محمود الورواري لـ «الشرق الأوسط»: نحترم وعي المشاهد والـ«فرقعة الإعلامية» مرفوضة

مقدم برنامج «الحدث المصري» على قناة «العربية» يأمل إنجاز برنامج وثائقي

TT

قال الإعلامي محمود الورواري، مقدم برنامج «الحدث المصري» على قناة «العربية»، إن المصريين أصبح لديهم وعي بالرسالة الإعلامية، ما ساعده على الاستمرار في العمل بعيدا عن «الفرقعات الإعلامية» التي يلجأ إليها البعض في قنوات الـ«توك شو»، مشيرا إلى أنه يرفض طريقة «المذيع السياسي» الذي يتولى التنظير بعيدا عن المهنية المطلوبة في العمل الإعلامي. وأضاف أنه يعمل ويقدم برنامجه في إطار ما لديه من صلاحيات لكن في نفس الوقت لديه حدود لا يجب أن يتخطاها على الإطلاق.

وبدأ الورواري عمله في الصحافة المكتوبة منذ وقت مبكر في مدينة الإسماعيلية التي ولد فيها في شرق القاهرة. كما استمر في العمل الصحافي خلال دراسته الجامعية في العاصمة المصرية، وكان أول تحقيق صحافي يقوم به عن «فتيات الليل»، قبل أن يحترف الإعلام، قائلا إنه أدرك منذ البداية أنه لن يعمل في أي مجال آخر غير الإعلام المكتوب أو المرئي أو المسموع.

وتنقل خلال فترة الثمانينات والتسعينات بين الكثير من الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية سواء من داخل مصر أو عبر العمل في دول الخليج وغيرها. ومن هناك طاف في الكثير من البلدان وغطى الكثير من أحداث الحروب والقلاقل والمتغيرات السياسية الكبيرة في أفغانستان وباكستان وإيران والعراق والسودان وغيرها.

ويعرف الورواري بأنه أديب وشاعر أيضا وله 14 كتابا. ويقول إنه من الصعب التوفيق بين العمل الإعلامي والعمل الإبداعي الخاص (الأدب)، لأن كلا من المجالين يعتبر نفسه زوجة لا تقبل بشريكة لها. لكنه أوضح أنه تعلم من الأديب الراحل نجيب محفوظ الحرص على الاستمرار في الكتابة بشكل يومي مهما كانت الظروف. وإلى أهم ما جاء في الحوار.

* كيف بدأت حياتك المهنية؟

- أنا بدأت مثل أي أحد من جيل التسعينات ممن عملوا في الصحافة المكتوبة، في «الأهرام» اليومي وفي مجلة «الإذاعة والتلفزيون» وعملت أيضا في «السياسة الكويتية» وفي «الأنباء الكويتية» وبعد ذلك دخلت التلفزيون بصعوبة. دخلت تجربة التلفزيون والإذاعة بمصر. وحين بدأت تجربة الفضائيات في بداية التسعينات انخرطت فيها على الرغم من أن الصحافة المكتوبة ظلت مستمرة معي، باعتبارها شيئا مؤسسا ومهما جدا لتجربة الإعلامي بأي شكل من الأشكال. المهم دخلت بعد ذلك قناة «إيه آر تي» ثم خرجت إلى قنوات «الشارقة» و«دبي» وعملت في سلسلة قنوات كثيرة حتى وصلت إلى قناة «العربية» وعدت إلى مصر.

* هل كانت دراستك الجامعية في مجال الإعلام أم في مجال آخر غير الإعلام؟

- أنا أحمل بكالوريوس علوم سياسية، ثم درست في أكاديمية الفنون وأنجزت ماجستير «في القهر والسلطة في المسرح المصري»، لكن الرسالة لم تناقش، إلا أنني أستطيع أن أقول إن دراستي جمعت بين السياسة والفن.

* متى تيقنت أن مهنتك في المستقبل ستكون هي الصحافة أو العمل في الإعلام؟

- منذ كنت في المرحلة الثانوية وأنا لدي علاقة بالكتابة وجربت وأنا في الثانوية العامة أن يكون لدي دخل مالي من الكتابة. وعملت في صحيفة محلية في الإسماعيلية في ذلك الوقت المبكر، مقابل 15 جنيها. لم يكن في تفكيري منذ البداية أن أعمل في أي مجال خارج مجال الإعلام. سواء صحافة مكتوبة أو صحافة مرئية أو مسموعة. في كل الأحوال هذه هي المهنة التي لم أغيرها في حياتي كلها.

