«تشاينا ديلي».. غزو إعلامي صيني لأميركا

صحيفة يومية ومركز تلفزيوني في واشنطن

TT

يوجد في الطابق السابع في مبنى الصحافة الوطني في واشنطن مكتب صغير هو مكتب صحيفة «تشاينا ديلي» (الصين اليومية). ورغم صغر المكتب، وقلة عدد العاملين فيه، وقلة توزيع الصحيفة، فإن ذلك يصور مثالا آخر لما يمكن أن يسمى «غزو الصين لأميركا». يوجد الغزو التجاري: ميزان المدفوعات يظل لصالح الصين بمعدل 300 مليار دولار في السنة الماضية (400 مليار مقابل 100 مليار).. ويوجد الغزو المالي: ديون الصين على أميركا وصلت إلى أكثر من تريليون دولار.. ويوجد الغزو الثقافي: عشرات الآلاف من المطاعم الصينية، وأحياء «تشاينا تاون» (المدينة الصينية) في كثير من المدن الأميركية الرئيسية.

وقبل ثلاث سنوات، بدأ الغزو الإعلامي: صحيفة يومية، ومركز تلفزيوني، في واشنطن أيضا.

هذا هو «تشاينا سنترال تي في» (تلفزيون الصين المركزي) الذي يرمز إليه بالأحرف «سي سي تي في». ولأنها نفس أحرف (تلفزيون الصين الشيوعية)، فقد سارعت صحيفة «واشنطن تايمز» اليمينية (التي يملكها رجل دين ثري من كوريا الجنوبية)، وسمته «تلفزيون الصين الشيوعية».

افتتح المركز التلفزيوني الإنجليزي، وليس الصيني، في سنة 2011، مع احتفالات السنة الصينية الجديدة، في مبنى عملاق بالقرب من «تشاينا تاون» (الحي الصيني في واشنطن)، وعلى مسافة ليست بعيدة من الكونغرس والبيت الأبيض. ورغم أن الصحيفة صغيرة، وفيها دعاية مباشرة، وغير مباشرة، للصين، فإنها يمكن في المستقبل أن تكون بداية لصحيفة أميركية يمولها صينيون (مثل صحيفة «واشنطن تايمز» التي يمولها رجل الدين الكوري الثري)، رغم أن التلفزيون في بدايته كان الهدف منه أن تكون واشنطن عاصمة التلفزيون الصيني باللغة الإنجليزية لكل العالم، ومنافسة تلفزيون «سي إن إن» الأميركي (أكبر شبكة تلفزيون تغطي العالم).

وعن هذا قال ديفيد بانداروسكي، خبير أميركي متخصص في الإعلام الصيني ويعمل في هونغ كونغ، لصحيفة «واشنطن بوست»: «يحب الصينيون أشياء كثيرة في الثقافة الأميركية. لكنهم يحبونها وهم مكرهون. ليست صينية، لكنها تسيطر على العالم». وكتب هنري هام يونغ، أميركي من أصل صيني، وأستاذ في جامعة كاليفورنيا، أن انبهار الصينيين بالأميركيين، ومحاولة تقليدهم، لهما سببان متناقضان: في جانب، حب الثقافة الأميركية.. وفي الجانب الآخر، منافستها. لكنه قال إن الصينيين لا يعتبرون ذلك تناقضا. وقال «إنهم يفكرون بطريقة مختلفة جدا عن طريقة تفكير الأميركيين».

