أوباما ينعى الصحافية هيلين توماس التي أثارت غضب إسرائيل

أكد أنها رائدة حقيقية حطمت الحواجز لأجيال من النساء في مجال الإعلام

هيلين توماس قبل أن تجري حوارا مع الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1981 (أ.ب)
TT

نعى الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم الصحافية المخضرمة هيلين توماس، التي رحلت عن العالم، أول من أمس، عن عمر يناهز 92 عاما، وذلك بعد حياة صحافية حافلة قامت خلالها بتغطية أخبار البيت الأبيض لأكثر من 50 عاما.

وذكرت شبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية الأميركية الليلة قبل الماضية أن أوباما أكد في بيان أصدره أن «هيلين كانت من الرواد الحقيقيين في الولايات المتحدة، وأنها احتلت منصب عميدة الصحافيين الأميركيين بسبب إصرارها على أن ازدهار الديمقراطية في المجتمع الأميركي رهن بتوجيه أسئلة تتسم بالشجاعة، ومحاسبة القادة الأميركيين، وليس استنادا إلى تلك الفترة الطويلة التي مارست فيها العمل الصحافي داخل البيت الأبيض».

تجدر الإشارة إلى أن هيلين توماس أثارت موجة من الغضب العارم داخل إسرائيل، عندما طالبت إسرائيل بضرورة الانسحاب من فلسطين، وعودة اليهود إلى البلاد التي نزحوا منها في بولندا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها.

وتوفيت هيلين توماس المراسلة الصحافية المخضرمة بالبيت الأبيض عن 92 عاما بعد مسيرة طويلة مع الصحافة تعرضت خلالها لانتقادات لاذعة، بسبب مطالبتها الإسرائيليين بالخروج من فلسطين.

ووصف الرئيس الأميركي باراك أوباما توماس بأنها «رائدة حقيقية» حطمت الحواجز لـ«أجيال من النساء في مجال الإعلام». وقال أوباما «السبب الذي جعل من هيلين (عميدة صحافيي البيت الأبيض) لم يكن مجرد طول فترة خدمتها، لكن إيمانها القوي بأن ديمقراطيتنا تعمل بشكل أفضل عندما نُسأل أسئلة صعبة ونحاسب قادتنا».

والتحقت هيلين توماس، وهي ابنة مهاجرين لبنانيين، بمجموعة الصحافيين المعتمدين لدي البيت الأبيض، في الوقت الذي كان يهيمن فيه الرجال على هذا العمل في عام 1961، وقامت خلال عملها الصحافي بالبيت الأبيض بتغطية أنشطة عشرة رؤساء أميركيين، بدءا من جون كيندي وحتى باراك أوباما، حيث عملت في البداية مراسلة لوكالة «يونايتد برس إنترناشيونال» (يو بي آي)، ثم بعد ذلك كاتبة عمود في عدة صحف تابعة لمؤسسة «هيرست» الإعلامية.

واشتهرت هيلين التي كانت من أبرز شخصيات قاعة المؤتمرات الصحافية بالبيت الأبيض بمكانها المعروف في الصف الأول بالقاعة، بأسئلتها الواضحة واللاذعة لإدارات الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

واشتهرت توماس بجملتها الشهيرة في نهاية عشرات المؤتمرات الصحافية للرئاسة الأميركية: «شكرا، سيدي الرئيس»، كما اشتهرت بأسئلتها المباشرة واللاذعة للرؤساء، بطريقة رآها البعض غير لائقة، في حين رأى آخرون، ومن بينهم كثير من زملائها الصحافيين، أن الطريقة التي كانت تتبعها خلال السنوات الأخيرة من حياتها كانت تهدف لتحقيق أجندة معينة.

وخلال آخر عشر سنوات من مسيرتها في عالم الصحافة، عملت توماس كاتبة رأي في صحيفة «هيرست»، وهي المهنة التي سمحت لها بأن تبدي آراءها بشكل أكبر عما كانت عليه عندما كانت تعمل مراسلة صحافية في وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال». واستقالت توماس من عملها في الصحيفة في يونيو (حزيران) 2010، عقب تصريحاتها المثيرة للجدل التي قالت فيها إنه يتعين على إسرائيل «الخروج من فلسطين»، وقد انتشرت هذه التصريحات بصورة كبيرة على شبكة الإنترنت.

