انتقال مقر «ميامي هيرالد» إلى مبناها الجديد يحرمها من مصادر إخبارية مجانية

على مدى عقود كان من الممكن رؤية الأخبار من نوافذ الصحيفة

TT

قد لا يكون من السهل أن تبدي إعجابا بمبنى وان هيرالد بلازا، الذي يبرز مثل صندوق على خليج بيسكاين لكن من الصعب تجاهله. هذه الصفة تجعله أكثر ملاءمة لصحيفة يومية.

أنشئ مبنى «ميامي هيرالد» قبل نصف قرن على شاطئ المحيط على مقربة من وسط المدينة كي يتمكن من اقتناص الأخبار للصحيفة. وكان الهدف من إقامته في هذا المكان أيضا متابعة ميامي، المدينة التي تقف على شفا تحول آخر. على مدى عقود، كان من الممكن رؤية الأخبار من نوافذ «هيرالد»، بدءا من جثة طافية على سطح الخليج، إلى رجل يصعد برج اللاسلكي ينثر أوراق النقد مثل الحلوى، وإعصار أندرو الذي ضرب المدينة عام 1992 والذي نادرا ما كان يؤثر في هذا المبنى المحصن من العواصف، وسياسي محلي بارز يقدم على الانتحار. وعلى بعد أمتار قليلة من المبنى وقف رجل يلوك في فمه قطعة من وجه رجل آخر.

هذا المبنى وأشهر مستأجريه يمثلان شيئا ما، لكن كلا من الاثنين سيزول قريبا. وتقول ليزا غيبس، رئيس تحرير القسم الاقتصادي في «هيرالد» التي حضرت حفل الوداع الأسبوع الماضي: «هذا المكان يقول (نحن هنا لحراسة المدينة)، أجد من الصعب القول إننا لم نخسر شيئا ما».

يضم كوم جون، المبنى الطويل، بمهبطه للطائرات، في طابقه الأرضي المطابع، ولوحة عملاقة تحجب جانبا من منظر الخليج. ويتوقع أن يهدم المبنى ويزال من على الأرض بعد الفشل في الاحتفاظ به. في عام 2011، باعت شركة «ماكلاتشي» التي تمتلك «الهيرالد»، المبنى مقابل 236 مليون دولار إلى شركة «جنتنغ غروب»، وهي شركة ماليزية لتشغيل الأندية والفنادق والتي ستقيم منتجعا فارها وشققا سكنية على الموقع. وقد فشلت خطط «جنتنغ» لبناء كازينو عملاق في جذب الاهتمام لكن يتوقع على الأرجح أن يطفو على السطح مرة أخرى أمام 2014.

سينتقل موظفو «هيرالد» إلى مبنى تم تجديده في دورال، مدينة صغيرة على الجانب الغربي من مقاطعة ميامي داي، التي تشتهر بازدحامها المروري وقربها من المطار والمخازن الرخيصة ومكان عقد بطولة الغولف السنوية. وكان المبنى مركز القيادة الجنوبية العسكرية الأميركية.

لكن هدم المكان الذي اشتهرت به الصحيفة وبعده عن قلب المدينة من أعراض مشكلة أكثر ضخامة تتمثل في تراجع انخفاض عدد الصحف في العصر الرقمي وتراجع تأثير الصحف المطبوعة. وفي مدينة تنتج عددا غير محدود من المسؤولين الفاسدين والمطورين العقاريين بالغي الحماسة والمجرمين، حصدت «ميامي هيرالد» ما يقرب من 20 جائزة بوليتزر وألقت الفزع في نفوس المجرمين. وأفرزت الصحيفة مواهب مثل كارك هياسن وديف باري وإدنا بوكانان وكثيرين آخرين بأسماء أقل شهرة.

الصحافيون ذوو الأعداد المتناقصة لا يزالون يخوضون في الوحل ويتلقون الإشادة والاحترام. ونظرا لما فعلته تخفيضات الميزانية بالصحيفة ورحيل العشرات في السنوات الأخيرة وجدوا أنفسهم غارقين بدورات الأخبار غير المنتهية وصخب الإقبال على الإنترنت.

وقالت كيلي ماكبرايد، عضو لجنة الأخلاق، والتي تراسل وتكتب لمعهد بوينتر في سان بطرسبرغ في فلوريدا: «كان المبنى رمزا لكونها مؤسسة قوية في المجتمع، وأعتقد أن الكثير من الصحف ليست بنفس القوة اعتادت أن تكون عليها في المجتمع».

وقالت: «كنا في وسط المدينة لأنك تحتاج أن تكون قريبا من كل هذه المؤسسات. لكن مع البيئة الرقمية وبيئة الهواتف الجوالة، يمكنك إرسال التقارير من أي مكان، وعادة ما تقوم بذلك عبر الروافد».

في حفل الوداع، اجتمع ما يقرب من 1,000 من منتسبي «هيرالد» من مجموعة متنوعة من الإدارات (تشمل هذا الصحافي الاستثنائي). وتجمع الأفراد في شرفة «هيرالد» المطلة على الخليج البراق، وأفق المدينة المتغير على الدوام، يتناولون المشروبات ويقومون باجترار الذكريات وانتقاد شهوة رجال الأعمال. بدأ الحفل بعد الظهيرة وانتهى ببعض أفراد في الساعات القليلة في حانة ميامي القديمة، «توباكو رود»، للم للشمل بقدر ما هو احتفال بصحافة المدرسة القديمة.

ظهرت غرفة الأخبار في الدور الخامس في الصحيفة، بشكل دائم في أفلام شهيرة مثل «غياب الضغينة» الذي لعبت فيه دور البطولة سالي فيلد وبول نيومان و«ذا مين سيزون» بطولة كيرت راسل.

وأقر صحافيو ومحررو «الهيرالد» بأن المبنى في دورال يحظى بالكثير من المميزات، فهو مؤهل لاستقبال الصحافة الرقمية، وسيكون حديثا وعصريا، ولم يدخل في إنشائه أي من مادة الإسبستوس.

ويشير جيم سافدج، محرر التحقيقات الشهير في الصحيفة إلى أن أفضل أيامه بلا شك كان في مبنى وان هيرالد بلازا في مكتبه الذي كان يطل على الخليج مباشرة. من هذا المكان المميز حرر الكثير من المقالات التي نالت جوائز وشاهد قافزا يثب من فوق الجسر. اتصل بخدمات الطوارئ لكن مستقبل الاتصال لم يعره اهتماما وطلب منه الاتصال بحرس السواحل. وقال: «فعلت ذلك، لكنهم على بعد أميال. وسبح الرجل إلى رصيف المبنى ثم نقل إلى المستشفى».

تداعى إلى ذهن محرر أخبار المدينة اليوم الأول له في العمل. دخل إلى غرفة الأخبار ونظر من النافذة ورأى جسدا طافيا على الماء يجذبه التيار برفق. وقال أندريس فيغلوتشي، صحافي «ميامي هيرالد» المخضرم: «لن نتمكن من مشاهدة مثل ذلك في دورال»، ومع توالي الاحتفالات في الشرفة المطلة على واجهة الخليج في الطابق الأسفل جلس ليكتب مقالا لينشر في عدد اليوم التالي.