كريستيان كارل: حزنت على نهاية «نيوزويك».. وعبقرية ثاتشر دفعتني للكتابة عنها

الصحافي الأميركي عمل فيها سنوات طويلة.. ويكتب الآن في «فورن بوليسي»

كريستيان كارل
TT

الصحافي الأميركي كريستيان كارل أحد كبار «نيوزويك» الأميركية التي أغلقت أبوابها هذا العام، وهو من الإعلاميين الذين ذهبوا إلى أفغانستان في سنوات الحرب بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وقد شاهد على الأرض ماذا فعل الإخوة المجاهدون بهذا البلد الذي تحول إلى مشاهد وبانوراما من الخراب والدمار.. يقول في حواره مع «الشرق الأوسط»: «لا يمكن إغفال أن الحياة في أفغانستان توقفت في السبعينات، تطلع على بعض الكتب، وتتصفح المجلات، لتكتشف أن هذا البلد كان تقريبا مثل إيران، كان بلدا متطورا ومنطلقا، وكان وجهة سياحية يقصدها الأجانب، ولكنه أشبه بمن ارتطم بجدار وأخذ يتحرك إلى الوراء». وجاء الحوار على النحو التالي:

* من أين أتت فكرة كتابك الأخير الذي يتحدث عن أهمية عام 1997 في التحولات السياسية والاجتماعية التي أعقبته؟

- بدأت فكرة الكتاب عندما كنت في أفغانستان في عام 2001، ذهبت للتغطية الصحافية بعد أسابيع قليلة من أحداث 11 سبتمبر. كانت لحظة مهمة أن تأتي لهذا البلد الذي لم يعرف أبدا الاستقرار منذ عام 1979. البلد يعيش في حرب وقلاقل مستمرة منذ ذلك الوقت. لا يمكن إغفال أن الحياة هناك توقفت في السبعينات. تطلع على بعض الكتب، وتتصفح بعض المجلات من تلك المرحلة، لتكتشف أن أفغانستان في السبعينات كانت تقريبا مثل إيران. متطورة ومنطلقة. أفغانستان كانت وجهة سياحية يقصدها الأجانب الذين ينتشرون في مدنها، وخصوصا كابل. الحياة الاجتماعية مختلفة والفتيات يلبسن التنورات القصيرة. ولكن في عام 1979 ارتطمت أفغانستان في جدار، وأخذت تتحرك إلى الوراء. ذهبت إلى العراق عام 2003 ولاحظت أيضا السيارات، والأثاث من مرحلة السبعينات. الرئيس صدام حسين تسلم الحكم عام 1979، وبعدها دخل العراق في سلسلة من الحروب والأزمات. العراق بالطبع أكثر تطورا من أفغانستان، ولكن بدا لي أن العراق ارتطم في جدار في نهاية عقد السبعينات ولم يتحرك بعدها. فكرت كثيرا بعدها في هذه المصادفة التي جعلت بلدانا في أماكن متعددة يحدث لها تقريبا ذات الشيء.

* لماذا وصفت شخصيات مثل الخميني، مارغريت ثاتشر، الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ، والبابا يوحنا بولس الثاني بـ«المتمردين الغرباء» كما جاء في عنوان الكتاب؟

- السبب أن كل هذه الشخصيات التي ذكرتها في سؤالك شخصيات قامت بأعمال ثورية تحت عنوانين محافظة. المحافظة تعني إبقاء الوضع كما هو عليه، ولكن هذه الشخصيات خرجت من هذه الأفكار المحافظة لتقوم بمشاريعها الراديكالية، لذا هم غرباء بهذا المعنى. المحافظون الثوريون. تسمية غريبة ومتناقضة. هكذا رأيتهم.

هؤلاء القادة كانوا مهتمين في الأفكار ومشغولين بها. ليسوا مجرد قادة مهمتهم إنجاز برامج سياسية أو إصلاحات اقتصادية معينة، بل كانت لهم رؤية فكرية أوسع.

* هذه أحد الأسباب التي جذبتك للكتابة عنهم. أليس كذلك؟

- هذا صحيح. هم في الحقيقة قادة عمليون، ولكنهم يملكون رؤى تغييرية جذرية. ليس طموحهم أن يمرروا بعض القوانين. أوباما على سبيل المثال ليس مثلهم. لا يملك مثل هذه الرؤية الكبيرة التحويلية، بل أراه محافظا يميل للوسط. لكن هذه الشخصيات كانت تريد أن تغير الواقع وحتى معاني الكلمات. في حملة ثاتشر الانتخابية وصفت بـ«الرجعية». الوصف بالرجعية في السبعينات يعد كالشتيمة، ولكنها قالت: «بالطبع أنا رجعية. أنا سعيدة لكوني رجعية. هناك أشياء خاطئة في بلدنا وعلينا أن نرجع ونصححها». هذا كان ردا عبقريا منها ولا يصدق. إنه يكشف عن عمق وجدية نياتها الراديكالية. دينغ شياوبينغ غير معاني كلمات مثل «الماوية» و«الرأسمالية». غير بالكامل الخطاب في الصين. نعم حافظ على بعض الأشياء، ولكنه دفع برقة وهدوء السفينة الهائلة التي سماها الصين إلى مسار آخر مختلف تماما. كان استراتيجيا عبقريا.

