتوبة والمسموعة والمرئية القادمين من مضارب قنوات متعددة مثل «العربية» و«الجزيرة» و«بي بي سي» و«فرانس 24» و«تي في 5»، و«دويتش فيله»، وصحف مثل «الشرق الأوسط» و«الأهرام» المصرية، و«الصباح» و«رياليتي» التونسيتين، و«الأيام» المغربية، و«ايريش تايمز» الآيرلندية، و«ملييت» التركية، و«الأحداث» المغربية، إضافة إلى كبريات المبادرات الإعلامية من قبيل «كرياتيف كومن» و«شبكة الصحافة الأخلاقية»، ومعهد بانوس، والمعهد العربي لوسائل الإعلام.

ويعتبر ملتقى برشلونة، الذي تحول خلال يومين إلى ورشة مفتوحة حول موقع ودور وسائل الإعلام في رسم توجهات وملامح المنطقة، أحد أهم الاجتماعات الموضوعاتية التحضيرية لمنتدى أناليند 2013، الذي سينعقد ما بين 4 و7 أبريل (نيسان) المقبل في مدينة مارسيليا الفرنسية، وهو المنتدى السنوي الذي سيعرف مشاركة أكثر من ألف من ممثلي المجتمع المدني في بلدان الاتحاد من أجل المتوسط.

وقال فتح الله السجلماسي، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، إن ملتقى برشلونة يهدف إلى إضفاء «زخم جديد» على الأجندة المتوسطية حول وسائل الإعلام، معتبرا أن دور الصحافيين حاسم في تطوير التكامل الإقليمي في منطقة المتوسط. بيد أن السجلماسي أوضح أن هذا الدور لن يكون فعالا «إلا إذا كنا قادرين على خلق رأي عام إقليمي وتوفير إطار حقيقي لوسائل الإعلام بالمنطقة الأورومتوسطية».

وتوقف المشاركون، عربا وأجانب، عند مختلف تجارب دول الربيع العربي في رحلة الألف ميل من أجل تأسيس إعلام جديد في أعقاب انهيار أنظمة استبدادية، وأفول عهد إعلام اللون الواحد. ورأى البعض أن المقاربة الأمنية وحدها لا يمكنها أن تكون البتة قاعدة لشراكة حقيقية بين شعوب المنطقة، وبالتالي فإن إحياء مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، في نظر بعض المشاركين، يتطلب إعادة النظر في مختلف الأهداف التي أحاطت بانبعاثه على أنقاض مسار برشلونة حتى يخرج من الإطار التقليدي للتعاون الاقتصادي والأمني، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، إلى إطار أشمل أسقطته دول الاتحاد الأوروبي من أولوياتها منذ البداية، قبل أن تعود إليه اليوم لتجعل منه الرهان الأول في سياق البحث عن علاقات أفضل مع دول الجنوب، والمقصود هنا الاهتمام بالحريات وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والإعلام أيضا.

وسلط ملتقى برشلونة الأضواء على المخاطر والتحديات التي يواجهها الإعلام، وشكل فرصة لتقييم المشهد بشكل عام سواء في دول جنوب المتوسط أو شماله، مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك من غياب الموضوعية وانعدام الحياد في أحيان كثيرة في التعامل مع الأحداث.

وفي غضون ذلك، قال أندري أزولاي، رئيس مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات، إنه بات من الواضح أن المؤسسات الأوروبية في بروكسل لم تستوعب ما يحدث في دول الجنوب. ودعا دول الشمال إلى فهم أولويات شعوب الجنوب، مشيرا إلى أن الشراكة الحقيقية بين الضفتين تبقى حيوية بالنسبة للجانبين. ودعا أزولاي أوروبا إلى استباق الأحداث، ومراجعة مشروع الشراكة بين المجتمعات على أساس كونية حقوق الإنسان والحريات، وضرورة الانتباه لتطلعات الشعوب وللمصير المشترك لدول المنطقة. وأشار أزولاي إلى ضرورة أن يفهم الجميع في المنطقة بعضهم البعض، مشيرا إلى أنه هنا ليس بصدد إعطاء دروس. وتساءل في معرض حديثه عن بعض وسائل الإعلام الغربية «هل من المصداقية الحديث عن الإسلام من خلال المأساة والدم؟».. وزاد قائلا «هناك خطأ ما، ويجب وضع النقاط على الحروف». وأشار أزولاي إلى ما وقع قبل أسابيع في منشأة عين أميناس في صحراء الجزائر، معتبرا ذلك حدثا مأساويا، وشدد على القول إنه لا يعقل أن ينسب ما اقترفه الإرهابيون إلى الإسلام. وتساءل أيضا بصفته يهوديا مغربيا «إذا كان الإرهابيون يهودا هل سنقول إن اليهودية دين إرهاب؟ والأمر نفسه ينطبق على المسيحية». لكن أزولاي عبر عن أسفه للحديث عن «إسلاميين» حينما يتعلق الأمر بمسلمين.

