الصحافي الأميركي ديفيد روود: هذا ما تعلمته بعد اختطافي من طالبان

كتابه يقدم وصفة لدور الولايات المتحدة المفترض في الشرق الأوسط الجديد

الصحافي الأميركي ديفيد روود خلال احدى زياراته إلى أفغانستان (خاص «الشرق الأوسط»)
TT

يصف الصحافي والكاتب الأميركي ديفيد روود تجربة اختطافه من قبل طالبان بأنها كانت من التجارب الصعبة التي أثرت عليه وجعلته يؤمن بضرورة دعم المعتدلين المسلمين في مواجهة الجماعات المتشددة. ويشير روود في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى فشل إدارة الرئيس باراك أوباما في التعامل مع الثورة السورية، وكذلك موقفها المحير مما يحدث في مصر. ويشرح روود، الذي يعد من أشهر الصحافيين الأميركيين، وعمل في العديد من الصحف الأميركية وأهمها جريدة «النيويورك تايمز» وفاز بجائزة بوليتزر، أن كتابه الجديد «إعادة تخيل للتأثير الأميركي في الشرق الأوسط الجديد» يقدم وصفة جديدة للدور الأميركي المفترض في الشرق الأوسط الجديد. وهنا مقتطفات من الحوار.

* بعد الحادثة الإرهابية الأخيرة في بوسطن كتبت مقالا بعنوان «إلى المسلمين الأميركيين»، توضح فيه الفرق بين المتطرفين والمعتدلين، وأشرت إلى أن هناك صراعا في العالم الإسلامي بين المتشددين والمستنيرين..

- كل ما أريد توضيحه للأميركيين هو هذا الصراع الطويل بين المعتدلين والمتسامحين الكثر في العالم الإسلامي وبين المتعصبين. غطيت مناطق عديدة في العالم الإسلامي واقتربت جدا من هذه المسألة. من المهم أن نقف في صف التسامح والاعتدال ولا نترك فرصة للعمليات الإرهابية لتحقق أهدافها بخلق حالة من الكراهية والتنافر.

* كتابك الجديد بعنوان «ما بعد الحرب: إعادة تخيل للتأثير الأميركي في الشرق الأوسط الجديد».. ما هو الدور الأميركي المتخيل الذي تتمنى تطبيقه؟

- هذا الدور الأميركي الذي أتصوره يتعلق أكثر بدعم المنطقة اقتصاديا وتنمويا ويبتعد عن التدخل العسكري. يجب على الأميركيين أن يستمعوا جيدا إلى حلفائهم المعتدلين في المنطقة والاستفادة من رؤيتهم حول الطريقة المثلى للمساعدة. في الواقع لا نرى في حلفائنا في المنطقة ما يكفي ليجعلنا ننصت لهم. راين كوكر، السفير الأميركي السابق لكل من العراق وباكستان وأفغانستان، قال مرة مخاطبا المسؤولين الأميركيين «أفضل شيء يمكن أن نقوم به هو أن نبطئ من حركتنا ونستمع، ونسأل الناس هناك: كيف يمكن أن نساعدكم؟».

* لكن التأثير الأميركي في الشرق الأوسط في أضعف حالاته منذ عقود طويلة، إن لم يكن معدوما تماما.. يمكن القول إن إدارة الرئيس باراك أوباما اختارت مثل هذا الدور الذي أدى إلى اضطراب المنطقة.. سوريا مثال كبير على ما أقول..

- بصراحة هناك تردد كبير من قبل الإدارة الأميركية في القيام بأي دور فعال في ما يخص الأوضاع المأساوية الجارية في سوريا. كان على إدارة أوباما أن تقوم بتسليح الأطراف المعتدلة من المعارضة السورية حتى تقوم بمواجهة قوات الأسد المتفوقة عليها في السلاح. جزء من تخوف وتردد إدارة أوباما هو التجربة العراقية المنهكة للأميركيين. العراق درس جيد يمنع من التدخل المفرط، ولكن رد فعل الإدارة كان مبالغا فيه. من الخطأ الخلط واعتقاد أن كل مكان آخر هو عراق آخر.

* هذا ما يردده الكتاب المعارضون للتدخل الأميركي في سوريا، «العراق وسوريا توأمان»، كما هو عنوان مقال للكاتب توماس فريدمان..

- هذا بالفعل ما تخشى منه الإدارة الأميركية، وهذا جيد لحد ما، لكن هناك حذرا مبالغا فيه. نرى الآن تداعيات ترك الحالة السورية المتدهورة والتي أثرت على استقرار المنطقة. أيضا على الولايات المتحدة ألا تتخلى عن قيمها ومبادئها الأخلاقية.

* كتبت كثيرا عما يحدث في مصر وانتقدت أداء حكومة الرئيس مرسي. انتقدت أيضا موقف الإدارة الأميركية مما يحدث في مصر ووصفته بالمحير..

