تقرير أميركي يتحدث عن التأثير النفسي للإعلام

بات من مقررات كليات صحافة في أميركا

دايانا كيرشنار أستاذة علم نفس جامعية
TT

ربما لا يحس الشخص بتأثير الإعلام عليه (كخبر) وهو يقرأ صحيفة، أو يشاهد قناة تلفزيونية، أو يستمع إلى إذاعة، أو يسيح في الإنترنت، لكن أوضح تقرير أميركي صدر مؤخرا أن عوامل نفسية كثيرة ومعقدة تتفاعل داخل الشخص عن كيفية قراءة، وقبول، وفهم، واستعمال، والرد على الخبر.

الآن، يقدر أطباء متخصصون في تأثير الإعلام على الشخص أن يحللوا المنافع والأضرار والمشاكل، ويوصوا بأفضل الطرق لاستعمال الإعلام.

كان هناك في البداية علم النفس، ثم جاء علم النفس الاجتماعي، ثم علم النفس التجاري، وها هو علم النفس الإعلامي. صار مقررات في كليات صحافة في أميركا، وينال فيه طلاب درجات ماجستير ودكتوراه. وكانت الجمعية الأميركية لعلم النفس (إيه بي إيه) أسست فرعا لهذا المجال. مع انتشار الإنترنت، ظهرت بوادر علم النفس الإعلامي التكنولوجي.

ويمكن القول إن أم الإعلام النفسي هي دايانا كيرشنار، أستاذة علم نفس جامعية. وغريب أنها متخصصة في علم النفس العائلي (مشاكل الأزواج والأولاد)، أو ربما ليس غريبا، لأن تأثير الإعلام ربما لا يقل عن تأثير الأزواج والأولاد. ويعتبر كتابها «نظرات في الإعلام وعلم النفس» مرجعا رئيسا. في الوقت نفسه، هذه أسماء بعض كتبها عن علم النفس العائلي: «علاج العائلة النفسي» و«دليل الحب الأبدي» و«كيف تحب من تريد؟»، وربما يوضح هذا أن تأثير الإعلام على الشخص عاطفي أكثر من عقلاني، مثله مثل الحب تقريبا.

ومؤخرا، دخلت كيرشنار مجال الإعلام الحقيقي، وبدأت تقدم برنامجا عن الحب في تلفزيون «بي بي إس»، وتخلط الحب بالإعلام في البرنامج.

ركزت كيرشنار في كتابها على كلمة «كوقنتيف» (تفكيري)، تأثير الخبر على التفكير، وبالتالي على السلوك. وأشارت إلى مشاكل مثل:

أولا: كثرة العنف والقتل والمسدسات والبنادق في أميركا، ودور الأفلام والمسلسلات (وحتى الأخبار) فيها. ثانيا: النظرة إلى المرأة الأميركية، ليست طبعا كمواطنة درجة ثانية، ولكن كأداة للجمال والجنس أكثر منها متساوية مع الرجل في التفكير والتصرف. ثالثا: إهمال كبار السن، ليس فقط لقلة إمكاناتهم الاقتصادية، ولكن، أيضا، لقلة الاتصالات العائلية والاجتماعية معهم. وانعكاس الموضوع في الإعلام، أو تأثير الإعلام على الموضوع. غير أن خبيرين، براينت جيننغز ووولف زمرمان، ركزا على التأثير التجاري في كتابهما «ميديا أفيكت» (تأثير الإعلام)، وخاصة تأثير الإعلانات التجارية، ولا سيما تأثيرها على الأطفال، مثل إعلانات ساندويتشات هامبورغر «ماكدونالد» «وبيتزا هات» ودجاج «كنتاكي» وشوكولاته «سنيكارز».

في الشهر الماضي، تحدث عن هذا الموضوع مايكل بلومبيرغ، عمدة نيويورك، عندما أمر المطاعم والمقاهي ألا تبيع كاسات عملاقة من «كوكاكولا» و«بيبسي كولا»، وغيرهما من المشروبات الغازية، المليئة بالسكر. وربط ذلك بزيادة السمنة، خاصة وسط صغار السن، وأيضا مرض السكري.

وفي آخر أعداد دورية «ميديا سيكولوجي» (علم النفس الإعلامي) التي تصدر في جامعة كاليفورنيا ستيت (الدورية الرئيسة تصدر في ألمانيا)، هناك تقرير عن نفسية الصحافيين، بحكم تأثير هؤلاء على ما ينشر. وفيه تفاصيل العوامل النفسية التي تجعل الصحافي يكتب، أو يحذف، أو ينبه، أو يغير، أو يغمز نقطة معينة في خبر يكتبه، وأيضا دور الصحافي الذي يكتب عنوان الخبر.

وكانت نفس الدورية كتبت عن كلمة «عربي» وتأثيرها على الذي يكتب الخبر، والذي يقرأه. وكتبت: «لفترة طويلة، يستعمل الإعلام الغربي كلمة (عربي) استعمالا سلبيا». وأشار التقرير إلى مايكل شاهين، أستاذ إعلام سابق في جامعة ساثيرن اللينوي، وهو من أصل عربي، وكان كتب كتابا عن هذا الموضوع قبل أكثر من عشرين سنة (قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وإعلان أميركا ما تسمى «الحرب ضد الإرهاب»).

وفي التقرير نتيجة استطلاع عن كلمة «إرهابي»: يستعملها كثير من الصحافيين الأميركيين عندما تكون لها صلة بالعرب أكثر من أن تكون لها صلة بهم. ويحلل التقرير كلمة «فير» (خوف) وسط الأميركيين، ويربطها بالعرب والإرهاب. ويقول التقرير: «حتى قبل العرب والإرهاب، كان الإعلام يعتمد على تخويف الناس.. يخوف البيض من السود، ويخوف الجانبين من الأجانب، ويخوفهم كلهم من الشيوعية (خلال الحرب الباردة)، ويخوفهم كل صباح ومساء بالرعد والبرق والإعصار والفيضان والزلزال». ويربط التقرير الخوف بعوامل كثيرة، منها الحرية، والفردية، والثروة، والأمن. يعني هذا أن الذي يعيش في مجتمع «انفرادي» يعتمد على نفسه، ويخاف على ممتلكاته، أكثر من الذي يعيش في مجتمع «جماعي». وهناك عوامل نفسية أخرى منها: أولا: هل الخبر صادق 100 في المائة؟ وحتى إذا كان بنسبة 90 في المائة، ما هو تأثير الـ10 في المائة الكاذبة على نفسية القارئ؟

ثانيا: لماذا تسيطر أخبار المشاهير والفنانين والرياضيين على الأخبار (مع وضع اعتبار للعلاقة العاطفية مع هؤلاء)؟

وأخيرا، أوضح التقرير أن التأثير النفسي الأكبر هو أن الخبر، بحكم أنه خبر، سلبي. ولهذا يتحاشى بعض الناس الأخبار لأن نسبة كبيرة منها سلبية، سواء خارجية أو داخلية. غير أن النساء يتحاشينها أكثر من الرجال، بسبب عوامل طبيعية تاريخية لها صلة بمواجهة الرجل للأعداء، ورغبته في الرد على هجوم بهجوم أكبر.