غزو بريطاني لوسائل الإعلام الأميركية

ديبورا رئيسة لـ«إن بي سي نيوز» بعد طومسون الرئيس التنفيذي لـ«نيويورك تايمز» وبيرز مورغان نجم «سي إن إن»

نجوم بريطانيون في وسائل الإعلام الأميركية (واشنطن بوست)
TT

البريطانيون مقبلون، لا بل ربما وصلوا بالفعل ويديرون بعض أهم المؤسسات التي تعمل في مجال الإعلام والترفيه وينشرون برامجهم وصحفهم ومجلاتهم في مستعمراتهم السابقة. يشغل الكثير من البريطانيين مناصب رفيعة داخل المؤسسة الإخبارية والثقافية الأميركية هذه الأيام مما يدعو المرء إلى التساؤل عما يحدث بالضبط؟ قد يكون صقل الموهبة في السوق البريطانية المحلية أحد العوامل، حيث تدعم دولة يبلغ عدد سكانها خمس سكان الولايات المتحدة ثلاث شبكات تلفزيونية مستقلة وأكثر من عشر صحف قومية سواء ذات الحجم العادي أو المتوسط أو صحف التابلويد. تقول إميلي بيل، الأستاذة بكلية الصحافة في جامعة كولومبيا: «عليك أن تكون ذكيا للغاية حتى تنافس (في بريطانيا)». وتوضح إميلي، البريطانية ورئيسة التحرير السابقة لصحيفة «الغارديان» قائلة: «هناك عدد كبير من صحف التابلويد في الإعلام بالمملكة المتحدة مما يجعل ما تقدمه الولايات المتحدة يبدو مملا مقارنة به. وعلى الرغم من ضخامة سوق الإعلام الأميركية، يمكن أن تشعر المواهب الحقيقية في المناصب الرفيعة المتجمعة في مدينة نيويورك بضآلتها». آخر أفراد قوة الغزو البريطاني هي ديبورا تورنيس، التي تم تعيينها رئيسة لقناة «إن بي سي نيوز» الأسبوع الماضي. وبذلك ستكون تورنيس أول امرأة وثاني بريطانية، بعد هوارد سترينغر، الذي ترأس «سي بي إس» في نهاية الثمانينيات، تشرف على قناة إخبارية في شبكة أميركية كبرى. انضمي إلى النادي إذن. واختارت «نيويورك تايمز» العام الماضي مارك طومسون، الرئيس السابق لمحطة «بي بي سي»، درة التاج البريطاني، رئيسا تنفيذيا لها. كذلك أصبح البريطاني غيرارد بيكر، الرئيس السابق لـ«بي بي سي» وكذلك «فاينانشال تايمز» و«تايمز أوف لندن»، رئيس تحرير «وول ستريت جورنال» في ديسمبر (كانون الأول). كذلك أصبحت البريطانية جوانا كوليس خلال العام الماضي رئيسة تحرير «كوزموبوليتان». وهناك أيضا بيرز مورغان، الصحافي السابق الذي يقدم برنامج مقابلات على قناة «سي إن إن». ولا ننسى مارتن بشير، الذي عمل سابقا في «بي بي سي» ويقدم برنامج مقابلات على «إم إس إن بي سي». كولين مايلر، صحافي بريطاني آخر يرأس تحرير صحيفة «نيويورك ديلي نيوز».

فلنثرثر قليلا. كان رئيس «إي بي سي إنترتينمنت غروب»، بول لي، الذي كان يعمل لدى «بي بي سي»، مسؤولا عن اختيار أوقات عرض البرامج المميزة في «أميريكان برودكاستينغ» خلال الثلاث السنوات الماضية. مع ذلك عينت «إي بي سي نيوز» جون ويليامز خلال شهر مارس (آذار) لإدارة العمل الإخباري الدولي. على الجانب الآخر، تأتي أكثر برامج الواقع التي تعرض في أميركا من منتجين بريطانيين مثل مارك برنيت («سيرفايفر» و«أبرينتايس» و«ذا فويس»)، ونيغل لاثغو وسيمون فولر («أميريكان أيدول» «سو يو ثينك يو كان دانس») وسيمون كويل («أميريكان أيدول» و«إكس فاكتور»).

بطبيعة الحال، ترأست البريطانية آنا وينتور، تحرير مجلة «فوغ»، وتولت تينا براون رئاسة تحرير «دايلي بيست» و«نيوزويك» وقبلهما «ذا توك» و«ذا نيويوركر» و«فانيتي فير». كذلك تولى زوج براون البريطاني، هارولد إيفانز، رئاسة تحرير «إسكواير». ويعد بريطاني آخر، هو رائد الإنترنت نيك دينتون، القوة وراء هذه المواقع الإلكترونية التي تحظى بشعبية كبيرة مثل «غوكر» و«غيزمودو».

على الجانب الآخر، توسعت المنابر الإعلامية التي تتخذ بريطانيا مقرا لها مثل «بي بي سي» و«الغارديان» و«فاينانشال تايمز» و«دايلي ميل» و«إيكونوميست» ببطء في السوق الأميركية. بالطبع تجمع كل من بريطانيا وأميركا روابط ثقافية واقتصادية ولغوية قديمة. ويقبل الأميركيون على مؤلفات الكتّاب البريطانيين من شكسبير إلى جوان رولينغ وتحتضن نجوم السينما والتلفزيون والغناء البريطانيين.

