هل يقبل الأميركيون التجسس باسم محاربة الإرهاب؟

جدل في الصحافة حول استطلاعات الرأي الخاصة بشبكات التنصت

TT

في الأسبوع الماضي، بعد كشف الشبكة العملاقة والمعقدة التي تديرها وكالة الأمن الوطني (إن إس أيه)، والتي تتجسس على أكبر شركات إنترنت وتلفونات في أميركا (وفي العالم)، قالت أغلبية الأميركيين رايين لا يبدوان متناقضين. أو قد يبدوان:

أولا: لا يخشون التجسس على أنفسهم.

ثانيا: يعارضونه كمبدأ لأنه ضد حريتهم.

لكن، هل قال الأميركيون إنهم يفضلون التجسس على حريتهم؟

ذلك أن استطلاعا أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، ومركز «بيو» في واشنطن، أثار نقاشا لأنه قال ذلك.

وسارعت صحيفة «ميلواكي جورنال» (ولاية ويسكونسن)، وكتبت تعليقا تحت عنوان: كيف حرف استطلاع (واشنطن بوست) رأي الأميركيين؟» وأشارت إلى الأخطاء الآتية في الاستطلاع:

أولا: ربع المشتركين سئلوا يوم نشر الخبر نفسه، وقبل معرفة كل التفاصيل.

ثانيا: أكثر من نصف المشتركين قالوا إنهم لم يتابعوا الخبر متابعة دقيقة.

واعتمادا على ذلك، كتبت «واشنطن بوست» إن 56 في المائة من الأميركيين يؤيدون التجسس، وإن 41 في المائة «فقط» يعارضونه.

وسارع مذيعو التلفزيونات يقولون: «لا يهم التجسس الأميركيين» و«كل شيء في سبيل الحرب ضد الإرهاب» و«أغلبية الأميركيين لا تهتم بحريتها».

لكن، ظهر منتقدون، وخصوصا صحف ومؤسسات استطلاع أخرى. وحتى سياسيون. مثل السناتور راند بول (جمهوري) الذي قال إنه لا يصدق ذلك.

وأشارت صحيفة «ميلواكي جورنال» إلى أن السؤال كان كالآتي: «هل هذا التجسس هو الطريقة الصحيحة لمحاربة الإرهاب، أو لا؟» وقالت الصحيفة إن السؤال كان يجب أن يكون كالآتي: «هل تؤيد الحكومة في التجسس على البريد الإلكتروني لكل شخص لمنع هجمات إرهابية كما تقول الحكومة؟» في الحقيقة، هذا كان سؤال استطلاعات أخرى. وكانت النتائج مختلفة عن نتيجة استطلاع «واشنطن بوست». وأيضا، كانت النتائج مختلفة حسب الأسئلة.

قال استطلاع تلفزيون «سي بي إس» إن 30 في المائة من الأميركيين، قالوا إن كشف الشبكة التجسسية العملاقة أضر بالأمن الوطني الأميركي. لكن، وهذا هو الأهم، قالت نسبة 60 في المائة أنه لم تضر. وخلص التلفزيون إلى أنه، رغم تصريحات الغضب من مسؤولين في الحكومة، ومن ديمقراطيين (أكثر من جمهوريين) في الكونغرس، تعتقد أغلبية الشعب الأميركي أن ما حدث لا يؤذي الأمن الأميركي.

وكانت السناتور الديمقراطية ديانا فاينشتاين (من كاليفورنيا) قادت حملة اتهمت ادوارد سنودين، الذي سرب سر شبكة التجسس، بأنه «خائن».

وقال تلفزيون «سي بي إس»: 75 في المائة يؤيدون الحكومة في التجسس على الذين تعتقد، أو تشك في، أنهم إرهابيون. لكن، قالت نسبة 60 في المائة أن هذا يجب ألا يحدث للمواطن الأميركي العادي. وهكذا، جاءت النتيجة هنا مختلفة قليلا، وذلك بسبب السؤال.

فرق السؤال بين «الأميركي العادي» وبين «الإرهابي». ولا يعقل أن يقول أميركي، أو أي شخص آخر، أنه يعارض تجسس الحكومة على الإرهابيين، أو المجرمين، أو وتجار المخدرات، أو الذين يغتصبون النساء، أو الذين ينشرون صور الأطفال الصغار الجنسية في الإنترنت. لكن، لأن «الإرهاب» شيء غير محدد أي شيء يمكن أن يقال إنه «إرهاب»، وخوفا من استعمال التجسس لأغراض غير الإرهاب، وبسبب عدم ثقة تاريخي وسط الأميركيين ضد السياسيين والحكام، انقسم الأميركيون الذين سئلوا في هذا الاستطلاع الأخير حتى حول التجسس على «الإرهابيين». قالت نسبة 53 إنها تؤيد، وقالت نسبة 40 إنها تعارض، وقالت البقية إنها غير متأكدة يعني هذا أن استطلاع «واشنطن بوست» ومركز «بيو» لم يعكس، حقيقة، حرص الأميركيين على حريتهم، حتى إذا قالت الحكومة إن الإرهابيين يهددون الأمن الأميركي.

في الحقيقة، أوضح الاستطلاع الأخير أن نسبة 60 في المائة من الأميركيين «قلقة» على تجسس الحكومة حتى باسم محاربة الإرهاب. وقال الربع إنهم «قلقون جدا».

وفي هذا الاستطلاع، يتساوي الجمهوريون والديمقراطيون والمستقلون في «جملة القلق». ويتساوى تقريبا الذين لا يقلقون: عشرون في المائة تقريبا.

لكن كان الديمقراطيون أقل قلقا من الجمهوريين. وحسب التحليل المرفق مع الاستطلاع، ربما السبب هو أن أوباما (الديمقراطي) وجد نفسه في موقف المدافع أمام انتقادات الجمهوريين. خصوصا أنه صار واضحا أن قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس أكثر معارضة لشبكة التجسس هذه (والتي دافع عنها أوباما) من قادة الحزب الديمقراطي. يعكس قلق قادة الجمهوريين أكثر من قلق قادة الديمقراطيين حرصا عميقا وسط الأميركيين على حريتهم الخاصة، حتى مع «الحرب ضد الإرهاب»، وحتى إذا دافع الرئيس الأميركي عن شبكة التجسس العملاقة».