بولا يعقوبيان: الغرور في المهنة يحول النجاح إلى نقمة

قالت في حديث مع «الشرق الأوسط» إن الوصول إلى القناعة يعني الاقتراب من الفشل

TT

لا تجد الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان نفسها في أي عمل غير مجال الإعلام الذي خاضت غماره عن طريق الصدفة، ولم تختر المجال عن سابق تخطيط أو تصميم، ورغم قناعتها بكل ما تحققه وكل خطوة تخطوها، ترى أن الإنسان عندما يصل إلى مرحلة يقتنع بها أو يكتفي بما وصل إليه يعني أنه اقترب من الفشل، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع تفكيرها أو شخصيتها، وفقا لحديث أجرته معها «الشرق الأوسط».

رحلة بولا يعقوبيان الإعلامية بدأت بعد تخرجها في المدرسة، وفي فترة كانت تبحث خلالها عن التخصص المناسب في الجامعة، تراوحت اختياراتها بين دراسة «التغذية» و«الهندسة الزراعية» رغم علاماتها المتدنية في المواد العلمية، إلى أن تلقت عرضا لتقديم نشرة الأخبار بعدما طلب منها خلال زيارتها محطة «آي سي إن» اللبنانية أن تنفذ تجربة أداء، ليكتب لها منذ ذلك اليوم بدء مشوارها في الإعلام، تولت بعدها منصب «سكرتير التحرير» في المحطة نفسها، ثم تقديمها برنامج «السلطة الرابعة»، وبعد ثلاث سنوات انتقلت إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل بي سي آي»، حيث كانت تطل يوميا في البرنامج الصباحي السياسي «نهاركم سعيد» في موازاة تقديمها نشرة أخبار الفضائية اللبنانية.

في عام 1999 انتقلت بولا يعقوبيان إلى محطتي «إم تي في» و«إي آر تي»، حيث قدمت برنامجا سياسيا أسبوعيا لم يصمد طويلا بعد نشوء الخلافات بين القائمين على القناتين المدمجتين ثم انفصالهما، لتنتقل بعدها إلى قناة «الحرة» الأميركية التي كان يديرها زوجها الإعلامي موفق حرب، بيد أن الظروف شاءت أن يترك زوجها القناة لتلحق به بعد نحو أربعة أشهر، ظهرت خلالها على الشاشة ثلاث مرات فقط.

أمضت بولا أكثر من نصف عمرها، وفق ما يحلو لها، وراء الشاشة الصغيرة، من تقديم الأخبار إلى البرامج السياسية ومحاورتها شخصيات عربية وعالمية، منهم الرئيس الأميركي جورج بوش والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي ورئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري.

خلال هذه الرحلة تنقلت المذيعة الحسناء بين أربع قنوات، وترى أن ما حققته إلى اليوم هو إنجاز في مواجهة الطرح الضعيف، كما ترى أن السائد في ذوق الجمهور يميل نحو كل ما هو مسل وخفيف بدلا من أي تحد فكري.

عند سؤالها عن متطلبات الإعلام تقول إن «الإعلام يحتاج إلى قلب قوي وثقة بالنفس وحس تحليلي.. من يخاف أو يتلكأ لن يصل إلى نتيجة»، وترى بولا أن الإعلام المرئي بشكل خاص يتطلب الجرأة والشخصية القوية، ولا تنفي أنه كان لعملها الإعلامي دور في تطويرها على الصعيد الشخصي، «رغم أنهم يقولون إنني أتمتع بالشخصية القوية منذ كنت طفلة»، حسبما تقول.

وتطمح بولا يعقوبيان إلى النجاح الدائم، لكنها ترى أن الغرور يحول النجاح إلى نقمة، قائلة: «على الإنسان أن يكون على قدر هذه الشهرة سلبا أو إيجابا»، أي أن يكون قادرا على التعامل معها في كل وجوهها، مضيفة: «هناك إعلاميون كنت معجبة بهم كثيرا، وأصبت بصدمة عندما تعرفت إليهم. تغيرت نظرتي تجاههم كثيرا».

لا تقتصر مصادر الأخبار بالنسبة إلى يعقوبيان على قناة تلفزيونية أو وسيلة إعلامية محددة، فهي تحاول قدر الإمكان التنوع بين الإعلام العربي والعالمي، وأبرزها «سي إن إن»، و«العربية» و«الجزيرة» إضافة إلى القنوات اللبنانية، وتثني بذلك على نشرة أخبار محطة «الجديد» اللبنانية التي تعتبر أن فريقها يقوم بعمل جيد ويقدم تقارير لافتة.

أما أبرز الأسماء الإعلامية التي تتابعها، فهي كثيرة ومتعددة، أبرزها الإعلامي اللبناني مارسيل غانم، والمصري باسم يوسف.

وفي الصحافة المكتوبة تفضل بولا أعمدة الرأي، وتحرص على مطالعة كل الكتابات لأهم الأسماء اللبنانية والعربية، مثنية كذلك على كتاب تقرأه في هذه الفترة عن فن الخطابة والتواصل للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغين.

