اعتداء ووليتش.. هل تعدت وسائل الإعلام الخطوط الحمراء؟

صور ومقاطع قتل الجندي البريطاني انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد دقائق

القاتل النيجيري الأصل مايكل أديبولاجو خلال مشاركته في مظاهرة ضد اعتقال شرطة مكافحة الإرهاب إسلاميين متورطين في الإرهاب عام 2007 (أ.ب)
TT

اقتطعت محطة «آي تي في» أجزاء من المقطع المصور الخاص باعتراف المشتبه به في ارتكاب اعتداء ووليتش، مايكل أديبولاجو قبل عرضه. وقرر المسؤولون التنفيذيون في المحطة التلفزيونية عدم إذاعة الاعتراف الصريح لأحد المشتبه في تورطهم باعتداء ووليتش. وقبل دقائق من عرض المحطة للمقطع المصور الخاص بمايكل، الذي ولد في لندن وشوهد وهو يحمل سكينا ضخمة مخضبة بالدماء بعد الهجوم، اختار المسؤولون اقتطاع الجزء الذي يقول فيه: «السبب الوحيد الذي دعانا إلى قتل الرجل اليوم هو موت المسلمين يوميا على أيدي جنود بريطانيين». وظهر أديبولاجو في هذه النسخة المعدلة من نشرة السادسة والنصف التي تعرض على القناة وهو يتعهد بالتعامل وفقا لمقولة: «العين بالعين والسن بالسن». مع ذلك نشرت صحيفة «ذا صن» لاحقا الاعتراف كاملا.

وأوضح المتحدث باسم المحطة قائلا: «لقد اتخذنا قرار عرض الصور قبل النشرة من أجل الصالح العام، فهذه مادة ضرورية من أجل فهم هذه الواقعة المريعة التي حدثت بالأمس. كذلك حذرنا المشاهدين قبل عرض الصور حتى لا يصدموا».

وأثار قرار عرض الصور على مرتين، إحداهما في نشرة السادسة والنصف، والثانية في نشرة العاشرة مساء، نحو 800 شكوى من المشاهدين الشاعرين بالأذى النفسي.

ورغم أن الصور الدرامية التي تظهر مشتبها فيه وهو يحمل سكاكين مخضبة بالدماء بعد مقتل جندي في ووليتش يوم الأربعاء قد جذبت ملايين المشاهدين حول العالم، فإنها أثارت شكاوى البعض. وصرحت قناة «بي بي سي» التي عرضت الصور هي الأخرى، بأنها تلقت نحو 200 شكوى. ورفضت محطة «آي تي في» تأكيد أو نفي ما إذا كانت قد دفعت إلى الرجل مالا من أجل الحصول على هذه الصور. وانقسمت المحطات على قرار عرض المقطع المصور، حيث لم يرغب مسؤولون تنفيذيون في «سكاي نيوز» في عرض المقطع على أساس أنه غير لائق ذوقيا ويمكن أن يجعلها منبرا للإرهابيين.

وتلقت «سكاي نيوز» مجموعة من الشكاوى بعد عرض صورة ثابتة للرجل ويداه ملطختان بالدماء وهو ينظر للكاميرا. ويظهر في المقطع المصور، الذي التقطه أحد المواطنين بهاتفه المحمول، رجل بيدين ملطختين بالدماء ويمسك سكينا ضخمة ويقول: «نقسم بالله العظيم أننا لن نتوقف عن قتالكم إلى أن تتركونا وشأننا». وأعيد عرض المقطع خلال ساعات من العرض الأول له في مختلف أنحاء العالم خلال نشرة «آي تي في» والموقع الإلكتروني للقناة.