ورغم أن «تشاينا ديلي» صحيفة يومية في أميركا، فإنها صلتها مع «تشاينا توداي» (الصين اليوم) تبدو واضحة. هذه مجلة أسبوعية في دول كثيرة، وبلغات كثيرة (الطبعة العربية «الصين اليوم» تطبع في مصر). وتفرعت كل طبعة من هذه الطبعات، وصارت لها نسخ على الإنترنت. وهي نفس اسم «شايدا كونستبركتس» (الصين اليوم) التي تصدر في الصين منذ سنة 1949، بعد نجاح الثورة الشيوعية، وتنطق بلسان الحكومة الصينية. غير أن «تشاينا ديلي» الأميركية وثيقة الصلة بالصحيفة الإنجليزية بنفس الاسم التي تصدر في الصين منذ عام 1981. وتعتمد على الأخبار والتقارير التي تنشرها الصحيفة الأم في الصين، بالإضافة إلى شبكة مراسلين في مدن أميركية رئيسية، على رأسهم مراسلو مكتب واشنطن، المكتب الأميركي الرئيسي. وفي أول عدد قالت افتتاحية الصحيفة الأميركية «نربد تأسيس وجهة نظر صينية نادرة نحو القضايا الأميركية والعالمية. ونريد أن نفتح نافذة صينية نادرة لأميركا والعالم، لينظر إلينا». وكنوع من أنواع التودد نحو الأميركيين، وعدم تخويفهم من «صحيفة شيوعية» في عاصمتهم، تصدر الصحيفة في لون أزرق خفيف، وليس اللون الأحمر. ولا تكتب صفحات وصفحات عن الشيوعية، كما تفعل، أو كانت تفعل، الصحيفة الأم في الصين. ولا تضع في أعلى صفحتها الأولى علم الصين الأحمر، أو نجمة الصين الحمراء.

وفي الوقت نفسه، اخترقت الصحيفة الأميركية مواقع الشبكات الاجتماعية، بما في ذلك «فيس بوك»، و«تويتر». وصارت متوافرة في التليفونات والأجهزة الذكية، بما في ذلك: «آي فون»، و«آي باد»، و«بلاك بيري»، و«أندرويد». وصارت، أيضا، متوافرة في مواقع الكتب الإلكترونية، بما في ذلك: «أمازون كيندل»، و«سوني تي إم».

ولا يخفي الصينيون أنهم يريدون من «تشاينا توداي»، الطبعة الأميركية، أن تخاطب الشعوب الناطقة باللغة الإنجليزية، ليس فقط بنشر طبعات في الدول التي تتكلم الإنجليزية، ولكن، أيضا، بالتركيز على الطبعة الأميركية في الإنترنت. يريد الصينيون أن يخاطبوا العالم بلغة إنجليزية في صحيفة إنجليزية تصدر في أميركا. ويعلمون، طبعا، جاذبية الصحيفة الأميركية، وجاذبية الثقافة الأميركية، حول العالم.

وربما لا يريد الصينيون من صحيفة واشنطن الصينية أن تنافس فقط صحيفة «واشنطن تايمز» التي يمولها رجل الدين الكوري، ولكن أيضا صحيفة «واشنطن بوست»، ربما أهم صحيفة أميركية في العالم.. وصحيفة «يو إس توداي»، ربما أكبر صحيفة في العالم توزع في نفس الصباح في كل الفنادق الرئيسية في كل الولايات المتحدة. وعن هذا كتب هنري هونجاي ايك، صحافي أميركي من أصل صيني يعمل في كاليفورنيا «تقدر (تشاينا توداي) على أن تكون مثل (يو إس توداي) - صحيفة أميركية يومية تصدر بالإرسال الفضائي في كل مدينة رئيسية، وكل ولاية أميركية، كل صباح». وأضاف «تقدر على أن توظف صحافيين أميركيين، وتكون صحيفة أميركية».

وهذه بعض محتويات عدد يوم الأحد الماضي:

الأخبار: الرئيس تشي يقسم بأن يعمل لتحقيق «الحلم الصيني» (إشارة إلى «الحلم الأميركي»).. رئيس الوزراء لي يخاطب الصحافيين (إشارة إلى انفتاح جديد).. أوباما يهنئ الرئيس تشي (لتوثيق العلاقات).. شركة «إيه إن إن» توسع السوق الأميركية (إشارة إلى «الغزو»)..

التقارير: عام الثعبان.. تسجيل آلاف القطع الكلاسيكية الغربية.. العائلات الصينية تحتفل بالربيع.. اكتشاف جماجم عمرها أربعون ألف سنة.. المتحف الصيني يؤكد أن لوحة «موناليزا» (في متحف اللوفر في باريس) ليست مزورة.. الصين تزيد زراعة العنب وصناعة النبيذ.. مطعم صيني في البندقية..

وهكذا، يبدو واضحا أن الصحيفة الصينية الأميركية اليومية (التي تريد أن تكون عالمية، انطلاقا من واشنطن) تريد أن تكون مثل أي صحيفة أميركية، مع دعاية غير مباشرة للصين.