وفي خضم غمرة الإعلام اللبناني المسيس، والذي لا تخرج محطة «المستقبل» عن «قاعدته»، لا تزال ترى أنها «محطة لكل اللبنانيين، فيها اختلاط لبناني حقيقي بعيدا عن أي تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي، وهي تدافع في سياستها عن الدولة والمؤسسات وتقاتل ضد السلاح غير الشرعي، لذلك لا أستطيع إلا أن أرفع لها القبعة وأقف إلى جانب رسالة الاعتدال التي تحمل لواءها في وقت بات فيه البلد بأكمله مذهبيا وطائفيا».

وفي ردها على من يقول إن «المستقبل» تسير كغيرها من القنوات اللبنانية في طريق التطرف، تجيب بولا «أنا مع التطرف ضد السلاح غير الشرعي للوصول إلى بلد فيه جيش حقيقي وسلطة حقيقية بدل ارتهانه سياسيا وعسكريا».

وفي نظرتها للثورات والتغطية الإعلامية لها، تقول بولا «لست معجبة بالثورات العربية بعدما كانت الأنظمة السياسية أقفلت على الأحزاب ولم يبق من العمل السياسي إلا الكنيسة والمسجد، لكن لا يمكنني إلا أن أقدر ما حققه الشباب بشكل خاص والشعب بشكل عام في مصر في وقت تصل فيه أكبر ثورة في العالم إلى الشاطئ في لبنان وتتكسر كالموج».

وفي حين تؤكد المذيعة اللبنانية حبها لعملها، تتذكر الإطلالة الأولى لها عبر الشاشة عام 1994، وتقول «لا يمكن أن أنسى هذا اليوم حين كان يفترض أن أقدم نشرة الأخبار مع إعلامية رفضت حينها الظهور معي بحجة أنني مبتدئة، فما كان من مدير الأخبار إلا أن طلب مني أن أقدمها بمفردي. وتضيف مبتسمة: «لم تكن التجربة الأولى سيئة، لكن بعد ذلك أصبحت كما غيرها من النجمات في العالم العربي ملزمة أن تقرأ معي».

تمارس بولا يعقوبيان عملها الذي أصبح يدخل في تفاصيل حياتها بشغف الهواة، ولا تجد نفسها تتكلم أو تناقش بغير المواضيع السياسية وإن كانت ترى أنه ينقصها المزيد من الاطلاع في مجالات أخرى. تقضي بولا يوم العمل العادي بين سبع وثماني ساعات، بينما تصل ساعات يوم الأربعاء، أي يوم بث برنامجها «إنترفيوز»، إلى 12 ساعة متواصلة، تمضيها في التحضير والإعداد والإشراف والإنتاج، وهو الأمر الذي تصفه بـ«الشاق» لأن توزيع المهام أمر مهم، لكنها إلى الآن لم تجد فريق العمل الذي تستطيع أن تتكل عليه بشكل كامل، مضيفة: «لا شك أن مدير الأخبار حسين الوجه شريكي الدائم في النجاحات لكن الفشل أتحمل مسؤوليته وحدي».

ومن يتابع بولا يعقوبيان على مواقع التواصل الاجتماعي يجد اهتماما واضحا من قبلها بهذه الوسائل وحرصها على التواصل مع متابعيها بشكل دائم، وهذا ما تؤكد عليه، وترى أن الإعلام الاجتماعي «طغى على وسائل الإعلام التقليدية نظرا إلى توفيره فرصة التفاعل بين الإعلامي والناس». وتجد في المقابل، أنه من الضروري أن يكون هناك إعلام وإعلاميون متخصصون في كل قضية أو موضوع يتولون تقديمه أو العمل عليه، كأي مهنة أخرى، وتعطي مثالا على ذلك من خلال التجربة التي نجحت في تنفيذها سابقا مع المخرج اللبناني سيمون أسمر، بتقديمها برنامجا فنيا، واصفة إياها بـ«الكارثة»، قائلة: «لم أقتنع بنفسي». وتعلق بولا على الصحافي الذي لا يكون عارفا بأي موضوع يقدمه أكثر من ضيفه بأن الضيف «سيأكله» ويسيطر عليه، مضيفة: «على المحاور أن يكون مطلعا وعارفا ومتواطئا مع الجمهور والرأي العام وليس مع السياسي ضد الناس الذين يمثلهم ولا يمثل نفسه أو آراءه».

وإلى جانب عملها الصحافي، تتولى بولا التدريب الإعلامي والخطابي في الشركة التي تملكها مع زوجها، وهو تدريب لا يقتصر على السياسيين فحسب، «بل يشمل مديري وموظفي الشركات».

وفي تقويمها لأداء السياسيين، ولا سيما اللبنانيون والعرب منهم، تقول بولا: «معظمهم بحاجة إلى تدريب»، مضيفة أن «بعضهم يتحولون إلى مهرجين من دون إعطاء أي قيمة للرأي العام، حتى أنهم يتخطون الحدود في تصرفاتهم وسلوكهم من دون أي محاسبة من قبل جمهورهم الذي يصفق لهم بدلا من انتقادهم، بينما في المجتمعات المتقدمة لا يمكن أن تقبل الشعوب بزعيم مهرج».

وفي نصيحتها للإعلاميين الشباب المبتدئين، تؤكد يعقوبيان على أهمية أن يكون الإعلامي محبا للمهنة، فالصحافة التي تتطلب وفق ما تؤكد المتابعة الدائمة والعمل الدؤوب ليل نهار، لا تقبل العمل بدوام جزئي.