من جانبه، اعترف أندرو باسولس، المدير العام للمعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط بأن أوروبا اقترفت أخطاء كثيرة عندما ركزت اهتمامها على الجانب الاقتصادي، معتبرا وجود الاتحاد من أجل المتوسط مسألة مهمة وحيوية في اندماج الديمقراطيات الصاعدة، وقال إنه على أوروبا أن تكون في مستوى طموحاتها وتطلعاتها.

وتباينت آراء الصحافيين والخبراء المشاركين في الملتقى بشأن تقييم المشهد في المنطقة، رغم أنها أجمعت على حساسية المرحلة، وصعوبة التحديات، وحجم المخاطر، التي تنتظر الإعلاميين في دول الجنوب. وقالت رشا عبد الله، أستاذة الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، إن ما يروج اليوم بشأن حجم الحريات غير المسبوق في دول الربيع العربي، ومصر جزء منها، ليس سوى نصف الحقيقة، مشيرة إلى أن «ما نعيشه اليوم ليس حرية إعلام بقدر ما هو تحد للسلطة الجديدة». وأوضحت أن الصحافيين يدفعون ثمن العمل الصحافي يوميا، ويواجهون المحاكم والتهديدات بسبب آرائهم ومواقفهم.

ولم يخف الخبير الأوروبي توماس ماك غرويث وجود شكوك متبادلة بين دول ضفتي المتوسط، وقال إن أوروبا أخطأت عندما دعمت أنظمة ديكتاتورية مقابل خدمات أمنية وتجاهلت الأصوات الحرة والمجتمع المدني. ودعا إلى تشجيع الحوار بين الشمال والجنوب. بيد أن باسولس ذكر أنه إذا شعر الناس بأن الديمقراطية ستجلب لهم الجوع والفقر وغياب الأمن فإنهم حتما سيلعنون الحرية. واعتبر أن دعم دول الشمال للمؤسسات الإعلامية ومراكز البحوث والتفكير من أجل الانتقال من مرحلة الغياب المطلق للحريات إلى مرحلة الحريات بلا حدود، هو مسألة أساسية ومصيرية، ويجب أن تكون ضمن الخيارات المطروحة في التعامل مع الدول خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وتعددت القضايا والمداخلات والنقاشات بشأن تعامل الإعلام في المنطقة خاصة في شمال المتوسط. وقالت حسناء الغاوي، الصحافية المجرية من أصل سوري، إنه إذا كان عدد القتلى في العراق مثلا أقل من 100 شخص، فإن ناشري الصحف يرفضون تغطية الحدث. وشددت على ضرورة عدم تحويل الناس إلى مجرد أرقام. أما المدونة التونسية لينا بن مهني فروت قصتها مع الثورة في بلادها والتي تم السطو عليها، وكيف أنها تعرضت للتعنيف من قبل من أصبحوا يهيمنون على المواقع الاجتماعية، قبل أن تخلص إلى القول «نحتاج إلى مجتمع مدني قوي ومستقل».

ومن جهته، قال هاني شكر الله، رئيس التحرير السابق لموقع «الأهرام» الإلكتروني، إنه في غياب مجتمع سياسي حقيقي لا يمكن أن نحصل على صحافة جيدة. بينما قال الصحافي البريطاني، إيدن وايت، إن مستقبل الإعلام يوجد بين يدي الصحافيين، وإن ذلك يتحقق من إخلال إبرازهم لمهنيتهم. أما الصحافي التركي سامي كوهين، وهو أحد مؤسسي صحيفة «ملييت»، فتحدث عن الثورة الراهنة، وقال إنه تم التخلص من خلالها من عوائق كانت سائدة في عهد النظم الديكتاتورية. وقال كوهين «نحن في تركيا نفهم ذلك، فقد مرت بلادنا بنظام سلطوي عسكري، بيد أن هذا النظام تطور، وتم تأسيس قواعد أساسية لإصلاح حرية الصحافة». وزاد قائلا «هذا لا يعني أننا مرتاحون للوضعية الحالية، لكننا في محطة مغايرة عن محطات الماضي».

هواجس أخرى عبر عنها الطيب زهار، ناشر صحيفة «رياليتي» التونسية، الذي قال إن مشاكل الصحافيين في الشمال مختلفة عن مشاكل نظرائهم في الجنوب، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن صحافة نوعية في الجنوب من دون وجود صحافة مستقلة. وذكر أن هذه الأخيرة في تونس مهددة بالاختفاء، متحدثا عن الإعلام المضاد الممول بالمال القذر.. وتلك قصة أخرى.