- لنتذكر أن الإخوان ربحوا في انتخابات نزيهة وعادلة، لكن الأوضاع اتخذت منحى آخر بعد ذلك، مما أقلق الكثيرين. أعتقد أنه على المعارضة المصرية الغاضبة من خيارات وأداء حكومة مرسى حشد قوتها ومواجهتها في الانتخابات القادمة. ما زالت مصر ديمقراطية وهذا ربما ما سيغير الأوضاع نحو الأفضل.

* كتبت أيضا عن محاولة الحكومة المصرية التضييق على المعلق الكوميدي الشهير باسم يوسف؟

- رد فعل حكومة مرسي تجاه باسم يوسف كان من أكبر الأخطاء التي قامت بها وأثرت على صورتها. مصر تغيرت بعد الثورة ولم يعد هناك مجال للعودة للخلف.

* تعرضت للاختطاف في عام 2008 من قبل طالبان، وبقيت في الأسر لمدة سبعة أشهر، لكنك نجحت في الهرب. كيف أثرت عليك هذه التجربة؟

- في الواقع، هناك مسلمون كثر تم اختطافهم وقتلهم من قبل طالبان والجماعات المتشددة. المتشددون قتلوا من المسلمين أكثر من أصحاب أي ديانة أخرى. كنت محظوظا لأنني نجحت في الهرب، لكن هناك الكثير من المعتدلين المسلمين عانوا أكثر مما عانيت أنا. التجربة جعلتني أتعرف أكثر على المتطرفين، ولكن من جهة أخرى، من ساعدني على الهرب من الأسر هم مسلمون أيضا. كانوا شجعانا بشكل غير معقول وصادقين. ما أحاول أن أقوم به هو أن أجعل الأميركيين يفهمون أن هناك الكثير من المعتدلين المسلمين الذي يعانون من مشكلة المتطرف والمتطرفين أكثر من أي أحد آخر. أريد أن أنقل لهم فكرة أن العالم الإسلامي واسع ومتعدد الثقافات والأفكار.

* بالتأكيد هناك ذكريات ما زالت عالقة بذهنك من هذه التجربة؟

- أتذكر الصحافي الأفغانستاني الذي ساعدني في الهرب والجندي الباكستاني الذي ساعدني على الرحيل، وقام بالاعتذار لي. هناك أشخاص شجعان ساعدوني ومن دونهم لن أكون حيا اليوم. أعرف أن المتطرفين موجودون لكني أفكر في مثل هذه الشخصيات التي تعكس الصورة الأكبر للمسلمين. شعرت بأن المجموعة التي اختطفتني تقول إنها تقوم بذلك لخدمة الإسلام، لكنها كانت تبحث عن أعذار لتقوم بعمليات إجرامية لا علاقة لها بالدين.

* ما هو الشيء الذي جذبك لتكتب عن الشرق الأوسط؟

- أعتقد أن أميركا لا تملك صورة كاملة عن منطقة الشرق الأوسط بناسها وثقافتها، لهذا حاولت أن أقدم مثل هذا التصور عن المنطقة، الأمر الذي يمكننا من التعامل معها بشكل إيجابي. بكلمات ثانية، أريد أن أغير وجهة النظر الأميركية نحو منطقة الشرق الأوسط، وجعلها أقرب للواقع. من المهم، كما ذكرت سابقا، أن نستمع باهتمام لما يقول الناس المعتدلون هناك، والتعلم منهم. هذه هي فكرتي الرئيسة من الكتابة عن الشرق الأوسط والذهاب هناك للتغطية الصحافية. الشرق الأوسط تغير الآن، بل العالم كله تغير. نحن نمر بمرحلة معقدة ومن الصعب الحكم على الأشياء، لكني أسعى للاهتمام بالتفاصيل وفهم التحولات. لكن لا يمكنني أن أقول للمصريين أو التونسيين أو السوريين ما عليهم فعله. هم يعرفون أكثر مما أعرف.

* كتبت مؤخرا مقالا أشبه بالعزاء للصحافة الأميركية المختصة بالتغطية الخارجية..

- الصحافة الأميركية لم تعد تخصص، كما كانت في السابق، الاهتمام والدعم الكافي للمراسلين في مناطق بعيدة. يصعب على الصحافي أن يكتب عن أماكن بعيدة وذات طبيعة ثقافية وسياسية معقدة، إذا لم يكن حاضرا هناك ولمدة كافية. هناك سرعة في العمل الصحافي الأمر الذي يضعف من الأعمال الصحافية المهتمة الدقيقة في قراءتها وتحليلها. لكن هناك جانبا إيجابيا وهو بروز صحافيين مميزين ينتمون لمصر أو تونس أو سوريا وغيرها، ومن خلالهم نحصل على المعلومات المهمة والقيمة.