مع ذلك ازدادت القرارات التي يتخذها رعايا المملكة فيما يتعلق بما يراه ويقرأه ويسمعه الأميركيون. واتجهت شركات الإعلام إلى المواهب البريطانية بسبب اليأس على حد قول ديك ميير، رئيس «سي بي إس» والمسؤول الإخباري في «إن بي آر» سابقا والمنتج المنفذ للعمل الإخباري الأميركي في «بي بي سي».

يقول ميير: «كان العمل الإخباري صعبا في هذا البلد خلال الأعوام القليلة الماضية. وليس بالأمر المستغرب أن ترى بعض الاختيارات غير التقليدية. يشهد مجال العمل تغيرات سريعة. من يستطيع أن يعرف ما إذا كانت الاختيارات غير التقليدية أفضل من التقليدية. مع ذلك هذا التوجه مفهوم ومبرر».

الخلاصة هي ما يوضحها بيل قائلا: «إذا قبلت الفكرة الأساسية العامة بأن المنتج في عالم الأخبار التلفزيونية أفضل في بريطانيا أو في المستوى نفسه وأن الرواتب أقل، لم لا تبحث في السوق البريطانية؟». ويشبّه بيل الموجة البريطانية الحالية بالغزو الإعلامي الأسترالي لبريطانيا في الثمانينات. حظي الأستراليون، بقيادة روبرت مردوخ، قطب الإعلام الأسترالي الذي حصل على الجنسية الأميركية أخيرا، بعدد من المناصب الرفيعة في «فليت ستريت» وفي التلفزيون البريطاني.

ربما يكون الطابع البريطاني للإعلام الأميركي في أوضح صوره في «نيويورك دايلي نيوز» التي يرأس تحريرها مايلر. أشار الموقع الإلكتروني لـ«كابيتال نيويورك» إلى أن مايلر وضع بعض لمساته على الصحيفة منذ وصوله، لكنه تساءل: «كم عدد صور شبه العاريات أو مواضيع الجرائم الغريبة في الغرب الأوسط.. التي يمكن لصحيفة إثارة في نيويورك موجهة للطبقة العاملة هضمها قبل أن تصبح شبيهة بالـ(دايلي ميل)؟».

وربما يتمتع المسؤولون التنفيذيون في الإعلام البريطاني بالجاذبية في عصر يلغي فيه الإنترنت كل الحدود كما يوضح بيتر هوروكس، مدير قسم الأخبار العالمية في الـ«بي بي سي» بلندن. ويوضح أن بداية البريطانيين كانت مبكرة، فمؤسسو الإمبراطورية الاستعمارية التي بسطت نفوذها على العالم كانوا أطرافا فاعلة، فالبريطانيون كانوا عالميين قبل فترة طويلة من ظهور ما يسمى بـ«العولمة».

ويقول هوروكس: «كان علينا أن نظهر كأمة فضولية لسنوات طويلة. ولم يعد بمقدورنا فرض أنفسنا على الآخرين بالقوة العسكرية. علينا الاعتماد على ذكائنا وبراعتنا. تفكر المؤسسات الإعلامية في المملكة المتحدة بشكل عالمي». وتعد مؤسسة الـ«بي بي سي»، المدعومة من الحكومة، أضخم مؤسسة إعلامية في العالم، حيث يعمل بها أكثر من 23 ألف شخص، بحسب «واشنطن بوست».

ما الذي يمكن للبريطانيين تعليمه للأميركيين؟ لدى هوروكس الجواب إنه «النظرة العالمية الشاملة والتنافسية والجوع والسخرية». ومع ذلك ربما من الممكن عكس السؤال. لا يوجد سوى القليل من الأميركيين البارزين في صناعة الإعلام والترفيه في بريطانيا. لماذا لم يسر التيار في الاتجاه المعاكس؟ يعتقد أندرو سوليفان، المدون الرائد، ورئيس التحرير السابق لمجلة «نيو ربابليك» أن من أسباب ذلك «الانفتاح الأميركي والموقف الكريم تجاه الكفاءة. لا أعتقد أنك سترى البريطانيين يطلبون من أميركي رئاسة تحرير واحدة من أهم صحفهم أو مجلاتهم». يعتقد سوليفان، البريطاني المولد، أن «القومية والطبقة»، التي هي عجرفة بريطانية بالأساس، لها دور في هذا. كذلك يعلم البريطانيون عن التاريخ الأميركي والثقافة الشعبية والسياسة الأميركية أكثر مما يعرف الأميركيون عن التاريخ والثقافة والسياسة البريطانية نظرا لأهمية السياسة الأميركية بالنسبة إلى البريطانيين وانتشار الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية الأميركية. ويقول سوليفان: «الحقيقة هي أن ثقافة البريطانيين بسيطة. وتحتاج السياسة والثقافة البريطانية مستوى من الانغماس والتفاصيل لا يتعرض له أي أميركي، على عكس البريطانيين الذين يعرفون الشيء الكثير عن أميركا».

بالطبع يعترف سوليفان بتفسير آخر أبسط لنجاح البريطانيين في أميركا، حيث يقول: «الحقيقة المريعة هي أن الأميركيين يسمعون اللكنة البريطانية ويعتقدون أن البريطانيين أذكى. ولا تزال هذه الفكرة سائدة رغم أننا أثبتنا خطأها في الكثير من المناحي»