وأصدرت توماس بيانا في وقت لاحق، قالت فيه: «أعتذر بشدة عن التصريحات التي أدليت بها الأسبوع الماضي فيما يتعلق بالإسرائيليين والفلسطينيين. هذه التصريحات لا تعكس قناعتي العميقة بأن السلام لن يحل في منطقة الشرق الأوسط من دون اعتراف كل الأطراف بالحاجة إلى الاحترام المتبادل والتسامح، وعسى أن يأتي هذا اليوم قريبا».

وكانت توماس تعتقد أن وسائل الإعلام في واشنطن كانت متساهلة للغاية مع الحكومة، وهي وجهة النظر التي عبرت عنها في كتاب أصدرته عام 2007 بعنوان «كلاب حراسة الديمقراطية: تراجع مهنة الصحافة وكيف تخلت عن الجمهور».

وكانت توماس حادة للغاية مع الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، حيث وصفته عام 2003 بأنه «أسوأ رئيس على الإطلاق»، كما صرحت بأن وسائل الإعلام الأميركية قد حرضت على حرب العراق لعدم مواجهتها بوش بالشكل الكافي.

وفي عام 2009، قالت توماس للرئيس باراك أوباما: «متى ستنسحب من أفغانستان؟ لماذا نستمر في قتل الآخرين وقتل أبنائنا هناك؟ ما الدافع الحقيقي..؟ ورجاء لا تقل لي كما كان يقول بوش: (إذا لم نذهب إليهم، فسوف يأتون إلينا)».

ومن جهتها، كتبت المراسلة الصحافية المخضرمة بشبكة «إن بي سي نيوز» أندريا ميتشل على «تويتر» تقول إن توماس قد «أنارت الطريق لكل من جاء بعدها»، كما قالت الناطقة باسم البيت الأبيض في إدارة بوش، دانا بيرينو، على «تويتر» أيضا: «لقد وقفت إلى جواري في أول يوم أقف فيه على المنصة».

عملت توماس في تغطية أخبار البيت الأبيض عام 1961 لوكالة «يونايتد برس إنترناشيونال»، لتغطية أخبار السيدة الأولى جاكلين كيندي والرئيس الشاب آنذاك، واستمرت في عملها حتى أصبحت عميدة صحافيي البيت الأبيض، وكانت تجلس دائما في منتصف الصف الأول في جميع المؤتمرات الصحافية على مقعد عليه لوحة باسمها. وولدت توماس لأبوين من أصل لبناني ونشأت في مدينة ديترويت الأميركية، وكانت دائمة الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، وهو ما يظهر جليا في تصريحاتها المثيرة للجدل عن الفلسطينيين والإسرائيليين».

وحققت توماس كثيرا من الإنجازات غير المسبوقة، فكانت أول سيدة تنضم لرابطة مراسلي البيت الأبيض على مدى تاريخه الممتد لـ50 عاما، كما كانت أول سيدة تشغل منصب رئيس هذه الرابطة. وفي عام 1975، أصبحت أول سيدة تدخل نادي «غريديرون، الذي يضم أبرز الصحافيين في واشنطن، بعدما ظل حكرا على الرجال على مدار 90 عاما كاملة، ثم أصبحت أول سيدة تشغل منصب رئيس هذا النادي عام 1993. وقد ساعدت توماس عشرات السيدات على العمل في مجال الصحافة. وأصبحت توماس رئيسة مكتب وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال» في البيت الأبيض عام 1974، وهي أول سيدة تشغل هذا المنصب الرفيع، وظلت به حتى عام 2000، عندما التحقت بالعمل في صحيفة «هيرست». وكتبت توماس مذكراتها بعنوان: «الصف الأول في البيت الأبيض: حياتي وأوقاتي»، تقول فيها: «لقد رأيت رؤساء في لحظات انتصار، ولحظات تملق لتحقيق أهدافهم الشخصية، ورأيتهم وهم يسقطون من مكانتهم العالية لاستغلال السلطة والنفوذ، أو ما وصفه الرئيس كلينتون بـ(هفوات الحس النقدي)». يذكر أن توماس قد تزوجت عام 1971 من الصحافي دوغلاس كورنيل، الذي كان يعمل في وكالة «أسوشييتد برس»، ورحل عن عالمنا عام 1982.