* ما أول موضوع صحافي كتبته؟

- أول قصة صحافية كتبتها وأنا في الثمانينات، وكانت عن «بنات الليل». وكنت في الفرقة الأولى بالجامعة عام 1986 بالقاهرة. وأتذكر أنني اضطررت للإقامة في فنادق الدرجة الثالثة لمدة أسبوعين في منطقة العتبة بوسط القاهرة، وهي الفنادق التي كانت تقيم فيها بنات الليل من الراقصات وممثلات الكومبارس وغيرهن. والتقيت بهذه النوعية من البنات. وذهبت وأنا لدي انطباع عنهن يجعلني أكرههن بسبب طبيعة عملهن. لكن حين التقيت بهن واستمعت لحكاياتهن، كانت لكل واحدة قصة إنسانية، واكتشفت أن هذه الشريحة من البشر مظلومة جدا. وتعلمت في هذا التوقيت، ومن خلال تلك التجربة، أنه لا يجب أن أكون قاضيا ولا رجل شرطة. تعلمت وقتها أنه لا بد، قبل أن أطلق الحكم على أي قضية، أن أعرف ما يسبق إطلاق هذا الحكم من دراسة وعلم بالتفاصيل والملابسات. هذه أول قصة صحافية أقوم بها ولا يمكن أن أنساها ونشرت وقتها في مجلة «الإذاعة والتلفزيون».

* وما أول قصة تشعر أنها كانت فارقة في حياتك المهنية بالتلفزيون؟

- أتذكر حين كنت في قناة «الشارقة» أنني قدمت برنامجا اسمه «الآخر» وأصدرته مؤخرا في كتاب. وكان البرنامج بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001. في ذلك الوقت كان الكل يريد أن يستأجر ساعات في الـ«سي إن إن» والـ«أورونيوز» لكي يقولوا للغرب إن الإسلام ليس دينا إرهابيا، بينما كنت أنا أقدم المعادلة المقلوبة، فعملت برنامج «الآخر» وكان كل ضيوفي من الكتاب والمفكرين الأجانب والغرب. ظهر معي نعوم تشومسكي وروجيه غارودي وغيرهما. وكنت أطرح سؤالا: «كيف ينظر لنا». وبعد ذلك، ولسنوات، عملت سلسلة برامج من العراق ومن طهران ومن أفغانستان وباكستان والسودان.

* وما التجربة التلفزيونية أو البرنامج التلفزيوني الذي لم تقم به بعد، وتأمل في أن تقوم به مستقبلا؟

- كان لدي، طيلة عمري، طموح في أن أنفذ شيئا عن العمل التلفزيوني التوثيقي وقمت بذلك بالفعل، ولدي ما يقارب 200 فيلم وثائقي. لكن داخلي رغبة في أن أركز في المستقبل على الوثائقيات. يوجد في رأسي مشروع وثائقي، ولا أريد أن أفصح عن تفاصيله الآن. لو أتيح لي الوقت سأنفذه.

* من قدوتك في العمل الإعلامي؟

- كل من يقوم بعمله ويقدمه بإخلاص هو قدوة لي، حتى لو كان ما يقدمه مجرد حلقة واحدة، أو حتى لو كان من قام بذلك ما زال في مقتبل حياته العملية. لا بد أن أتعلم ممن يتقن عمله ويخلص فيه. لم يكن أمامي إعلامي في ذلك التوقيت، أي في التسعينات، يجعلني أتمنى أن أكون مثله. طوال الوقت كنت أشعر أن لدي طريقا مختلفا في العمل. وطبقت ذلك حين عملت في البرامج الثقافية وعملت على إخراج هذا النوع من البرامج من طبيعتها الجامدة والدليل على ذلك سلسلة البرامج الثقافية التي قمت بها في قناة «الشارقة»، ومنها سلسلة برامج «روائيون»، وتناولت فيه الأدباء من ماركيز إلى نجيب محفوظ. كما أنني حين عملت كقارئ نشرة أخبار كنت أنفذ ذلك بطريقة مختلفة وبأسلوب مختلف. وحين جئت لأقدم برنامج «توك شو» في مصر، درست المسألة بشكل جيد، وتمكنت من الوجود بالطريقة «المهنية» وليس بطريقة «المذيع الذي يرتدي ثوب الزعيم السياسي». قدوتي كل من يخلص في عمله.

* هل يمكن أن تسمي مذيعا أو مقدم برامج قدوة تحتذي به الأجيال الجديدة؟

- شهادتي في هذا المجال قد تكون «مجروحة». كل له بصمته، لكن لا أتمنى أن يكون التيار الموجود في مصر الآن هو التيار الغالب في المستقبل، وأقصد به التيار الذي يخلط بين عمله «كمذيع وكزعيم سياسي» في آن واحد.

* ومن من الكتاب الصحافيين الذين تحب أن تقرأ لهم في مصر؟

- أتابع الصحف كل يوم وهناك كتاب أستمتع بقراءتهم. وأحب عموما القراءة في السياسة الدولية حسب الموضوع. هناك عبد المنعم سعيد الذي أحرص على متابعة مقالاته، وكذلك فهمي هويدي أحيانا. وكذا مصطفى الفقي بشكل جيد، وأيضا عمار علي حسن، ويوسف زيدان.

* وهل هناك كاتب معين من الكتاب الدوليين تتابعه بشكل منتظم؟

- أنا أتابع توماس فريدمان بشكل جيد. وأتابعه خاصة حين يكتب عن الربيع العربي، رغم أن له نظرة خارجية مختلفة عن نظرتنا نحن. لكنني أختلف معه دائما. الصحافة الأجنبية لا بد أن أراقب عناوينها على الأقل بشكل أو بآخر. إذا أردت أن تعرف مجتمعا عليك أن تقرأ صحافته.