* هل ذلك الوقت المتوتر، نهاية السبعينات، هو الذي أنتج هذه الأسماء أم هو عائد إلى مزاياها الشخصية؟

- أعتقد أن الشخصيات التاريخية الكبيرة تظهر عندما تكون الحاجة لها ماسة. ما حدث في نهاية السبعينات هو إعلان لموت المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. فترة طويلة من السلام غير المسبوق. صعود أوروبا ونهاية الاستعمار وازدهار الاقتصاد الأميركي، ننسى أحيانا كيف كانت هذه الأحداث سائدة في ذلك الوقت. كل هذه الأشياء بدأت تفقد زخمها تدريجيا. إنه أشبه بالانهيار الحتمي لنظام جيلي، في ذلك الوقت تبرز شخصيات تقود. انتعاش الصحوات الدينية في نهاية السبعينات يعبر عن ذلك. انتشرت في العالم الإسلامي وكذلك في الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا. شيء غريب. أليس كذلك؟!

* أوباما ليس رئيسا تغييريا كما توقع الكثيرون في بداية رئاسته. هل ترى في عالمنا اليوم قادة ذوي رؤية خاصة؟

- لا يوجد في عالمنا اليوم قادة يملكون رؤى ثاقبة واسعة، وذلك يعود إلى طبيعة العالم الذي نعيش فيه. عالمنا أكثر تعقيدا. عالم كوكبي تكنوقراطي تكنولوجي أكثر من كونه آيديولوجيا. لهذا السبب باتت الحاجة أقل لقادة عظماء يحدثون إنجازات كبيرة. العالم يدفع لإنتاج قادة تكنوقراط. قادة مثل أوباما يصلحون بعض الأخطاء لجعل النظام يعمل بشكل أفضل.

* عملت في المجلة الشهيرة «نيوزويك» لفترة طويلة. كيف شعرت بعد أن سمعت خبر إغلاقها؟

- كنت حزينا ولكن لم أكن متفاجئا. عندما كنت في «نيوزويك» كنت أعرف أن المجلة متورطة ماليا وتعاني في زمن الإنترنت. قوة مجلتي الـ«نيوزويك» والـ«تايم» كانت في وقت سابق، حيث اعتبرت من المطبوعات القليلة التي تمثل مصدرا للمعلومة والمعرفة للناس الذين ليس لديهم مصادر أخرى. لكن هذه السوق بدأت في التضاؤل تدريجيا وأتى بعد ذلك الإنترنت ليخنقها. من الصعب أن تنجو المجلات في هذا الوقت. الـ«تايم» مستمرة ولكنها منغمسة بمشكلات عويصة. قلت إنني حزنت ولكن هذا أمر متوقع. للقصة جانب إيجابي هو صعود إعلام متعدد ومتنوع يغطي العالم الواسع الكثيف الذي نعيش فيه اليوم. الصحافة الكلاسيكية غير قادرة على تغطية هذا التنوع. لا أرى كيف بإمكانها أن تقوم بذلك.

* تكتب الآن لمجلة الـ«فورن بوليسي»، ولكن فقط في موقعها الإلكتروني.. ما الفرق عن تجربتك في الـ«نيوزويك»؟

- تجربة مثيرة. في الـ«نيوزويك» كنت أستقبل كل ثلاثة أو أربعة أشهر رسالة من قارئ. الرسالة تصلني حيثما كنت عبر قسم البريد في مقر المجلة في نيويورك. أنا متأكد أن هناك رسائل كثيرة لا تصلني (يضحك). أقوم بالرد عليها إذا استطعت. ولكن علي القول إنني أحب وأفضل الصحافة الإلكترونية لأن التواصل مع القراء مباشرة وأسرع. هناك تبادل واسع للأفكار. في الـ«نيوزويك» كنت أشعر بأنني أحاضر على جمهور افتراضي لا أعرفه.

ولكن الانتقادات التي توجه للصحافيين الإلكترونيين الشباب - إذا صحت التسمية - تتهمهم بعدم الالتزام بالأعراف الصحافية.

* هناك صحافيون هواة، ولكن هناك أيضا صحافيين يلتزمون بالعمل المهني، والناس تثق أكثر بإنتاجهم. عندما يحصل أحد مشاهير المدونين على عقد كتاب يشعر كأنه جرى الاعتراف بأهميته وجديته. لماذا؟

- لأن الجميع قادر على كتابة مدونة.. لكن ليس كل أحد قادرا على تأليف كتاب. لهذا يعتبر الكتاب كالشهادة بجدية الصحافي واحترافيته. الصحافة الإلكترونية الجادة المحترفة موجودة وستكون مطلوبة.

* قلت لي في محادثة سابقة قبل وقت قصير عقب عودتك من ليبيا إن شبح القذاقي ما زال يحوم فوق البلاد. كيف ذلك؟

- يؤسفني القول إن القذافي ما زال هناك.. سيطر القذاقي على حياة الليبيين عقودا، ويبدو أنه من الصعب التخلص من شبحه المرعب بسهولة.. اسمه يأتي في كل حوار، مطبوع على كل جدار.. رسوماته منتشرة في أماكن متعددة.. تشعر بحضور إرثه الذي من الصعب الهروب منه، لكن من الأشياء المثيرة في ليبيا هو كيف أن الناس تريد فعلا النظام الديمقراطي حتى بالتعريف الغربي للكلمة. لم ينتخبوا الجماعات الإسلامية، ويتظاهرون على الجماعات المتطرفة وبالتأكيد هم معارضون للآيديولوجيات التكفيرية. هذا كان واضحا بالنسبة لي، لكنها لحظة مثيرة وخطيرة في ليبيا، أتمنى أن يستطيعوا الخروج منها بوضع مستقر، وأن لا ينزلقوا إلى فترة طويلة من القلاقل يعقبها حكم تسلطي.. بالتأكيد هم لا يريدون ذلك ولا يستحقونه.