هل يحسد الصحافيون مسربي الأسرار؟

من مانينغ الجندي الأميركي إلى أسانج مؤسس «ويكيليكس» وحتى سنودن خبير تكنولوجيا المعلومات

برادلي مانينغ الجندي في القوات الأميركية و إدوارد سنودن خبير تكنولوجيا المعلومات في وكالة الأمن القومي
TT

ظهر انقسام وسط صحافيين كبار في الولايات المتحدة (وفي بريطانيا) حول موظفي الحكومة الأميركية الذين يسربون أسرارها إلى الصحافيين: هل هم «خونة» أو «أبطال»؟

يشير الانقسام إلى ثلاثة أسماء دخلت تاريخ كشف أسرار الحكومة الأميركية:

أولا: برادلي مانينغ، الجندي في القوات الأميركية في العراق الذي سرب، في عام 2009، عشرات الآلاف من وثائق وزارتي الخارجية والدفاع. وأخيرا، حوكم بالسجن لخمس وثلاثين سنة.

ثانيا: إدوارد سنودن، خبير تكنولوجيا المعلومات في وكالة الأمن القومي (إن إس إيه) الذي سرب، في بداية هذه السنة، شبكات تجسس أميركية وعالمية عملاقة تديرها الوكالة. وأخيرا، منحته روسيا اللجوء السياسي.

ثالثا: دانيال السبيرج، مستشار وزارة الدفاع الذي سرب، في عام 1971 تقارير من داخل وزارة الدفاع عن فشل التدخل العسكري الأميركي في فيتنام. وحوكم بالسجن، ثم أطلق سراحه.

يدور النقاش الآن وسط صحافيين حول هذه التسريبات:

في جانب: سأل ديفيد غريغوري، مقدم برنامج «قابل الصحافة» في تلفزيون «إن بي سي»: لماذا لا نعتبر الصحافيين الذين ساعدوا على تسريب أسرار الحكومة الأميركية شركاء في جرائم؛ لأن الذين سربوا هذه الأسرار مجرمون؛ لأنهم خرقوا قوانين الحكومة الأميركية؟

وقال جيفري توبين، معلق في تلفزيون «سي إن إن» وفي مجلة «نيويوركر»، إن سنودن، مسرب أسرار وكالة الأمن القومي، «مصاب بمرض عشق النفس، ويجب أن يكون في السجن». وإن ديفيد ميراندا، الصحافي البرازيلي الذي ساعد سنودن، «يقوم بدور بغلة تحمل مخدرات من مكان إلى آخر».

وقال مايكل غرونوولد، صحافي كبير في مجلة «تايم»، إن جوليان أسانج (مؤسس موقع «ويكيليكس» المتخصص في كشف أسرار الشركات والحكومات، وخاصة الحكومة الأميركية) لا يستحق غير القتل. وقال: «مشتاق لأكتب رأيا يؤيد عملية تقوم بها طائرة (درون) (من دون طيار) وتقتل أسانج». لكنه، في وقت لاحق، اعتذر عن هذا الرأي العنيف.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» وصفت جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، بأنه «مصدر رائحة كريهة عندما يجلس بالقرب منك».

وهكذا، يبدو أن بعض الصحافيين - لكنهم أقلية - إما يعادون مسربي أسرار الحكومة الأميركية، أو يحسدونهم.

وفي الحقيقة، هذا ما كتب ديفيد كار، صحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»: «أساس المشكلة هو: من هو الصحافي؟ الصحافيون المحترفون يريدون أن يحتكروا المهنة، وهذا شيء طبيعي. كل أصحاب مهنة يريدون أن يحتكروها». وأضاف: «لكن المشكلة هي أن انتقاد هؤلاء الصحافيين لأمثال مانينغ، وسنودن، وأسانج يجعل الصحافيين وكأنهم يدافعون عن حق الحكومة في فرض سور من السرية على معلوماتها».

وقال الآن روسبريدجر، رئيس تحرير صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي أحرزت سبقا صحافيا عالميا وتاريخيا عندما كانت أول من كشف تسريبات سنودن: «لا أعتقد أن الذين ينتقدون المسربين يفكرون تفكيرا عميقا فيما يفعلون. ها هي الحكومات تكاد تصف الصحافيين بالإرهابيين. وها هي تستغل الأمن القومي حجة للتجسس على شعوبها». غير أن المشكلة ليست فقط الصحافيين الذين ينتقدون مسربي الأسرار، وربما يحسدونهم على كل سبق صحافي حققوه. هناك مشكلة هؤلاء المسربين أنفسهم. مثل أسانج، الذي لا يكاد يتوقف عن انتقاد الصحافيين، ويقول إنهم هم الذين كان يجب أن يسربوا هذه الأسرار. وأكثر من مرة وصف أسانج الصحافيين بأنهم «كسالى» و«بيروقراطيون» و«صحافيو مكاتب» و«جبناء» و«يخافون من السجون».

استعمل الوصف الأخير عندما علق على الحكم على مانينغ بالسجن 35 سنة. وقال إن مانينغ «ليس فقط شجاعا، لكنه دخل السجن بالنيابة عن صحافيين جبناء لم يفعلوا ما فعل هو».

وشهد كار، صحافي «نيويورك تايمز»، بأنه كان حاضرا خلال غداء مع أسانج وبيل كيلار، رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة. وكان الحديث عن نشر الصحيفة لتسريبات موقع «ويكيليكس» الذي أسسه أسانج. لم يقل إن رائحة أسانج كريهة. لكنه قال إن أسانج قال إن صحافيي «نيويورك تايمز» ليسوا إلا مجموعة من الكسالى، والكذابين.

من على حق؟

المسربون الذين تفوقوا على الصحافيين (ويملكون حق الافتخار بما فعلوا)؟ أو الصحافيون الذين يرون المسربين ليسوا صحافيين (ولا يحق لهم أن يفتخروا بما فعلوا)؟

جيفري توبين، صحافي تلفزيون «سي إن إن» ومجلة «نيويوركر»، قال: «جين مايار، وساي هيرش، وولتر بنكاس لم يسرقوا أسرار الحكومة» (كان هؤلاء من عمالقة الصحافيين الأميركيين الذين كشفوا فشل التدخل العسكري الأميركي في فيتنام). والقصد هو أن الصحافي يقدر على أن يحقق سبقا صحافيا من دون أن يخرق القانون.

لكن، في الجانب الآخر، قال دانيال السبيرج، خبير البنتاغون الذي سرب أسرار التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، إن قول الحقيقة لا يحتاج أن يكون الشخص صحافيا. وإنه، وكان موظفا حكوميا، غلب وظيفته على كشف حقائق كانت مخفية عن الشعب الأميركي.

وسأل: «هل نترك كشف الحقائق للصحافيين، حتى إذا كانوا مقصرين؟ أو هل يمكن لأي مواطن شريف أن يكشف الحقائق؟» (ولم يصف الصحافيين بالجبن والخوف من السجون، كما قال أسانج).