الهند: صحافيون مسلمون جدد يواجهون اتهامات مزعومة بالعمل ضد مصالح الدولة

مطيع الرحمن.. من صحافي إلى إرهابي مشتبه به ثم تبرئته بعد 6 أشهر

الصحافي مطيع الرحمن صديقي
TT

تغيرت حياة الصحافي مطيع الرحمن صديقي، الذي يعمل في صحيفة «ديكان هيرالد» الهندية الكبرى في جنوب الهند، يوم التاسع والعشرين من أغسطس (آب) من عام 2012. فبين عشية وضحاها تحول من مجرد مراسل لإحدى الصحف المشهورة إلى إرهابي مشتبه به. إذ إنه تم اعتقال صديقي وأربعة آخرين من رفاقه بصورة سرية بزعم أنهم كانوا يخططون لقتل أحد قادة الجناح اليميني في ولاية كارناتاكا الهندية، لكن بعد مضي أكثر من ستة أشهر على اتهامه بممارسة أنشطة إرهابية وشن حرب ضد الدولة، أطلق سراحه.

أصدرت المحكمة الهندية الخاصة الممثلة في وكالة التحقيقات الوطنية الهندية حكمها بتبرئته من اتهامه بالتورط في مؤامرة إرهابية مزعومة بولاية بنغالور، وعلى الرغم من أن صديقي ليس أول صحافي يتم توريطه في قضايا إرهابية، فإن محنته لم تجذب اهتمام أي من الإعلاميين أو مؤسسات المجتمع المدني.

وهناك آخرون يواجهون اتهامات بالعمل ضد مصالح الدولة، من بينهم سيد محمد أحمد كاظمي الذي يعمل في وسائل الإعلام الإيرانية، وكيه شاهني الذي يعمل في جريدة «أوبن مغازين» الهندية، وافتخار جيلاني رئيس تحرير صحيفة «ديلي نيوز أناليسيز» الهندية.

ومن جهة أخرى، تحدث مطيع عبر الهاتف عن عملية استجوابه واعتقاله وفترة بقائه في السجن، واصفا تجربته بالمحنة الرهيبة التي لا ينبغي أن تحدث لأي شخص مرة أخرى؛ حيث يقول «كانت أول ليلة لي في الزنزانة أطول ليلة قضيتها في حياتي، وظللت أتوسل إلى رجال الشرطة بألا يدمروا مستقبلي. كان رجال الشرطة يقومون بإهانتي بكل الوسائل الممكنة طيلة فترة احتجازي التي دامت ثلاثين يوما، وسألني أحدهم: (هل تعمل لحساب صحيفة باكستانية؟). إنني لا أريد أن أخوض في أمور سيئة قالوها عن ديني. كانت هناك أوقات فقدت فيها الأمل خوفا من أن أظل أعاني هنا أبدا، لكن حينها كان يحدوني الأمل في النظام القضائي الهندي».

وألقى الصحافي مطيع (26 عاما) باللوم على وسائل الإعلام لتقديمها تقارير غير دقيقة عن قضيته، قائلا «تجاهلت وسائل الإعلام الأبجديات الأساسية في الصحافة (الدقة والإيجاز والوضوح). وبما أننا مسلمون أكفاء، كأطباء ومهندسين، إلخ.. أظهرت وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بقضيتنا. استخدمت وسائل الإعلام أسلوب فبركة الأخبار زاعمة أنني التحقت بصحيفة (ديكان هيرالد) لغرض وحيد وهو تفجير محطة المترو المواجهة لمكتبي. بصراحة، كنت مستعدا لأي أخبار من هذا القبيل بعد اعتقالنا. على سبيل المثال، لم يفاجئني تصويري بـ(العقل المدبر). لكن بعض الأخبار كانت غير مراعية للمشاعر بشكل مؤلم، إذ إن قناة إخبارية (اختلقت) خبرا عن والدي في باكستان زاعمة أنه كان يقوم (بتوجيهي) من هناك، مع العلم بأن والدي توفي جراء أزمة قلبية عام 2006، ومعي شهادة وفاته. هل يمكن أن تتخيل مدى شعورك في التعامل مع مثل هذه الهراء؟ وهناك قناة أخرى قالت إنني أملك خمسمائة مليون روبية في حسابي المصرفي. لو كانت لدي هذه الأموال الطائلة، لامتلكت صحيفة بالتأكيد».