وكان إيد كامبل، محرر الأخبار في «آي تي في نيوز»، أول صحافي يتحدث إلى الرجل الذي صور المقطع ورفض الإفصاح عن هويته خوفا من الانتقام. وأراه الشاهد ما صوره على هاتفه الـ«بلاك بيري» بعد فترة قصيرة من الهجوم، وبالتحديد في الساعة 2:20 بشارع جون ويلسون في ووليتش (جنوب شرقي لندن). وقفز كامبل في سيارة أجرة مع مصور المقطع وأسرع نحو صالة التحرير في «آي تي إن» في شارع غراي إن رود بوسط لندن على بعد 11 ميلا عبر المرور الخانق. ووصل الاثنان إلى المكتب بعد السادسة بقليل حين بدأت الأخبار ترد عن الواقعة وتشير إلى أنها إرهابية. وتم دمج المقطع المصور في المادة الإخبارية في «آي تي في» عند السادسة وأربع دقائق مساء، وبعد 26 دقيقة تم عرضه في نشرة الأخبار المسائية، مما دعم فكرة أن الواقعة هجوم إرهابي، بحسب «الغارديان» البريطانية في تقرير لها أول من أمس.

واتخذ كبار مسؤولي «آي تي في» قرار عرض المقطع بعد أن تفكروا فيه من الناحية التحريرية والقانونية، وفي مدى ملاءمته للذوق العام وعواقب الأمر. وقال متحدث باسم «آي تي في نيوز»: «لقد فكرنا مليا في أمر عرض المقطع قبل النشرة، واتخذنا القرار بالقيام بذلك انحيازا لمصلحة الناس، فهي مادة مهمة من أجل فهم هذه الواقعة الرهيبة. ومن وجهة نظر إخبارية تحريرية كان عرض المقطع مبررا في أعقاب هذا الاعتداء الصادم».

بعد منتصف ليل الأربعاء، عملت «آي تي» مونتاجا للمقطع المصور لإخفاء جثة الجندي ووجه المشتبه به الثاني. ومن المفهوم أن هذا حدث بعد قرار المسؤولين أن عرض المقطع كما هو من دون اقتطاع أي جزء خلال فترة الغداء يوم الخميس لن يكون مفيدا للمصلحة العامة. وهناك سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا كان يحق لمحرري الصحف نشر هذه الصور المرعبة؟

من جهة أخرى كان للمحطات الإذاعية السبق في نشر الخبر، ولكن هناك تساؤل يدور بين الإعلاميين البريطانيين: هل من السليم واللائق أن تنشر الصحف على صفحاتها الأولى صور رجل وصفوه بالإرهابي وهو يلوح بسكين تقطيع اللحم؟ الإجابة هي نعم. هناك صور مختلفة من الجدل الذي يؤيد هذا الأمر. عمليا وتكنولوجيا انتشرت الصور والمقاطع المصورة للواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد دقائق. وكانت ستبدو الصحف والمحطات التلفزيونية بلهاء تماما إذا تجاهلت ما عرفه الناس بالفعل. ولم يكن الرجل يحاول الاختباء والبعد عن الأضواء، فقد كان يعي أنه يتحدث أمام الكاميرا لإيصال رسالة حاول من خلالها تبرير فعلته التي لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. وربما يقال إن وسائل الإعلام تدعمه من خلال منحه الدعاية والشهرة التي كان يسعى إليها، لكن بالنظر إلى الموقف كانت هناك حاجة للتوضيح والشرح. وكان هذا حدثا استثنائيا إلى أقصى حد بحيث استدعى استجابة استثنائية من الإعلام. لقد كان وحشيا ومريعا ومأساويا، بل إن كل الصفات في اللغة لا يمكن أن تصف ما حدث. والغالبية من المحررين يتفقون على أن الصور كانت مرعبة ومفزعة، سواء سكين تقطيع اللحم واليدان الملطختان بالدماء والغضب البادي على مرتكب الجريمة.

أثارت هذه اللقطات فزع النساء والأطفال الذين تجاهلوا مطالعة الصحف في الصباح وأخذوا يطرحون الأسئلة، وكان السؤال خلال يوم ارتكاب الجريمة: ما الذي يدفع رجلين إلى قتل رجل آخر بهذه الوحشية في أحد شوارع لندن في يوم ربيعي، وباستثناء «ديلي إكسبريس». فمن الممكن تقديم جدل غير مؤيد للنشر من جانبين.

من جانب سوف تشجع صورة القاتل الوقح آخرين على ارتكاب مثل فعلته، مما يزيد الغضب الإرهابي الإسلامي، ومن الجانب الآخر، ستثير الصورة مشاعر معادية للإسلام وتؤدي إلى حالة من رهاب الإسلام.