* لك مشروع في الكتابة الأدبية، خصوصا الرواية. فهل يؤثر عملك التلفزيوني على هذا المشروع الإبداعي؟ وكيف تقسم الوقت بين هذا وذاك؟

- يؤثر سلبا وإيجابا. ونبدأ بالسلبي. الإعلام زوجة لا تقبل وجود شريكة فيك. هي تريدك وحدك. والأدب زوجة لا تقبل وجود شريكة أيضا. ومن يعمل في هذين المجالين يكون قد وضع نفسه بين مطرقة الأدب وسندان العمل الإعلامي. لكن أنا تعلمت من كاتبنا نجيب محفوظ أن تكتب كل يوم مهما كانت الظروف، وأن تترك دائما مشروعا أدبيا مفتوحا، تكتب فيه كل يوم حتى لو كانت هذه الكتابة لن تزيد على خمس كلمات. ستفاجأ أنه أصبح لديك تراكم. ومنذ مطلع الثمانينات وأن أسير على هذا النهج، واستطعت أن أنتج أربعة عشر كتابا ما بين القصة القصيرة والرواية والمسرح. أما الجانب الإيجابي، فهو أن توظف بين المجال الأدبي والإعلامي ليخدم كل منهما الآخر. الإعلام يفتح لك آفاقا جديدة إنسانيا وجغرافيا، ولولا الإعلام ما كانت عندي هذه التجربة التي طفت من خلالها دولا كثيرة، وأصدرت بعدها رواية «حالة سقوط».

* وكيف توازن بين كل هذا وحياتك الأسرية. أعني كم ساعة تقريبا تمضيها مع الأسرة، بعيدا عن العمل؟

- أولادي الثلاثة على تواصل معهم بشكل مستمر. هم مشروعي المهم جدا في حياتي. أنا من أذهب بهم إلى المدرسة صباحا، وأعود بهم، ونتناول وجبة الغداء سويا، قبل أن أتوجه إلى عملي، إضافة إلى أنني أمضي مع الأسرة يومي الإجازة الأسبوعية، الخميس والجمعة. أنا شريك في كل تفاصيل حياة أولادي. نحن أصحاب. حتى لو كنت في المكتب نتواصل عن طريق الهاتف.

* هل لديك فريق عمل للإعداد وخلافه أم أنك تقوم بكل ذلك بمفردك؟

- أنا ما زلت أعمل بطريقتي القديمة. إذا قورن فريق برنامج «الحدث المصري» بفرق البرامج الأخرى، فإنك قد تجد فريقا لأحد البرامج يصل إلى 30 فردا أو 20 فردا. بينما أنا أعمل بـ3 أو 4 أفراد فقط.

* هل تستعين أحيانا بأي متخصص في شأن من الشؤون في دولة أخرى؟

- من كثرة عملي، وبعد نحو عشرين سنة، اكتشفت أن كل البلاد لك فيها قدم وتعرف فيها أناس. وحين تكون هناك مشكلة في نطق اسم شخص أو مكان في دولة من الدول التي تشهد أحداثا معينة، أقوم بالاتصال بمن أعرفهم للتدقيق في طريقة نطق هذا الاسم أو ذاك، مثلما حدث حين ظهر اسم الرئيس الروسي السابق «ميدفيديف» على السطح. أضف إلى ذلك أن لي خبرة في ملفات عدة دول بالمنطقة مثل الملف الإيراني والسوداني والفلسطيني والمصري واللبناني والباكستاني. هذه ميزة، لكن هذا لا يمنع على الإطلاق من الاتصال الهاتفي للتدقيق حين تكون هناك حاجة.

- مصدري الوكالات. من عمل مثلي في الأخبار من الصعب أن يثق في خبر إلا بعد تمحيصه وتدقيقه. والثقة في خبر أعرفه يختلف عن الثقة في خبر أقوله على التلفزيون. لمعرفة خبر ما يمكن أن أدخل على أي موقع مثل «اليوم السابع» أو «الأهرام»، لكن لكي أظهر على الهواء لأقول خبرا فإن هذا يحتاج إجراءات.. مثلا لا بد من أن يكون موجودا على أكثر من وكالة أنباء، ولا بد من إجراء اتصالات وهكذا.

* بعد أكثر من 20 سنة من العمل في الإعلام، ما النصيحة التي تقدمها للإعلاميين الجدد؟

- أن يبذلوا جهدا كبيرا في العمل، وألا يتعجلوا، لأنه لن يطلق عليك لقب مذيع قبل 5 سنوات من العمل المتواصل.

* ومتى يمكن أن نقول إن هذا أصبح صحافيا ناجحا أو مذيعا ناجحا؟

- النجاح له مقاييس. عليك أن تقدم مبررات نجاحك. ولو كنت تعمل في صحيفة كبيرة فإن مسؤوليتك تكون أكبر، لأنك مهما قدمت أنت موجود في صراع كبير.