«إن الطريقة التي تعاملت بها الشرطة ووسائل الإعلام مع تورطي في المؤامرة المزعومة أقنعتني بأن هناك تمييزا ممنهجا يمارس ضد المسلمين في الهند»، لعل مطيع يشير هنا إلى المسلمين الآخرين الذين تم اعتقالهم بواسطة الشرطة والزج بهم في السجن لمجرد الاشتباه بهم. ويضيف قائلا «هذه القضية برمتها لا تتعلق بي فحسب، فهناك المئات من المسلمين يقبعون في السجون. لقد كنت محظوظا أن أخذت العدالة مجراها بالنسبة لقضيتي، على الرغم من تأخرها».

وفي هذا السياق، هناك قضية مستمرة تتعلق بصحافي آخر يسمى سيد محمد أحمد كاظمي، المتهم بالتآمر لتفجير إحدى سيارات السفارة الإسرائيلية في دلهي في فبراير (شباط) من عام 2012، وأخيرا أفرج عنه بكفالة في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد احتجازه لمدة سبعة أشهر. وفي يوم الرابع من مارس (آذار)، بعد أن ألقت شرطة دلهي القبض على سيد محمد أحمد كاظمي، من أمام المركز الثقافي الإسلامي الهندي، خرجت وسائل الإعلام قبل صباح اليوم التالي لتصور كاظمي على أنه المتهم في قضية تفجير القنبلة التي أصيبت فيها زوجة الملحق العسكري الإسرائيلي.

وانطلاقا من كونه صحافيا مستقلا يدير وكالة أنباء لحساب وسائل الإعلام الأوردية، فضلا عن مراسلته لوسائل الإعلام الإيرانية، فإن كاظمي يعد أحد الأصوات الأكثر شهرة على ساحة السياسة الخارجية الإيرانية، وبسبب زياراته المتكررة إلى إيران تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن الإفراج عنه. وحين سُئل عما إذا كان قد فكر خلال مسيرته الصحافية في أن زياراته المتكررة لإيران أو تغطيته لسياستها الخارجية قد تضعه في ورطة ما، أجاب «لا على الإطلاق!.. اعتدت التعبير عن تحليلاتي الصادقة حول كل قضية من دون أي تردد، لأنني أحب الصدق وأؤمن بالله سبحانه وتعالى. لم أكن أقوم بأي عمل غير قانوني أو مشبوه يشعرني بالخوف أو التوتر. ربما هناك بعض القوى التي لم يعجبها رأيي، وربما تلك الدولة المعروفة باسم (القوة العظمى) غير سعيدة بآرائي أيضا. أنا لا أهتم بهذا على الإطلاق. إن الدولتين المعروفتين باسم القوى العظمى (الولايات المتحدة وإسرائيل) لا تريدان للآراء الصادقة أن تنشر على الملأ. إنهما لا تحبان أن يعارضهما أحد، وربما يكون هذا هو السبب؛ حيث إنني كتبت وتحدثت كثيرا ضد مصالحهما. إن العالم بأكمله يعرف صفاتهما، وربما الكثير من الناس لا يجرؤ على التحدث أو الكتابة ضدهما، لكنني لا أخفي ملاحظاتي أو تحليلي أيا كان».

وأضاف «نظرا لكون القضية منظورة أمام القضاء لا يمكنني الخوض في تفاصيل تجربتي مع الشرطة، لكني أستطيع الجزم بأن ما مارسته الشرطة هو تعذيب نفسي أكثر من مجرد كونه تعذيبا جسديا. فعلى سبيل المثال، تم استخدام تكتيكات بغرض تأخير محاكمتي. لقد كانت تجربة مختلفة للغاية لم أمر بها من قبل، وكشفت لي الكثير من القضايا. أعرف أنه يمكن أن يكون هناك تأخير لكن الحقيقة سوف تسود في نهاية المطاف. لكني سأكون كاذبا لو لم أقل إنها كانت مرحلة صعبة للغاية؛ حيث لم يكن هناك شيء مؤكد، وكادت حالة عدم اليقين تقتلني».

