«المخبر الصحافي» يتخفى في عباءة «الإنترنت»

خبراء: الثورة الرقمية سهلت الوصول للمعلومات أمام الأفراد والجماعات

TT

بناء أسس جديدة لمفاهيم الصحافة الاستقصائية اتجاه بدأ منذ سنوات يأخذ طريقه في العالم العربي، بعد أن أصبح هذا النوع من الصحافة ضرورة قصوى للصحافيين في ظل ثورات الربيع العربي لمحاسبة المسؤولين وكشف الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.

ولا تخلو التدريبات الاستقصائية لترسيخ هذا النمط من الصحافة من تمكين الصحافيين من استخدام مهاراتهم الاستقصائية ودمجها في الأدوات التكنولوجية لنشر المعلومات المهمة. وبحسب مركز المساندة الصحافية العالمي «CIMA» حول وضع الصحافة الاستقصائية والنماذج المستقبلية، فإن مسار تطور الصحافة الاستقصائية يتغير بتغير الثورة الرقمية وغيرها من التحولات التي حدثت في عالم الصحافة.

وينظر البعض إلى أن مثل هذا المفهوم عبر عنه إلى حد ما الموقع الإلكتروني «ويكيليكس» بنشره قبل نحو عامين نحو ربع مليون وثيقة دبلوماسية أميركية سرية، ومن قبلها قيامه بنشر الوثائق العسكرية السرية المتعلقة بالحرب الأميركية في العراق، وما سبقها من وثائق عسكرية تكشف عن خفايا وأسرار الحرب في أفغانستان.

ومع ما يشهده الإعلام العربي من تحولات خلال السنوات الماضية، يدعو ذلك إلى التساؤل عن كيفية استفادة الصحافة الاستقصائية من أدوات الصحافة الإلكترونية، بعدما أصبحت الأخيرة تشغل حيزا كبيرا من اهتمامات الجمهور العربي، حيث أتاحت الفرصة أمام الأفراد والجماعات والمؤسسات للوصول إلى المعلومات ونشرها بشكل لم يسبق له مثيل.

صلاح عبد الصبور، أمين عام الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية، يرى أن الصحافة العربية على شبكة الإنترنت تعتمد في الأساس على فكرة الرأي والنقل وليس الاستقصاء، إلى جانب وجود مشكلة كبيرة تتمثل في عدم وجود خبرات صحافية تعمل في المجال الاستقصائي «وحتى إذا وجدت هذه الكوادر يتم توجيهها بحيث تكون في خدمة مصالح معينة وجهات خاصة.. كذلك فعملية تداول المعلومات عبر المواقع الإلكترونية لا تعتمد على خطة منهجية، وذلك ناتج عن عدم قدرة المواقع العربية على إنتاج المعلومات وتقديمها في شكل صحيح. وأعتقد أن الصحافة الاستقصائية والإلكترونية في العالم العربي تحتاج إلى الوقت والجهد المتواصل من المؤسسات الإعلامية العربية لتدريب وتأهيل الكوادر لهذه النوعية من العمل الاستقصائي».

وبرأي عبد الصبور، تعد شبكة الإنترنت الوسيط المناسب للصحافيين الاستقصائيين لكشف الفساد والانتهاكات في دول الربيع العربي، كما يمكن اتساع المجال بأن تكون مكانا لفضح وتوثيق الممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين العرب في فلسطين، ولكشف العديد من الحقائق الغائبة عن الرأي العام العالمي.

وبرأيه أن تلك المهام يمكن تحقيقها في حالة وجود مؤسسات إعلامية ضخمة تتبنى هذه المشروعات وتسهم في تأهيل كوادر إعلامية جيدة، وهذا يتطلب ميزانيات ضخمة ووجود مراسلين وصحافيين استقصائيين في مناطق كثيرة من العالم العربي، كي يستطيع الموقع عرض الحقائق والوثائق التي يخفيها الإعلام عن الجمهور لأسباب مختلفة.

أما الخبير الإعلامي هشام جعفر فيشير إلى أن شبكة الإنترنت تعد الوسيط الإعلامي المناسب لخدمة الصحافة الاستقصائية بما تتيحه من الاستفادة من إمكانياتها التفاعلية. وينتقد جعفر الصحافة الإلكترونية العربية التي لم تفعّل أو تستغل خدمات الإنترنت بشكل مناسب مثل الصوت والفيديو والغرافيك، إلى جانب وسائل الإعلام الجديد «نيو ميديا» الذي بدأ يخترق الإعلام العربي لكن ليس بالمنسوب ذاته في كل الدول.

وبرأي جعفر، فإن تأخر بنية للصحافة الاستقصائية يعود إلى ثلاثة عوامل؛ أولها عدم توافر فريق مدرب على هذه النوعية من الصحافة، وعلى الرغم من الجهود التدريبية التي تظهر في هذا المجال فإنها لا تزال قليلة. والثاني يتعلق بحرية تداول المعلومات، فهناك جدل دائم بين الصحافيين والمؤسسات الرسمية والسلطات حول وجود قوانين تداول المعلومات. والسبب الثالث أن بنية الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص لا تتحمل هذه النوعية الصحافية التي تتطلب الكثير من الجهد والتكاليف والوقت.