ومع كل هذا، تعهد كاظمي بالنضال من أجل إطلاق سراح الرجال الأبرياء المعتقلين جراء تهم إرهابية ملفقة، كما أنه يوفر المساعدة القانونية المجانية لمثل هؤلاء الرجال؛ حيث قال «من المهم أن يحصلوا على أفضل مساعدة قانونية ممكنة، إذ يتعرض المحامون في العديد من القضايا لضغوط من مجلس نقابة المحامين لعدم تمثيل مشتبه بهم بعينهم، والأهم من ذلك أننا سنقدم لهم الدعم المعنوي الذين يحتاجونه عندما يتراجع دعم عائلاتهم وأصدقائهم».

تواجه كيه شاهينا، أول صحافية مسلمة تعمل حاليا في «أوبن مغازين» في ولاية كيرالا، اتهامات جنائية بترويع شهود بعد كتابتها خبرا في 2010 شككت من خلاله في تهم الإرهاب المرفوعة ضد رجل دين إسلامي بارز من ولاية كيرالا، إذ هددت الشهود للإدلاء بأقوال ضد الادعاء العام، فضلا عن اتهامات بالتأثير على أقوال الشهود في سلسلة التفجيرات التي طالت ولاية بنغالور. كانت شاهينا ناجحة في كشف أقوال الشهود المفبركة من قبل شرطة ولاية كارناتاكا ضد رئيس الحزب الديمقراطي الشعبي عبد النصار مدني المتهم بالتورط في سلسلة التفجيرات في بنغالور.

لقد قابلت اثنين من الشهود في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2010 عندما كانت تعمل مراسلة لمجلة «تيهيلكا» في ولاية كيرالا. وأفاد التقرير التي نشرته في المجلة بأن شاهدي العيان - رفيق ويوغاناندا - تحدثا إلى شاهينا بما يتعارض مع رواية الشرطة، وبالتالي كانت ناجحة في كشف مؤامرات شرطة ولاية كارناتاكا ضد مدني.

وجهت شرطة كارناتاكا لها في نوفمبر من عام 2010 اتهامات بموجب عدة بنود من قانون العقوبات الهندي، إضافة إلى المادة 22 من قانون منع الأنشطة غير المشروعة لعام 1967. وعلى الرغم من الاحتجاجات والتصريحات المناهضة للمضايقات من قبل المنظمات الصحافية وغيرها، فإن القضايا المرفوعة ضدها يبدو أنها ستمضي قدما، لكنها محظوظة لكون المحكمة منحتها حق إطلاق السراح بكفالة بشكل استباقي ولم تذهب إلى السجن مثل الآخرين.

ثم جاءت قضية الصحافي الكشميري سيد افتخار أخف من سابقاتها؛ حيث إنه اعتقل في عام 2002 بتهمة التجسس لحساب وكالة الاستخبارات الباكستانية، لكن أسقطت القضية المرفوعة ضده بعد سبعة أشهر من اعتقاله. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة، فقد تم حبسه احتياطيا في البداية من قبل الشرطة، ثم احتجازه قضائيا، واتهم أخيرا بموجب قانون الأسرار الرسمية.

واعتقل سيد جيلاني بعد إعدام أفضال غورو المتهم بالهجوم على البرلمان الهندي، وأطلق سراح جيلاني بعد قيام بعض الإعلاميين بالتظاهر احتجاجا على اعتقاله.

ومن هنا، يتضح أن هناك عنصرا واحدا مشتركا بين تلك الاعتقالات للإعلاميين، ألا وهو دينهم، ومن ثم تبقى الكثير من الأسئلة في حاجة إلى إجابات، والتي قد نجدها في التقرير التالي.. أصدرت جمعية تضامن المعلمين تقريرا مكونا من مائتي صفحة بعنوان «مُتهم زورا.. ملعون.. بريء: ملفات من زنزانة خاصة جدا»، في سبتمبر (أيلول) 2012، بعد فترة وجيزة من إلقاء القبض على مطيع الرحمن صديقي وغيره بواسطة شرطة بنغالور. يعتمد التقرير المفصل على وثائق قضائية لست عشرة قضية تمت فيها لاحقا تبرئة أشخاص كانوا قد اعتقلوا على أنهم عناصر من جماعات إرهابية مختلفة. وبطبيعة الحال، لا تهتم الأخبار عموما بأحكام البراءة بقدر اهتمامها بالاعتقالات، لذلك غالبا لا تمحى أسماؤهم من أذهان الجمهور.